"نحن أقسمنا على حماية الوطن" بهذه الكلمات أجاب العسكري الذي يقوم بتأمين مدخل البرلمان التونسي رئيس حركة النهضة ورئيس البرلمان راشد الغنوشي ونائبته سميرة الشواشي فجر الـ26 من يوليو عندما حاولا دخول البرلمان في مخالفة واضحة للقرارات والإجراءات التي أعلن عنها رئيس الجمهورية قيس سعيد بتفعيله الفصل 80 من الدستور وتجميد عمل البرلمان وإقالة رئيس الحكومة ورفع الحصانة عن النواب.
وتعمل المؤسسة العسكرية في تونس على إرساء التوازنات في البلاد منذ ثورة يناير 2011 عندما وقف الجيش في صف التونسيين وحمى المواطنين والممتلكات الخاصة والعامة حتى أن الجيش التونسي يعتبر محل ثقة مطلقة في ذهن جل التونسيين.
ومن جديد كان الجيش أمام تحدي دور وطني آخر فبعد قرارات قيس سعيد طوق الجيش مبنى البرلمان، ومنع دخول رئيسه راشد الغنوشي، كما تولى تأمين مؤسسات الدولة وشوارع البلاد.
ويتخوف البعض في تونس من المس بحيادية المؤسسة العسكرية أو إقحامها في قلب المعارك السياسية، بعد أن نجحت لعقود في المحافظة على حيادها غير أن المراقبين يؤكدون أن الجيش التونسي يعمل في إطار القانون وضمن ترتيبات الدولة المعمول بها، وأن ولاءه للوطن وليس للأشخاص ولا يمكن أن يتورط في الانحياز السياسي بل هو يلتزم باحترام تطبيق القرارات الجمهورية وفق ما يمليه دستور وقانون البلاد.
وتعليقا على موقف الجيش قانونيا مما يحدث، قال أستاذ القانون الدستوري عبد الرزاق مختار في تصريحات لموقع سكاي نيوز عربية إنه من السابق لأوانه قراءة مجال تدخل المؤسسة العسكرية في المستجدات الراهنة خصوصا أنها لم تعلن حتى الساعة عن موقفها طالما أنها محكومة بمبادئ الجمهورية.
وأضاف “القوات المسلحة العسكرية قوات جمهورية ترتكز مهامها على الدفاع عن الوطن وحماية وحدته الترابية كما أنها ملتزمة بالحياد ومن واجبها معاضدة السلطات المدنية، لابد للمؤسسة العسكرية أن تعلن عن موقفها من المستجدات الراهنة."
ولفت مختار إلى أن: "الجيش التونسي حاليا ملتزم بتطبيق الفصل 18 من الدستور، المؤسسة العسكرية حاليا تقوم بالدور الموكول إليها دستوريا وفي الإطار المتاح لها على غرار ما حصل في ثورة 14 يناير 2011، فهي ملزمة بالانضباط وبمساعدة السلطات المدنية دون الخروج من دائرة الدستور أي أن تنأى بنفسها عن التجاذبات السياسية."
وكان الرئيس التونسي تطرق إلى السيناريوهات المحتملة عقب القرارات الأخيرة قائلا: "لن نسكت على أي شخص يتطاول على الدولة ورموزها، ومن يطلق رصاصة واحدة سيطلق عليه الجيش وابلا من الرصاص".
ومن جهته، أكد الكاتب والمحلل السياسي هشام الحاجي أن علاقة المؤسسة العسكرية بالمستجدات السياسية الراهنة تبدو مباشرة ولكنها عفوية أكثر منها رسمية وقانونية.
وقال الحاجي في تصريح للموقع: "الأحداث التي مرت بها تونس في العقد الأخير سجلت موقفا مشرفا للمؤسسة العسكرية إذ لم يتخلى الجيش التونسي عن دوره في كل المنعرجات السياسية والأحداث الاجتماعية المفصلية التي شهدتها البلاد، وهنا نذكر بالدور الكبير للجيش في الحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة والحفاظ على السلم والأمن الاجتماعيين ومساعدة السلطات المدنية على أداء دورها."
وحول وجود أطر قانونية تضبط مهمة الجيش في الفترة الراهنة، قال الحاجي لسكاي نيوز عربية: "ليس هناك إطار قانوني لتدخل الجيش ولكن طالما أن البلاد في حالة طوارئ فإن الجيش لن يتخلى عن دوره بل سيطبق المبادئ العليا التي تضبط مهام القوات المسلحة ألا وهي الدفاع عن الوطن وحرمة وحدته الترابية، الوضع لا يقتضي هنا الحديث عن مجال قانوني أو أطر دستورية لصلاحيات الجيش وإنما عن حالة تأهب للدفاع عن البلاد وحماية المنشآت العامة والممتلكات الخاصة."
وأكد العميد المتقاعد من الجيش التونسي مختار بن نصر في تصريحات إعلامية أن الجيش التونسي لا يأتمر إلا بأوامر القائد الأعلى للقوات المسلحة، مبينا أن رئيس الجمهورية قام بدوره وهو دور شجاع، وفق تعبيره.
ويشار إلى أن الجيش الوطني التونسي تأسس في مايو 1956، وهو من أول مؤسسات السيادة التي وقع إرساؤها بعد الاستقلال ثم خاض معارك استكمال السيادة والتحرير في تونس في السنوات التي تلت إعلان الاستقلال والتي توجت بمعركة الجلاء في بنزرت شمال البلاد مع جلاء آخر جندي فرنسي عن التراب التونسي، في 15 أكتوبر من عام 1963 وهي ذكرى يحييها التونسيون سنويا.
ولعب الجيش التونسي في سنوات الاستقرار دورا في التنمية فضلا عن حماية البلاد وحدودها وشارك في إنجاز مشاريع التنمية بالمناطق الصحراوية والجبلية الوعرة.
ودوليا كان الجيش جزءا من البعثات الأممية في عمليات حفظ السلام سواء تحت راية الأمم المتحدة أو الاتحاد الأفريقي.
واليوم يخوض حرب كورونا بتطعيم التونسيين في كل مشارب البلاد وخاصة في المناطق الوعرة في الجبال والصحراء، كما يقوم بإيصال الأكسجين لكل مستشفيات البلاد خاصة بعد اعلان رئيس الجمهورية قيس سعيد تسليم ملف مواجهة انتشار فيروس كورونا إلى مؤسسة الصحة العسكرية.