قادت التحالفات التي عقدها حزب النهضة في تونس بقيادة راشد الغنوشي، مع تركيا وقطر لتحقيق حلم الخلافة المزعوم، لسخط كبير ليس فقط في أوساط الساسة وأحزاب المعارضة التي ترى في الحزب الإخواني انقضاضا على مكتسبات الثورة وترديا كبيرا للحريات، وإنما أثارت أيضا غضب الشارع التونسي بعد سلسلة كبيرة من الإخفاقات التي كادت أن تورط البلاد في تحالفات ضد دول عديدة وعلى رأسها الجارة ليبيا.
ودأب الغنوشي منذ توليه رئاسة المجلس في نوفمبر 2019، على التوسع دبلوماسيا مع رئيس المجلس الرئاسي الليبي السابق فائز السراج، ما أدى إلى التساؤل حول الدور الذي يلعبه الغنوشي كمسؤول نيابي متجاهلا دور رئيس بلاده قيس سعيد.
وشهدت أروقة المجلس التونسي، مساءلات وصلت إلى حد المحاكمات الشعبية للدور الدبلوماسي المشبوه للغنوشي، وانتفاضة حزبية ضد حركة النهضة التي يتزعمها.
وفي مايو من العام الماضي، تمحورت نقاشات حادة داخل المجلس امتدت لأكثر من 20 ساعة حول الدبلوماسية النشطة للغنوشي التي اعتبرت تعديا على صلاحيات رئيس الجمهورية.
وبدأ تأثير كرة الثلج لدبلوماسية الإخواني في التصاعد حينما هنأ السراج بسيطرة ميليشيات طرابلس على قاعدة الوطية الجوية التي غادرها الجيش الوطني الليبي لأغراض تكتيكية، قبل أيام من جلسة المساءلة.
ووفق مراقبين وسياسيين، فإن مثل هذه الممارسات جاءت تأكيدا على المناورات التي لعبها الغنوشي على حساب مصلحة ومصير تونس من أجل مصالح التنظيم الدولي للإخوان، موضحين أن حركة النهضة لها مشروع واحد، هو الالتقاء مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من أجل "عثمنة" المنطقة وإعادة استعمارها من جديد.
وانتقد الحزب الدستوري الحر، تحركات الغنوشي التي وصفها بالخفية، واتصالاته الخارجية الغامضة والمشبوهة مع تركيا وتنظيم الإخوان في ليبيا، والتي تعتبر مخالفة للأعراف الدبلوماسية للدولة التونسية.
وامتدت علاقة الرجل بتنظيم الإخوان في ليبيا حتى إنه كان يتباهى بالاتصالات التي يجريها مع خالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة، فيما ذهب الغنوشى إلى تركيا في مستهل تنصيبه لرئاسة المجلس، وكانت هناك ترتيبات لتطوير التعاون إلى الشق العسكري، بما يخدم أهداف أنقرة في ليبيا، قوبلت بردود أفعال سياسية وشعبية غاضبة وأجهضت فرص الحزب في تشكيل الحكومة.
الغنوشي يستخدم ليبيا
وبدوره أكد مختار الجدال رئيس تحرير صحيفة الحقيقة الليبية لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن الغنوشي "رأى في نفسه مرشدا عاما لجماعة الإخوان في شمال إفريقيا وبلاد المغرب العربي، وكان يتعامل مع فرع التنظيم في ليبيا على هذا الأساس"، موضحا أن الشعب التونسي "خرج في الموعد لإسقاط المشروع الإخواني الساعي إلى جعل ليبيا بيت مال للتنظيم الدولي نظرا لثرواتها الكبيرة ولا سيما النفط، وهو ما فطن إليه الشعب التونسي وأجهض هذا المخطط".
ومن جانبه يرى المحلل السياسي الليبي محمد قشوط، أن الغنوشي كان داعما كبيرا لتنظيم الإخوان فرع ليبيا مستغلا منصبه رئيسا للبرلمان التونسي، وحول بلاده إلى نقطة ارتكاز للتحركات التركية ليس نحو ليبيا فقط بل إلى باقي دول المغرب العربي خاصة أثناء تقدم الجيش الليبي نحو العاصمة طرابلس عام 2019.
وأكد قشوط، في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن الغنوشي، رهن بلاده كدولة للمخططات تمهيدا لتنفيذ مشروع قطر التوسعي، والاتفاقية الاقتصادية التونسية القطرية التي زادت من تفجير الأوضاع مؤخرا، كانت خير دليل لما كانت تسعى له حركة النهضة وزعيمها.
ولفت المحلل السياسي، إلى أن الرئيس التونسي، قيس سعيد، منح حركة النهضة عدة فرص للعدول عن هذه السياسات خاصة ما يتعلق بالشؤون الخارجية للبلاد والكف عن توريطها في تحالفات إقليمية، لكنها قوبلت بتعنت أفسد الحياة السياسية ما دفع بالشعب التونسي للانتفاض، ودفع سعيد لاتخاذ قرارته الحاسمة قبل فوات الأوان.
وأبدى الجدال، في تصريحاته لموقع "سكاي نيوز عربية"، تخوفه من تشبث تنظيم الإخوان في تونس بما وصلوا إليه من مكاسب، متوقعا نشوب صراعات دامية قد يمولها ويساعد فيها فرع التنظيم في ليبيا.