تترقب تونس محاكمة الفاسدين في أعقاب قرارات المؤسسة القضائية بفتح تحقيقات عاجلة في ملفات فساد تشمل ثلاثة أحزاب من بينها حركة النهضة الإخوانية، بتهم الفساد المالي والسياسي والإضرار بأمن البلاد.
وأعلن الناطق الرسمي باسم القطب القضائي الاقتصادي والمالي في تونس، محسن الدالي، الأربعاء، فتح تحقيق بشأن 3 أحزاب، من بينها حركة النهضة، بشأن تلقيها تمويلات أجنبية أثناء الانتخابات.
وأوضح الدالي، أن التحقيق سيشمل كلا من حركة النهضة وقلب تونس وعيش تونسي، وسيتولى قضاة التحقيق القيام بـ"إجراءات تحفظية" ضد المشتبه بتلقيهم تمويلات أجنبية.
وفي هذا الصدد، قال الدالي لموقع "سكاي نيوز عربية": "السادة قضاة التحقيق سيتولون القيام بإجراءات تحفظية، ضد من يراهم القضاة مسؤولين عن تهم تتعلق بتمويلات أجنبية لحملات انتخابية، وتمويلات مجهولة المصدر".
كيف ستتم محاكمة الفاسدين؟
وفيما يتعلق بآليات محاكمة الفاسدين، قال المحامي التونسي حازم القصوري لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن القرارات القانونية التي صدرت الأربعاء تعد تكميلية للقرارات التي أعلن عنها الرئيس التونسي قيس سعيد مساء الأحد الماضي، والتي استندت للمادة 80 من الدستور، مشيرا إلى أنه قد يتبعها مجموعة خطوات لاستكمال عملية استعادة الاستقرار ومحاسبة الفاسدين في البلاد.
وأوضح القصوري أن "قرارات الرئيس التونسي التي صدرت عقب الاحتشاد الشعبي للمتظاهرين في مختلف المدن يوم 25 يوليو، جاءت دستورية وقانونية ومعبرة عن إرادة الشعب كما التزمت بمقتضيات المواطنة وحقوق الإنسان"، مشيرا إلى أن "الإجراءات القضائية لمحاسبة العناصر الفاسدة، ستشمل التتبع القضائي والإعلان تباعا عن أسماء الكيانات والأشخاص المتورطين بعمليات فساد مالي وسياسي".
ولفت إلى أن النيابة العمومية التونسية "بدأت الأربعاء أولى الخطوات بصدد محاكمة المتهمين بتلقي تمويلات خارجية وممارسة وقائع فساد سياسي في البلاد بالإعلان عن محاسبة حركة النهضة وحزب قلب تونس في إجراء ستتبعه عدة إجراءات أخرى وتحقيقات موسعة للوصول إلى الحقيقة".
وأكد أن الإجراءات انحازت للقانون والمحاكمة الجنائية العادلة، مع الالتزام الكامل بحقوق الإنسان، والحريات العامة.
ما طبيعة التهم الموجهة لحركة النهضة؟
وتواجه حركة النهضة الإخوانية في تونس عدة تهم أمام القضاء أبرزها تلقي تمويلات أجنبية، ودعم بعض الكيانات المتطرفة، واستغلال المؤسسة القضائية والتورط بتصفية المعارضين.
وتشير أدلة الاتهام للحركة، باعتبارها فاعلا رئيسيا في قضية مقتل شكري بلعيد ومحمد البراهمي.
وبحسب المحلل السياسي التونسي بلحسن اليحياوي، فإن "النهضة" عملت لصالح أجندة التنظيم العالمي للإخوان وليس وفق أجندة وطنية، ويغيب عن أدبياتها تماما مفهوم الدولة وقيم الوطنية.
وفي تصريح لـموقع "سكاي نيوز عربية"، قال اليحياوي إن جلّ تحركات حركة النهضة الإخوانية كانت تصب لصالح أجندات خارجية، مؤكدا أن العمل لصالح هذا التنظيم برأسيه قطر وتركيا كانت مسبقة على مصالح الوطن في تونس.
