شهدت الأيام الأخيرة تطورات محلية ودولية تتصل بليبيا نتيجة استمرار فوضى السلاح هناك، منها هدم الميليشيات سوقا شهيرة للأثاث في طرابلس، والكشف عن مخطط لتدخل عسكري أوروبي بهدف طرد المرتزقة من البلاد.
وكانت صحيفة "إي يو أوبزيرفر" التي تصدر في بلجيكا، نشرت مؤخرا تقريرا عن أن الاتحاد الأوروبي لديه خطط لمهمة عسكرية في ليبيا لقطع الطريق أمام "دول ثالثة" تساهم في زيادة انتشار السلاح في البلد المضطرب.
وأضافت الصحيفة نقلا عن ورقة داخلية مسربة صادرة عن وزارة الخارجية بالاتحاد، ومؤرخة بالأول من يوليو الجاري، أن عملية السلام في ليبيا تتطلب "نزع سلاح وتسريح وإعادة دمج على نطاق واسع للمقاتلين، بالإضافة إلى إصلاح أساسي لقطاع الأمن".
وفسرت ذلك بأنه "في هذا السياق، ينبغي النظر في مشاركة عسكرية تابعة للاتحاد الأوروبي (ضمن مهمات سياسة الأمن والدفاع المشتركة)، من أجل عدم ترك النشاط بأكمله في المجال العسكري لدول ثالثة".
ولم تذكر الدول الثالثة، إلا أنها لمحت إلى تركيا حين قالت إن "دولة ثالثة" ما زالت ترفض تفتيش شحنات الأسلحة التي تصل ليبيا، في انتهاك لحظر الأمم المتحدة المفروض على السلاح، وإن هذه الدولة لها "وجود عسكري قوي في ليبيا وتدرب قوات مسلحة مختارة في غرب ليبيا"، وهذا ما ينطبق على تركيا.
ويبدو أن التدخل العسكري المشار إليه في الورقة المسربة يخص تقديم تدريبات من الاتحاد الأوروبي إلى المؤسسات العسكرية والأمنية الليبية، حيث جاء فيها أن "توفير المعدات من إيريني (البعثة البحرية التابعة للاتحاد الأوروبي في البحر المتوسط) لخفر السواحل الليبي يجب أن يكون ضمن قبول التدريب المرتبط بالاتحاد الأوروبي من جانب السلطات الليبية".
ويرتبط ما جاء في التقرير من هذه الناحية مع ما قاله وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان في كلمته أمام مجلس الأمن الدولي، في الجلسة المخصصة لليبيا 15 يوليو الجاري، حيث أكد أن "الاتحاد الأوروبي وإيطاليا وفرنسا مستعدون لبذل المزيد لدعم تدريب ومعدات خفر السواحل الليبي".
هدم سوق الأثاث الشهير
وداخليا، هدمت إحدى الميليشيات سوق جامع الصقع، إحدى أشهر أسواق الأثاث في العاصمة الليبية، الجمعة الماضية، في تحد لقرار النيابة العامة الذي سمح بإعادة تشغيل السوق.
وفور عملية الهدم، أصدر النائب العام أوامر بالقبض على منفذي العملية الذين استغلوا يوم الإجازة الرسمية في البلاد لتنفيذ خطتهم، واستغلال عدم التنسيق بين الأجهزة، وفق وسائل إعلام ليبية.
وتعكس الواقعة سطوة الميليشيات، والدور الخطير الذي يلعبه السلاح غير المقنن في ليبيا، بما يمكن أن يهدد أي مسار سياسي يمهد لإنهاء الأزمة المستمرة منذ عام 2011، عندما اندلعت احتجاجات أدت إلى إطاحة الزعيم معمر القذافي.
ووفق تقدير جهاز الاستخبارات البريطاني، تسرب نحو مليون طن من الأسلحة، بعد إطاحة القذافي، بقي الكثير منها بين أيدي المجموعات المسلحة، وهي ترسانة تفوق ما يملكه جيش المملكة المتحدة.
