يُجري العراق والولايات المتحدة الأميركية، الجولة الرابعة والأخيرة من الحوار الاستراتيجي بين البلدين، فيما تتجه الأمور، نحو سحب القوات القتالية من الأراضي العراقية، بحلول نهاية العام الحالي، وهو ما يطرح تساؤلات عن سلوك الجماعات المسلحة، عقب هذا الانسحاب.
وانطلق الحوار، بين الجانبين، الجمعة، حيث ترأس الوفد العراقي، وزير الخارجية، فؤاد حسين، فيما ترأس وفد الولايات المتحدة، أنتوني بلينكن، بحضور مستشارين من مختلف التخصصات لكلا الوفدين.
وأكد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، أن العلاقة بين واشنطن وبغداد "مبنية على الاحترام والمصالح المشتركة"، فيما أكد نظيره العراقي فؤاد حسين، على مواصلة التعاون والتنسيق الأمني مع الولايات المتحدة، مشددا على ضرورة التنسيق الدولي لمواجهة تنظيم داعش.
وقال بلينكن في مؤتمر صحافي بواشنطن، إن الشراكة مع بغداد "لها أبعاد متعددة.. وتستند إلى الاحترام والمصالح المتبادلة".
وأضاف: "الشراكة بين الدولتين لها أبعاد كثيرة وهناك تحديات نواجهها، مثل جائحة كوفيد-19 والتغير المناخي والطاقة المتجددة. الولايات المتحدة واحدة من أكبر مقدمي المساعدات الإنسانية للعراق، وتعمل لتوفير الفرص للشعب العراقي، ولهذا فإن الشراكة لها أبعاد أكثر من المجال العسكري".
من جانبه، أكد وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين على أن الحوار الذي أجراه مع نظيره الأميركي، يسعى لـ"خدمة البلدين وتعميق التعاون والعمل المشترك".
وأضاف قائلا "منطلقات الحوار تستند للمبادئ الأساسية كالعمل المشترك والاحترام المتبادل والتعاون في مجالات مختلفة وواسعة، تشمل الجوانب الأمنية والعسكرية والاقتصادية والتجارية والمالية، والطاقة بفروعها المختلفة سواء في إطار الطاقة النظيفة، أو في مجال الغاز والنفط والكهرباء، كما نخطط للعمل المشترك بالمجال الصحي ومواجهة كورونا والتعليم وغيرها من الأطر".
ومن المقرر أن يصل رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، الاثنين، المقبل، إلى الولايات المتحدة، للقاء الرئيس جو بايدن، والتوقيع على الاتفاق النهائي، بين الطرفين.
انسحاب وشيك
بدورها، نقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن مسؤولين أميركيين وعراقيين أن بيانا وشيكا سيصدر بسحب القوات الأميركية المقاتلة من العراق.
وأوضحت الصحيفة الأميركية، أن "المسؤولين المذكورين أكدوا أن البيان سيدعو لسحب القوات الأميركية المقاتلة نهاية العام الجاري"، مشيرين إلى أن "الوجود الأميركي بالعراق سيركز على مساعدة القوات الحكومية".
وتطرح تلك التطورات تساؤلات عن سلوك وممارسات الجماعات المسلحة في العراق، التي تستهدف قواعد قوات التحالف، والمنشآت المدنية، مثل المطارات، وغيرها، وفيما إذا ستتوقف تلك الأعمال، أم تستمر، وهو ما يخضع لهدف تلك الجماعات، من وراء تلك الاستهدافات.
وتقول تلك الميليشيات، إنها تستهدف القوات الأميركية فقط، دون البعثات الدبلوماسية، أو مقرات الشركات متعددة الجنسيات، لكن الأشهر الأخيرة، شهدت قصفاً مكثفاً على السفارة الأميركية وسط بغداد، وكذلك مطار بغداد الدولي، ومطار أربيل في إقليم كردستان العراق، فضلاً عن قاعدة بلد الجوية.
