تحتضن الجزائر العاصمة بما أنها عاصمة البلاد أكبر عدد من الشواهد والمعالم التاريخية التي تذكر بالبطولات التي قدمها الجزائريون على مدار قرن ونصف من أجل الاستقلال المصادف لـ5 من يوليو، وهو الحدث التاريخي الذي طبع القرن العشرين إثر تضحيات جسام قدمها مليون ونصف مليون من الشهداء في سبيل الحرية والانعتاق من الاستعمار الفرنسي الذي دام 132 عاما.
وفي إطار حفظ الذاكرة الوطنية، اتجه صباح الاثنين الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، بمناسبة الانطلاق الرسمي للاحتفال بالذكرى المزدوجة لعيدي الاستقلال والشباب إلى وسط الجزائر العاصمة، حيث قام مرفوقا بكبار المسؤولين في الدولة بتدشين جدارية في ساحة الشهيد بوجمعة حمار التي تقابل فندق السفير، ويحمل النصب التذكاري لوحة لتخليد الجزائريين المنفيين إبان الاستعمار الفرنسي في مناطق متعددة من العالم.
وتأتي هذه الجدارية لتعيد إلى الأذهان تضحيات جزائريي "المحيط الهادئ" أو جزائريو "كاليدونيا الجديدة" الذين طبقت عليهم السلطات الاستعمارية الفرنسية سياسة "التهجير القسري" بعد أكثر من ثلاثة عقود من غزوها للجزائر (1864-1897) إثر مشاركتهم في انتفاضات شعبية ضدها، ومس هذا التهجير جميع مناطق البلاد، وقد نقل من خلالها أكثر من 2000 منفي جزائري.
ويكشف الأستاذ الباحث مصطفى كمال التاوتي في تصريحات له أن "فرنسا الاستعمارية قامت بتقسيم الجزائريين إلى مناطق متفرقة في كاليدونيا، حيث جرى الزجّ بقدماء المقاومين في جزيرة الصنوبر، مثل أتباع الشهيد الشيخ المقراني والشهيد الشيخ الحدّاد الذين لم يتمكّنوا من العودة إلى أرض الوطن إلاّ بعد عام 1904، فيما أجبر آخرون على الاستقرار في أراضٍ جديدة مثل "جحيم غويانا" مع مرحّلين فرنسيين صُنفوا آنذاك ضمن مرتكبي الشغب والجريمة".
ويؤكد الباحث في التاريخ، سعدي بزيان في تصريح لـ"موقع سكاي نيوز عربية" أن "كتابة التاريخ لا تكون فقط في الوثائق وإنما كذلك عبر الرسومات والصور المخلدة للأحداث التاريخية".
واعتبر صاحب كتاب "جرائم فرنسا في الجزائر" في تعليقه على الجداريات والمعالم التذكارية المتعددة التي تروي ملاحم الثوار الجزائريين بأنها "تذكير للأجيال اللاحقة بملاحم أجدادهم الذين تعرضوا لكل أنواع التنكيل خلال الحقبة الاستعمارية التي دامت قرنا ونيفا".
ونوه بزيان بالعودة إلى الاهتمام بالذاكرة الوطنية، باعتبارها "نبراسا للحاضر"، وكما قال الفيلسوف الألماني شوبنهاور "التاريخ للأمم هو كالعقل للأفراد".
أودان.. الشهيد الذي لن تنساه الجزائر
في قلب الجزائر العاصمة، يتوسط اسم المناضل الفرنسي اليساري والشهيد من أجل استقلال الجزائر، موريس أودان إحدى أشهر الساحات في البلاد، وهو الفرنسي المساند للثورة الجزائرية الذي اعترف الرئيس إيمانويل ماكرون قبل ثلاث سنوات بـ"مسؤولية الدولة الفرنسية" في مقتله سنة 1957 خلال الفترة الاستعمارية.
وعلاوة على شهرة هذه الساحة، تعتبر محطة رئيسية للعديد من كبار المسؤولين الفرنسيين وعلى رأسهم رؤساء البلاد مثل فرانسوا أولاند وإيمانويل ماكرون عند زيارتهم الرسمية للجزائر.
ويأتي هذا الفضاء وسط شارع الشهيد البطل ديدوش مراد (1927-1955) أحد أشهر وأكبر الشوارع المتربعة على مدينة الجزائر حيث يعرف بحيويته وامتيازه عند الكثير من رواده بشكل عماراته المصممة على الطراز الأوروبي ومحلاته المتنوعة وصورته السياحية في حين أن الساحات والشوارع المرتبطة به تمنحك فرصة السفر في أدغال التاريخ الجزائري.
ويذكر أن مصالح بلدية الجزائر الوسطى قامت بتاريخ 22 مايو الماضي، بنقل تمثال موريس أودان من الساحة من أجل وضعه في مكان آخر، سيتم انتقاؤه حسبها بالتنسيق مع عائلة الفقيد والهيئات الوصية، مع التعريف بمشواره في سبيل استقلال الجزائر.
من مقام الشهيد إلى ساحة الأمير
يعتبر "مقام الشهيد" الذي يطل على مدينة الجزائر أحد أبرز المعالم التاريخية التي تُذكر باستقلال البلاد وحربها التحريرية التي دامت سبع سنوات ونصف (1954-1962)، وقد بُني هذا المقام سنة 1982 بمناسبة إحياء الذكرى العشرين للاستقلال، حيث تم صنعه من طرف الشركة الكندية "لافالين".
ويتألف الشكل الهندسي للنصب من ثلاثة أوراق نخيل تتحد في منتصف الارتفاع، وعند بداية كل ورقة نجد تمثال يرمز إلى إحدى حقب حرب التحرير الثلاثة، ويأتي النصب على ارتفاع 92 متر، والسعفات الثلاثة يبلغ طولها 47 مترا وعرض القبة 6 أمتار.
في حين لا يزال تمثال الأمير عبد القادر شامخا في سماء مدينة الجزائر، رافعا سيفه ليروي بطولات مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة في مقاومة جحافل الجنرال الفرنسي بيجو، ويقع التمثال في ساحة تقاطع بين شارعي العقيد سي الحواس والعربي بن مهيدي وكلاهما بطلان من أبطال الثورة الجزائرية.
ويتواجد على يسار ساحة الأمير مقهى ميلك بار الشهير، إضافة إلى بعض المطاعم ومكتبة "العالم الثالث" إحدى المعالم الثقافية البارزة في مدينة الجزائر.