يرفض أطباء عراقيون وإداريون، تولي مناصب قطاع الصحة الحيوي، في ظل الحرائق والكوارث التي تتعرض لها المستشفيات في البلاد، وهو ما يكشف عمق الأزمة، وتردي الخدمات المقدمة إلى المواطنين، وخروج الكثير من المستشفيات عن العمر الافتراضي لها.
وتسببت الحوادث خلال الأشهر الأخيرة، بمقتل وإصابة أكثر من 400 عراقي، جرّاء حرائق اندلعت في مستشفيات حكومية، كان آخرها "كارثة" مستشفى الحسين في محافظة ذي قار.
وفي مؤشر على "تهالك" البنى التحتية وغياب الخدمات، يرفض أطباء ومسؤولون سابقون، تولي إدارات المستشفيات خوفا من تحميلهم مسؤولية الكوارث والحرائق وموت المرضى على أسرة الشفاء.
وقالت السلطات الصحية في ذي قار، إن العديد من مديري مستشفيات استقالوا من مناصبهم في المحافظة منذ الحريق المميت الذي أتى على وحدة كوفيد-19 في مستشفى الحسين بمدينة الناصرية، الاثنين الماضي.
وأفاد المسؤول العام عن الهيئات الصحية، الدكتور سعد المجيد، أن مديري ونواب مديري ما لا يقل عن 5 مستشفيات في المحافظة، غادروها، تاركين إدارة المؤسسات لموظفين أقل أهلية.
"لا نتحمل المسؤولية"
وأوضح أن الدافع هو الخوف من تحميلهم المسؤولية في حال وقوع كارثة جديدة، مع توالي الحرائق في مستشفيات العراق المتداعية.
وهذه المرة الأولى، التي يرفض فيها مسؤولون وإداريون، مناصب في قطاعات حكومية، في بلد يمثل المنصب موردا مهما فيه لتمويل الأحزاب، وتحقيق مكاسب مالية كبيرة.
ولا تكمن مشكلة المستشفيات العراقية في نقص الكوادر الطبية والأجهزة والأدوية فحسب، بل تتعداها إلى تهالك البنية التحتية، وتحول المستشفيات إلى أماكن موبوءة بالأمراض.
وسجل النظام الصحي تراجعا حادا منذ تسعينيات القرن الماضي، بسبب الاضطرابات الاقتصادية، والحصار، والصراعات التي شهدتها البلاد.
وقال الطبيب وائل الشمري في محافظة ذي قار، إن "سبب عزوف الأطباء عن تولي المسؤوليات، هو غياب الآلة التي يعملون بها، مثل المستشفيات الحديثة، والتقنيات، والأجهزة، والخدمات الصحية المتطورة، مما يجعل هذا الطبيب عرضة للخطر أمام غضب المراجعين والمرضى، فهم لا يرون أحدا من المسؤولين الكبار، لذلك تم الاتفاق على عدم تولي منصب (مدير مستشفى)، والاكتفاء بإدارات فرعية، لتمشية الأمور".
ويضيف الشمري لموقع "سكاي نيوز عربية": "القطاع الصحي في البلاد يعاني ترديا كبيرا، في ظل مجتمع قبلي متعصب، لا يدرك كثيرا كيف تُدار الأمور، ولا يفرق بين الطبيب والمسؤول الذي يجهز الطبيب بالأدوات، مما يجعل عملنا محفوفا بالمخاطر، في ظل تفشي وباء كورونا".
ولفت إلى "وجود اتفاق في محافظة ذي قار بين الأطباء بعدم تسلم مسؤولية أية مستشفى لحين تحسين أوضاع القطاع الصحي، تجنبا لكارثة مستشفى الحسين التعليمي".
موازنات ضخمة
وعلى رغم الموازنات الضخمة السنوية لقطاع الصحة في العراق، فإن التراجع في القطاع ما زال ملازما للحكومات المتعاقبة في البلاد، وتبقى المستشفيات على حالها ما قبل عام 2003، التي تعود بطبيعة الحال إلى ثمانينيات وسبعينيات القرن الماضي، مما يسبب ارتفاع عدد العراقيين القاصدين لدول أخرى للعلاج أو إلى إقليم كردستان.
والسبت، اعتدت مجموعة مؤلفة من 7 أشخاص على كوادر صحية في مستشفى الكندي بالعاصمة بغداد، بعد وفاة قريب لهم متأثرا بأعراض فيروس كورونا، قبل أن يحاول ضابط في القوات الأمنية برتبة رائد، منع المجموعة من مهاجمة الكادر الطبي.
وسبب هذا الهجوم، هو توقف منظومة الأكسجين الرئيسية بشكل مفاجئ، مما تسبب بوفاة 4 من مرضى كورونا. وبحسب مصادر محلية، فقد وصلت قوة أمنية إلى موقع الشجار، واعتقلت المجموعة المهاجمة.
ومع تفشي وباء كورونا العام الماضي، تعرضت المنظومة الصحية في العراق، إلى ضغط هائل، إذ خصصت المستشفيات العامة لاستقبال المصابين بالفيروس.
ويعني ذلك، تزايد الحاجة إلى الكوادر الطبية، والخدمات المساندة لمعالجتهم، وهو ما ألجأ بعض المحافظات إلى إنشاء مستشفيات من "الكرفانات"، بطريقة مستعجلة وسيئة.
برنامج التطعيم يترنح
وتشير أرقام تقديرية إلى أن عدد المراكز الصحية الرئيسية والفرعية في العراق، يبلغ 2765 مركزا ومستشفى عاما وخاصا، مما يجعل العراق بحاجة إلى 3000 مركز صحي إضافي لمواكبة المعايير الدولية، إذ لا يمكن لها تغطية ما يقدر بنحو 40 مليون نسمة، بحسب تقديرات وزارة التخطيط العراقية لعام 2019.
وما زاد الضغط على المستشفيات هو تفشي كورونا، إذ تسجل الوزارة بشكل يومي ما بين 8 و9 آلاف إصابة، وعشرات الوفيات، فيما تترنح خطط التطعيم، بسبب النظرة الاجتماعية إلى اللقاح، وعدم توفر التوعية الكافية للجمهور.
وكانت وزارة الصحة، تفرض في بادئ الأمر، على المواطنين، التسجيل من خلال منصة إلكترونية، لكن في ظل الإقبال الضعيف على اللقاحات، سمحت بالتطعيم بشكل مباشر، مما أثار مخاوف من التأثير على المسجلين عبر المنصة الإلكترونية، حيث شكا مواطنون من تأخر إبلاغهم بموعد الجرعة الأولى لأكثر من شهرين.
الناشط بلال السويدي، قال إن "المؤشرات تنذر بكارثة كبيرة قد تحل بالعراق، خلال الأشهر المقبلة، بسبب تراجع مستوى الخدمات الصحية إلى مستويات دنيا، وانتشار عدة أمراض غير فيروس كورونا، مثل الحمى النزفية، وغيرها. الأمر يثير تساؤلات عن قدرة نظامنا الصحي على تحمل ذلك!".
وأضاف السويدي في تعليق لموقع "سكاي نيوز عربية": "المركب الصحي يغرق، ورفض الأطباء تولي المناصب، هو قرار صائب، للضغط على المسؤولين، لتعديل سلوكهم، وإيلاء القطاع الصحي جانبا أكثر أهمية، قبل حلول الكارثة".