إلى جانب التواجد التركي في ليبيا عسكريا، تستثمر أنقرة في الأزمات الليبية- التي تصنعها بيديها- كبوابة للاستحواذ على البلاد بعباءة مستثمر في مجالات البنية التحتية والاجتماعية، من بينها الصحة.
وساهم الانقسام الليبي بين الشرق والغرب الذي تسببت فيه حكومة الوفاق السابقة برئاسة فايز السراج، المدعومة من تركيا، وفوضى السلاح وعمليات النهب المنظم للموارد، وتدمير المنشآت على يد المرتزقة والميليشيات التابعة لتنظيم الإخوان الإرهابي، وصعوبات إقرار ميزانية موحدة، في تدهور القطاع الصحي؛ حيث يعاني غالبية الليبيين من نقص الأدوية والمعدات الطبية والأطقم الصحية.
والسبت، بحث رئيس مجلس الأمة التركي، مصطفى شنطوب، خلال اتصال هاتفي مع رئيس ما يعرف بمجلس الدولة، الإخواني خالد المشري، دخول تركيا في استثمارات البنية التحتية للقطاع الصحي، الذي انكشفت أوجه القصور فيه أيضا مع تفشي وباء كورونا.
وكانت حكومة الوفاق قد خصصت نحو 3.2 مليار دينار لوزارة الصحة كميزانية لسنة 2020، ونحو 966 مليون دينار لمواجهة أزمة كورونا، مما فتح شهية الأتراك للاستثمار في القطاع الصحي، الذي يعد كنزا للشركات التركية العاملة بهذا المجال.
وحتى الآن لم يصادق البرلمان الليبي على ميزانية حكومة الوحدة الوطنية التي تولت الحكم في مارس 2021، وتقدر بنحو من 90- 93.8 مليار دينار، وتوصف بأنها الأكبر في تاريخ ليبيا.
ويبرر البرلمان في ليبيا رفضه لها بأنها مبلغ كبير، وتحتوي على بنود تعد أوجه الإنفاق فيها غامضة؛ مما يفتح بابا للفساد واستنزاف مخصصات وزارة الصحة.
الاستثمار المبكر
وتحركت تركيا مبكرا، حيث أنشأت وكالة التعاون والتنسيق التركية "تيكا" مستشفى "مركز مصراتة للعلاج الطبيعي" وجهزته بالكامل في مدينة مصراتة، غربي ليبيا، وسلمته لحكومة السراج في يناير 2020.
ووفقا لبروتوكول بين وزارة الصحة الليبية في حكومة السراج ووكالة "تيكا"، تقوم الأخيرة بتقديم الدعم الفني والتدريب والكوادر الطبية للوزارة بخصوص تشغيل "مركز مصراتة للعلاج الطبيعي".
صراع الميليشيات دمر القطاع الحكومي
ووفقا لتقديرات منظمة الصحة العالمية وزارة الصحة الليبية في 2017 عن الخدمات الصحية وجاهزيتها في البلاد، فإن 17.5 بالمئة من المستشفيات، و20 بالمئة من مرافق الرعاية الصحية الأولية، و18 مستشفى متخصصا تعرضت للتدمير الجزئي أو التام، خلال الصراع المسلح في ليبيا، والمدعم من تركيا.
والأسبوع الماضي أصدرت مؤسسة الصالون الاقتصادي الليبي بيانا موجها إلى رئاستي ديوان المحاسبة وحكومة الوحدة الوطنية، تنتقد فيه إسناد أذونات وعقود المشاريع بنظام الإذن المباشر.
وجاء في البيان الذي نشرته وسائل إعلام ليبية: "بدهشة وقلق بالغين تتابع مؤسسة الصالون الاقتصادي الليبي قرارات الإذن المباشر لتنفيذ مشروعات معينة، استثناء من الإجراءات الأصلية الواجبة بلائحة العقود الإدارية، ومن دون إيضاح للأسباب التي لها وأسباب اختيار الشركات المتعاقد معها".
وهو ما يعبر عن القلق حول كيفية إسناد المشاريع والصفقات التجارية والاستثمارية في الداخل والخارج.
"الوصاية التركية"
المحلل السياسي الليبي محمد الترهوني، أوضح لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن تركيا "تدخل بقوة على القطاع الصحي في الغرب الليبي بعد سيطرتها على الجانب العسكري والاقتصادي".
وأشار إلى أن هذه السيطرة "اتخذت عدة أوجه، من إدارة مستشفيات ومراكز صحية حكومية، أو إرسال طواقم طبية، وكذلك التوسع في صفقات تصدير الأدوية والمعدات الطبية عبر شركات إخوانية وتركية إلى طرابلس".
ولفت المحلل السياسي إلى أن المخطط التركي يرى أن القطاع الصحي "باب كنز" للاستثمارات، نظرا للتدهور الكبير في البنية التحتية له منذ عام 2011؛ مما هيأ للقطاع الخاص التابع لتنظيم الإخوان وميليشياته فتح مراكز طبية ومستشفيات، خاصة مع الميزانية الضخمة التي خصصها السراج؛ مما زاد من شهية الشركات التركية للغرف منها.
أما عن حال القطاع الحكومي، فيقول الترهوني إنه يوجد نحو 26 مستشفى عام، و34 مستشفى تعليمي، و55 مركز صحي تابعين لوزارة الصحة الليبية.
وأشار إلى أن غالبية هذه المستشفيات تعاني من الإهمال خلال السنوات الماضية، وتحتاج إلى تحديث على مستوى البنية التحتية، بالإضافة إلى نقص في الطواقم الطبية، والأدوية والمعدات.
ووصف المحلل الليبي هيمنة تركيا على هذا القطاع الذي يمس صحة الليبيين بأنه "خطر على الأمن القومي"، كما أنه يضع البلاد "تحت الوصاية التركية"، خاصة وأنه قطاع ضمن قطاعات أخرى تسعى تركيا لتثبيت قدمها فيها باسم الاستثمار.
وتعد وكالة التعاون والتنسيق "تيكا" من أنشط المؤسسات التركية في ليبيا، وتستخدم العمل الإغاثي كغطاء للتمدد الاستخباراتي والاقتصادي.
وفي أبريل الماضي، افتتحت الوكالة بحضور مسؤولين ليبيين وأتراك مشروع "مركز الصداقة التركي الليبي للعلاج الفيزيائي" في مصراتة بمساحة 7.400 آلاف متر مربع، وبمتوسط 6 آلاف مريض يمكن علاجهم شهريا، بالإضافة إلى مشاريع أخرى في طرابلس والزنتان.