بالتزامن مع الاجتماعات السورية الروسية الجارية لمتابعة أعمال المؤتمر الدولي حول عودة اللاجئين والمهجرين السوريين، ثارت من جديد التساؤلات حول إمكانية عودة ملايين السوريين إلى بلادهم بالفعل، في ظل تضارب المواقف المحلية والدولية حول هذا الملف، وربطه بإطلاق عملية إعادة الإعمار في سوريا.
وأعرب محللون سياسيون في تصريحات لـ"سكاي نيوز عربية" عن شكوكهم في وجود رغبة أو قدرة حقيقية لدى الحكومة السورية لإعادة اللاجئين، معتبرين أن الأمر يحتاج لتوافق دولي لا يبدو أنه قريب، خاصة مع اختلاف مواقف أصحاب التأثير الأكبر على الأمور في داخل سوريا، مثل تركيا وروسيا وأميركا والاتحاد الأوروبي، حول الأمر.
واعتبر وزير الخارجية والمغتربين السوري في حكومة تسيير الأعمال، فيصل المقداد، أن قضية عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، تتعرض "لتسييس يمارس علنا من قبل الدول الغربية".
ونقلت وكالة الأنباء السورية عن المقداد، قوله خلال الاجتماع المشترك السوري الروسي المنعقد (من الاثنين حتى الأربعاء) في دمشق لمتابعة أعمال المؤتمر الدولي حول عودة اللاجئين والمهجرين السوريين، إن بعض الجهات هدفها "عرقلة عودة الراغبين من اللاجئين، وهم الأغلبية، إلى وطنهم، وذلك بغرض تحقيق مآرب سياسية".
وفي 17 يوليو الجاري، صرح الرئيس السوري بشار الأسد عقب أدائه اليمين الدستورية لولاية رابعة، أمام مجلس الشعب: "أكرر دعوتي لكل من غرر به وراهن على سقوط الوطن وعلى انهيار الدولة، أن يعود إلى حضن الوطن؛ لأن الرهانات سقطت وبقي الوطن".
وفر من الحرب السورية أكثر من 5.6 ملايين شخص خارج البلاد، وأكثر من 6 ملايين نازح بالداخل، واستقبلت تركيا أكثر من 3.5 ملايين لاجئ، ولبنان نحو مليون، والأردن نحو 633 ألفا، وأكثر من 130 ألف شخص في مصر، واستضافت ألمانيا 790 ألفا، وذهب 100 ألف لاجئ إلى السويد، بحسب تقديرات الأمم المتحدة، وهي تقديرات لا تعكس الأرقام الحقيقية التي هي أكبر بكثير.
وانعقد المؤتمر الدولي حول عودة اللاجئين السوريين في دمشق نوفمبر 2020، ودعا -بتأييد روسي قوي- إلى ضرورة المساعدة على العودة الآمنة الطوعية للمهجرين والنازحين إلى أماكن إقامتهم المختارة، وإعادة إعمار المناطق المتضررة، وتأتي الاجتماعات السورية الروسية الحالية لمتابعة نتائجه.
ورقة مساومة
يصف الباحث السياسي أحمد عليبة، ملف اللاجئين السوريين بـ"الورقة السياسية" التي يلجأ لها كافة الأطراف السورية والإقليمية والدولية بإطلاق دعوات لضرورة عودة المهجرين من دون النظر إلى جاهزية المدن أو توافر الاستقرار في مدنهم.
ويفسر عليبة في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية" التصريحات المتكررة للرئيس السوري عن عودة اللاجئين بـ"التوظيف السياسي للملف لإرسال رسائل محددة في الداخل والخارج بعد نجاحه في الانتخابات الرئاسية، لا سيما وأن النظام السوري لا يمتلك المقدرة على وضع سيناريو لإعادتهم بمفرده مع استمرار الضغوط الروسية والإيرانية من جانب، والخلاف القائم بين تركيا وأوروبا من جانب آخر".