واردات السلاح منذ 2011
وكشفت تقارير خبراء الأمم المتحدة المختصين بليبيا عن امتلاك المجموعات المسلحة في غرب البلاد ترسانة من الأسلحة، بداية من الأسلحة الآلية الخفيفة والمتوسطة من مناشئ مختلفة "روسية وغربية"، وصولا إلى سيارات الدفع الرباعي المحملة برشاش 14.5 مم رباعي، وراجمات الصواريخ متعددة الأعيرة "غراد والثقيلة"، وأعداد من الدبابات "تي 62"، ومدافع ميدانية متعددة الأعيرة ذاتية الحركة ومحمولة، وكلها تعود للمخازن العسكرية إبان عهد القذافي.
ورصد تقرير أممي إقبال الجماعات المسلحة على تخزين العتاد العسكري بل وشرائه من الخارج، ذاكرا أن الطلب على السلاح "زاد في عام 2014"، وذلك حينما أطلقت تلك الميليشيات العملية التي سمتها "فجر ليبيا" ضد الجيش الوطني الليبي، انتقاما منهم لخسارة الكثير من المرشحين التابعين لها في الانتخابات التشريعية 2014.
كما أصبح توريد الأسلحة أمرا لافتا بشكل كبير منذ سنة 2018، حينها أورد تقرير الخبراء واقعة استقبال مدينة مصراتة أنواعا كثيرة من الذخائر والقذائف المضادة للدبابات ومنظومات الدفاع الجوي المحمولة، عبر مهربي أسلحة يحملون إحدى الجنسيات الأوروبية.
ومنذ سنة 2019، كشف تقرير الخبراء الأمميين عن الشحنات التي لم تنقطع من الأسلحة التركية التي وصلت المجموعات المسلحة عبر مطاري معيتيقة ومصراتة، ثم بعد ذلك من خلال قاعدة الوطية، وأيضا من خلال ميناء الخمس البحري، إذ أصبح من المعتاد رؤية تحركات المسلحين بالمدرعات التركية "كيربي"، إضافة إلى دخول الدعم الجوي لهم عبر طائرات "بيرقدار"، التي يقودها ضباط أتراك، وأنواع أخرى من المسيرات.
23 مليون قطعة سلاح
وإزاء تلك الحالة الخطرة، أطلق مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة السابق غسان سلامة تحذيرا من وجود 23 مليون قطعة سلاح في ليبيا، لا تقدر الدولة على جمعها أو ضبطها، مردفا أن دول الجوار في شمال إفريقيا، مصر وتونس والجزائر، وأيضا النيجر وتشاد لديها مخاوف حقيقية من هذا الوضع.
تحرك الجيش الليبي
ونهاية الأسبوع الماضي، أكد قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر، ورئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح، خلال لقائهما في مقر قيادة الجيش بالرجمة شرقي البلاد، على ضرورة توحيد المؤسسات العسكرية والأمنية، ودعم ميزانية وزارة الدفاع للقضاء على فوضى انتشار السلاح بين الميليشيات.
ويعلق الخبير الاستراتيجي العميد محمد الرجباني على ما تعانيه البلاد من فوضى السلاح بالإشارة إلى أن الليبيين "يتوقون إلى احتكار السلاح بيد الجيش حصرا".
ويتذكر الرجباني كيف استخدمت الميليشيات صواريخ غراد والدبابات والهاون والأسلحة الثقيلة في الحروب فيما بينها داخل المدن، وتسببت قذائفها العشوائية التي تساقطت على المنازل في حصد أرواح الأبرياء.
وبالنسبة لتدفق السلاح من الخارج الذي زادت وتيرته منذ 2018، ضرب مثلا بحادثة ضبط شحنة تركية ضخمة من الذخائر والأسلحة في ديسمبر من العام المذكور، وحينها طلب حفتر فتح تحقيق في الواقعة، وكشف الدور التركي في تأجيج العنف عبر عملاء أنقرة في الداخل، لكن المجتمع الدولي أغفل تلك الواقعة مثل الكثير من قريناتها.