وبيّن الباحث التونسي أن الجريمة الكبرى لحركة النهضة هي ما اقترفته بشأن ليبيا، الجارة العربية، التي تأذت بسبب تمكن حركة النهضة من مفاصل الدولة في تونس، وتواجدها على رأس دوائر صناعة القرار، وهو ما جعلها تقدم الكثير من التسهيلات للأطراف التي أرادت العبث بالجغرافيا الليبية، ولذلك كانت مساهمة حركة النهضة كبيرة جدا في تسهيل عمل تركيا في ليبيا، وسهلت خلال فترة حكمها للبلاد، مرور المسلحين والمتطرفين إلى ليبيا عبر الأراضي التونسية، كما عبرت أسلحة من حوض البحر المتوسط إلى ليبيا.
النهضة رأس الفساد في تونس
وفي تقريرها الصادر نهاية العام الماضي، كشفت محكمة المحاسبات، أعلى هيئة قضائية رقابية في تونس، أن حركة النهضة تتصدر قائمة الأحزاب السياسية، التي ارتكبت خروقات وتجاوزات قانونية، خلال الانتخابات البرلمانية والرئاسية 2019، أثرت على إرادة الناخب وعلى النتائج، من أجل الوصول إلى أهدافها، فيما أشار التقارير إلى أن قيمة التمويلات الأجنبية التي حصلت عليها الحركة خلال الانتخابات تجاوز 285 ألف دولار.
كيف سترد النهضة؟
وفيما يتعلق بالخيارات المطروحة بالنسبة لحركة النهضة، يقول المحلل السياسي التونسي نزار جليدي، إن العنف "يظل خيارا بالنسبة للحركة، خاصة أن لها سجلا داميا في استخدام الإرهاب لتصفية المعارضين وحسم الخصومة السياسية لصالحها"، ومشيرا إلى أن الحركة لديها جهاز سري مسلح من المتوقع أن ينشط خلال الفترة المقبلة لتنفيذ بعض العمليات في الداخل التونسي، ويمتد للحدود الشرقية للبلاد مع ليبيا.
ويرى جليدي أن القرارات التي أعلنها الرئيس التونسي قيس سعيد خلال الساعات الماضية، تستهدف بالأساس تجفيف منابع الإرهاب والتطرف في البلاد وتطويق عناصر حركة النهضة الفاسدين، والحد من ردة فعلهم المتوقع أن تكون شرسة جدا، ولكنه أشار أيضا إلى التراجع الحاد في شعبية حركة النهضة على مستوى الشارع وأنها فقدت بشكل كبير سيطرتها على المواطنين وأصبحت شبه عاجزة عن الحشد باستثناء أنصارها.
أما الخطوة الهامة التي أشار إليها جليدي في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية"، فهي الحوار مع المجلس الأعلى للقضاء لتحديد رئاسة النيابة العمومية المدنية والعسكرية وأن يكون الرئيس هو المشرف عليها جميعا، وأهمية البدء الفوري في محاسبة الفاسدين، ومحاكمة من استولوا على أموال الدولة.
ومساء الأحد، أعلن قيس سعيد تجميد كل سلطات مجلس النواب ورفع الحصانة عن كل أعضاء البرلمان وإعفاء رئيس الوزراء هشام المشيشي من منصبه.
كما قرر الرئيس التونسي تولي رئاسة النيابة العمومية للوقوف على كل الملفات والجرائم التي ترتكب في حق تونس، وتولي السلطة التنفيذية بمساعدة حكومة يرأسها رئيس حكومة جديد ويعينه رئيس الجمهورية.
وفي كلمة له عقب اجتماع طارئ مع قيادات أمنية وعسكرية، قال الرئيس التونسي: "لن نسكت على أي شخص يتطاول على الدولة ورموزها ومن يطلق رصاصة واحدة سيطلق عليه الجيش وابلا من الرصاص".