ويشير إلى أن عودة اللاجئين ليست بالأمر المستحيل، ولكن تحدد ملامحها وفقا لتطورات المشهد السوري والتفاعلات الميدانية والسياسية ما يسح بحل الملف وإعادتهم بشكل تدريجي.
بينما يؤكد نواف خليل، مدير المركز الكردي للدراسات، لـ"سكاي نيوز عربية"، على أن "النظام السوري ليس لديه الرغبة والاستعداد لاستقبال اللاجئين"، متسائلا عن "سبب عدم إقناعه للاجئين المتواجدين في لبنان بالعودة تدريجية رغم سوء الأوضاع المعيشية هناك وتصويتهم له في الانتخابات الأخيرة".
ويعتبر خليل أن حسم ملف اللاجئين يتوقف على "التوافق السياسي بين النظام السوري مع أميركا ودول الاتحاد الأوروبي وروسيا وتركيا وإيران معا، وهو أمر لا يلوح في الأفق لتشابك المصالح واختلاف المواقف من الأزمة السورية ما يؤجل الملف لأجل غير مسمى".
ابتزاز تركي
في بداية الأزمة السورية رحبت الحكومة التركية باستقبال السوريين لتصبح الدولة الأولى في استقبالهم، وتدريجيا ظهرت دوافع أنقرة من وراء الاستضافة.
ويشرحها نواف خليل بأن تركيا بحثت عن "المنفعة واستثمار بالحصول على مئات الآلاف من الدولارات مقابل بقائهم على أراضيها في المخيمات، وتستغلهم كورقة ابتزاز ضد أوروبا".
وفي نفس الوقت تستغل أنقرة عددا من اللاجئين في إعادة توزيعهم وتسكينهم، ليس في أماكنهم الأصلية، بل في مناطق بشمال سوريا وقعت تحت سيطرتها في عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون العسكريتين، لإزاحة السكان الأكراد من هذه المناطق.
ويصف عليبة هذه العملية بأنها "العودة في إطار التغيير الديموغرافي" لخدمة التوغل التركي في الشمال السوري عقب انسحاب القوات الأميركية من هناك في عام 2019.
وتضررت مدن تل أبيض ورأس العين وعفرين من التغيير الديموغرافي التي نفذته تركيا، بعد جلب 2200 عائلة من تركمان الأغوار وعناصر إرهابية يحملون الجنسية السورية، وتوطينهم بدلا من الأكراد.
صعوبة العودة
تسببت الحرب في خسائر جسيمة في البنية التحتية والقطاعات الخدمية في أغلب المدن السورية، وتقدر الإسكوا (لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا) تكلفة إعادة إعمار سوريا بحوالي 400 مليار دولار، بعد تضرر 70% من خطوط الكهرباء والوقود، وتدمير ثلث المدارس وأكثر من 50% من البنية التحتية الصحية، وخسارة الناتج المحلي الإجمالي بحوالي 324.5 مليار دولار، ما يقدر خسائر الاقتصاد السوري بحوالي 442 مليار دولار.
ويفند نواف خليل تحديات العودة بأنها تتمثل في عدم توافر مناخ سياسي وأمني مناسبين لاستقبال اللاجئين، وغياب الإمكانيات الاقتصادية واللوجستية في المدن المحررة، مشيرا إلى أن المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية تعاني من أزمة اقتصادية لعدم توافر الكهرباء والمحروقات والخبز في العاصمة دمشق، لاسيما مع وصول سعر الدولار إلى 3 آلاف ليرة سورية.
ويقول عليبة إن "في الوقت الراهن تظل سوريا غير مؤهلة لاستقبال النازحين في منازلهم لفشل المحاولات السابقة لإعادة إعمارها، كما أن إعادتهم إلى مخيمات داحل سوريا أمر غير آمن لسوء مستوى المعيشة وانتشار الأسلحة ووجود ثغرات أمنية بها لبقاء بعض عوائل تنظيم داعش".