تاريخ من استهداف الشركات والبعثات
وتروج تلك الفصائل أنها لا ترفض إبقاء مستشارين من الولايات المتحدة، لتدريب القوات العراقية، وفق الحاجة، كما أنها لا تستهدف البعثات الأجنبية، العاملة في البلاد، لكن واقع الحال يكشف غير ذلك، إذ لدى تلك المجموعات تاريخ من استهداف البعثات الدبلوماسية، والمواقع غير العسكرية.
فعلى سبيل المثال تعرضت دورية للسفارة البريطانية، العام الماضي، إلى تفجير بعبوة ناسفة، وسط العاصمة بغداد، عندما كانت في طريقها إلى المنطقة الخضراء.
كما استهدف هجوم صاروخي مقر شركة " G4s " البريطانية للخدمات الأمنية في حي القادسية غربي العاصمة العراقية بغداد نهاية العام الماضي، وهو ما تسبب بأضرار مادية في المبنى، دون سقوط ضحايا.
والشركة هي مسؤولة الملف الأمني، في مطار بغداد الدولي، حيث تسعى مجموعات مسلحة، للحصول على تلك التعاقدات، لشركات مقربة منها، وفق تقارير عراقية.
وفي العام ذاته، استهدفت عبوة ناسفة رتلاً تابعاً لبعثة الأمم المتحدة (يونامي) عندما كانت في طريقها إلى محافظة نينوى، شمالي البلاد، دون أن تتسبب بأضرار بشرية.
كما أن القصف المتكرر على قاعدة بلد الجوية، وهي خالية من الوجود الأميركي، غير شركة مارتن لوكهيد، المتخصصة في صيانة الطائرات، وإدامتها، وهي متعاقدة مع الحكومة العراقية، على تدريب الكوادر المحلية، وتهيئة الطائرات، لتنفيذ الطلعات الجوية، غير أن ما تعرضت له تلك الشركة، من قصف متكرر بصواريخ الكاتيوشا، أجبرها على الرحيل من البلاد، وترك الطائرات العراقي إلى مصير مجهول، حيث تعطلت أغلب الطلعات الجوية، خاصة وأن العراق يعتمد عليها في قصف أوكار داعش، في المناطق النائية، والجبلية.
وأصبح قصف تلك القاعدة وما حدث بعدها من مغادرة الشركة البلاد، دليلاً واضحاً على أن تلك الفصائل لا تستهدف القوات القتالية فقط، وأن المستشارين والشركات الأجنبية، هي ضمن لائحة الاستهداف، فيما تبرز أهداف أخرى، جرّاء قصف تلك الشركات، مثل التعاقدات المالية، والرغبة بتعيين تابعين لتلك المجموعات ضمن كوادر هذه الشركات.
ويرى الخبير في الشأن العراقي، رمضان البدران، أن "الفصائل لا تتوقف عن استهداف المصالح الأجنبية في البلاد، وهذا غير متعلق بمسألة انسحاب القوات القتالية، بل لديها مشروع، بالسيطرة على كامل البلاد، ومد نفوذها، وذلك بالتخادم مع إيران، التي تتوافق مع تلك المجموعات على هذا السلوك".
ويضيف البدران في حديث مع "سكاي نيوز عربية" أن "الوجود الغربي في العراق، يمثل قلقاً لدى تلك الفصائل، بل إن كل الأحزاب والعملية السياسية والمسار الديمقراطي، ومن يدعمه، يمثل كوابيس لتلك المجموعات".
ولفت إلى أن "استهداف البعثات الأجنبية، هي وسيلة لمد النفوذ بشكل أوسع، ما يعني أن القصف وتلك الممارسات لن تتوقف حتى بعد الانسحاب الأميركي، وسيجدون عدة ذرائع عقب ذلك، مثل السفارات والبعثات وغيرها".