وصل صدى الخلافات الجارية في ليبيا حول مشروع الميزانية العامة إلى مجلس الأمن الدولي، حيث حرص مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة يان كوبيش على إثارة الأمر في إحاطته أمام المجلس، الخميس، في حديثه عن وجود أطراف في ليبيا تتعمد استمرار الخلافات حول كل الملفات الهامة في البلاد لتعطيل الانتخابات والاستقرار.
وقال كوبيش في الجلسة التي انعقدت خصيصا لمناقشة التطورات في ليبيا وملف الانتخابات العامة إن الميزانية لم تعتمد حتى الآن، رغم العديد من الجلسات التي عقدها مجلس النواب في هذا الشأن، حيث لم يصل أعضاؤه إلى توافق حول الأمر قبل عيد الأضحى.
وألمح المبعوث الدولي إلى أن الخلافات حول الميزانية، وأيضا الملفات الأخرى، هي الثغرة التي يسعى المعرقلون إلى العبور من خلالها، وإفشال المسار السياسي، الذي سينتهي بانتخابات عامة في ديسمبر المقبل.
وقد استغلت جماعة الإخوان في ليبيا تلك الخلافات، وهو ما اتضح جليا خلال الاجتماع الأخير للثلاثي المدعوم من قبلها، رئيس مجلس الدولة خالد المشري، ومحافظ مصرف ليبيا المركزي المنتهية ولايته الصديق الكبير، وأيضا رئيس ديوان المحاسبة خالد شكشك، حيث تناولوا مسألة إصدار ترتيبات مالية، بما يعيد الليبيين إلى فترة حكومة فايز السراج حليف تركيا، وفق ما كشفت مصادر مطلعة لـ"سكاي نيوز عربية".
الاقتداء بتجربة مصر
ويصف الباحث السياسي محمد قشوط تلك التحركات الإخوانية بأنها محاولة صريحة من أجل "تخريب المسار السياسي"، وذلك عبر "التحريض" على إقرار الترتيبات المالية التي تقفز على سلطات البرلمان، كما كان الحال في العهد البائد للسراج.
"سيعود الصراع والتمترس خلف السلاح" يضيف قشوط لـ"سكاي نيوز عربية" الذي رجح إدراك السلطة التنفيذية لخطورة التوافق مع تلك التحركات، إذ أنها لن تحظى بدعم محلي أو دولي، وسيدخل البلاد إلى منحنى جديد من العنف لا تحمد عقباه.
ويرى الباحث السياسي أن الحل في اجتثاث العناصر الإخوانية المهيمنة على المناصب القيادية في ليبيا، والاقتداء بتجربة مصر، حيث أقر مجلس نوابها مؤخرا قانونا يقضي بفصل الموظفين المنتمين إلى الجماعة والحركات الإرهابية الأخرى.
مطالب مشروعة
ولم يتوصل مجلس النواب الليبي وحكومة الوحدة الوطنية إلى توافق بشأن مشروع قانون الميزانية العامة منذ أسابيع، وسط استمرار النقاط الخلافية، التي سبق وأن طالب المجلس بتعديلها في الميزانية، ويتهم البعض الحكومة بتجاهلها.
وقالت مصادر مطلعة لـ"سكاي نيوز عربية"، إن أولى الإشكاليات التي اعترض عليها مجلس النواب هو حجم المخصصات لباب التنمية، حيث يرى النواب أنها كبيرة أكثر من اللازم.
وأوضحت المصادر أن هناك أيضا إشكالية تتعلق بالباب الثاني "الإنفاق التسييري"، وأيضا الباب الخامس "مصروفات الطوارئ"، مشيرة إلى أن هناك خلافات أخرى لكن يمكن التفاهم حولها تتعلق بباب المرتبات وأيضا النفقات المخصصة لوزارة الدفاع.
ابتزاز تركي ورضوخ إخواني
ويرى مراقبون ما يسعى الإخوان إلى تحقيقه "انقلابا سياسيا"، تؤكد وسائل إعلام ليبية أن ضغط تركي هو محركه، بهدف أن تحصل شركات تركية على تعويضات مالية خصصت لها بعد توقف عملها في البلاد.
وقالت تلك الوسائل إن "هناك ضغوط تركية لجني تعويضات جائرة من الدولة الليبية عن المشاريع المتوقفة منذ 2011 وأن هذه الديون لم تشارك الدولة الليبية في تقديرها وليس من حق أي حكومة غير منتخبة فتح هذا الباب، وإن فتح فلن يغلق إلا بإعلان إفلاس الدولة الليبية على يد كل الدول الأخرى التي لديها شركات تعطلت في ليبيا".
وتابعت أن "الكبير يسعى منذ فترة لفتح ملف تعويضات الشركات التركية دون حتى الاشتراط عليها معاودة العمل مقابل دفعات تعويض متتالية، وهو ما دفع المشري للتدخل في هذا الملف وحشر أنفه فيه لتمرير الميزانية بأي شكل كان لتعويض تركيا من مبلغ العشرين مليار".
تحذير من صراع جديد
من جانبه، أعرب المحلل السياسي محمد الغرياني عن أسفه لتحكم الإخوان في كافة المناصب السيادية التي لها علاقة بالاقتصاد والمال؛ فرئيس البنك المركزي ورئيس ديوان المحاسبة كلهم ينتمون لتنظيم الإخوان ومتورطون في عمليات فساد مالي كبير على مدار عشر سنوات، ويكفي أن الصديق الكبير كان ينفق أموال الليبيين على المليشيات والمرتزقة في الوقت الذي كانت خزائن المصارف خاوية.
وأضاف الغرياني لـ"سكاي نيوز عربية" أن هذه الخطوة هي بداية صراع جديد وجزء من الفوضى السياسية التي تعيشها البلاد في ظل وجود فصيل سياسي ممتدة جذوره داخل مؤسسات الدولة الليبية كتنظيم الإخوان.
وتابع الغرياني أنه لهذا السبب فإن مجلس النواب مصمم على حسم ملف المناصب السيادية أولا قبل تمرير الميزانية، في إشارة إلى ضرورة تطهير هذه المناصب من الشخصيات الإخوانية.
وأوضح أن غياب المحاسبة والرقابة الدولية على مقدرات الليبيين سيسهل على الإخوان سرقة مقدرات الليبيين وتوزيعها على المرتزقة والمليشيات.