تشهد ملفات الذاكرة أو ما يعرف بـ "أرشيف الثورة" الجزائرية، حالة من الترقب خلال الفترة الأخيرة، وتسعى الجزائر من خلال المحادثات مع الجانب الفرنسي، لاسترجاع "أرشيفها الوطني" والحصول على المعلومات التي تمكنها من معرفة أماكن المفقودين ومواقع التفجيرات النووية إبان فترة الاستعمار الفرنسي.

وعن آخر تطورات ملف "أرشيف الثورة"، أوضح المحلل السياسي الجزائري عبد الرازق صاغور، أنه تم تأسيس لجنة جزائرية يرأسها الدكتور شيخي عبد المجيد وهو مستشار برئاسة الجمهورية، ومن الجانب الفرنسي الباحث في التاريخ بن جاما ستورا.

وأضاف صاغور في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن ستورا قدم تقريرا إلى الجانب الفرنسي عن آخر ما توصلت إليه أعمال اللجنة، لكن إلى الآن مسألة الاعتراف بالجرائم المرتكبة من طرف الاستعمار لم تحقق أي تقدم وبقيت تراوح مكانها، رغم أن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أشار إلى أن نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون مستعد للاعتراف، إلا أن هناك لوبيا قويا في فرنسا يعارض ذلك".

وحول ملف "أرشيف الثورة" وتأثيره على العلاقات الجزائرية الفرنسية، بيّن صاغور، أن العلاقات بين البلدين موجودة ومتعددة لكنها إلى حد ما مزاجية، وتتأثر بكثير من المواقف الفرنسية المعادية للجزائر خاصة في الإعلام الرسمي وغير الرسمي أيضا.

نشيد الجزائر كُتب في السجن ويتوعد فرنسا

وكان وزير المجاهدين وذوي الحقوق الجزائري، الطيب زيتوني، أكد في تصريحات صحفية، أن ملف الأرشيف الوطني والمفقودين خلال فترة الاستعمار لم يشهدا تطورا مع الجانب الفرنسي، ويتوجب على الجانب الفرنسي الالتزام والاستجابة لطلب الجزائر بتمكينها من استرجاع أرشيفها الوطني وكذلك تقديم المعلومات الكافية عن المفقودين الجزائريين وأماكن تواجدهم، واستعادة ما تبقى من "جماجم" ضحايا الحقبة الاستعمارية، إضافة إلى ملف تعويضات ضحايا التفجيرات النووية بالصحراء الكبرى وتنظيف آثارها.

أخبار ذات صلة

الجزائر تحرز تقدما بملف "جماجم الشهداء"

 

وشدد زيتوني على ضرورة معالجة هذه الملفات في إطار الحوار (دولة مع دولة)، وذلك بعيدا عن الأشخاص والجماعات المؤثرة، مضيفا أن وزارته وبالتنسيق مع القطاعات الوزارية المعنية في الجزائر بهذا الملف تتابع بدراسة معمقة لكل ما توفر من معطيات في هذا الشأن، علما بأنه تم إحصاء أكثر من ألفي مفقود لا يعرف مكان دفنهم.

وأكد الوزير أن العلاقات "الجزائرية - الفرنسية" شهدت تطورا ملحوظا في متابعة ملفات الذاكرة خلال الآونة الأخيرة، منوها إلى أن "ملف الذاكرة" كان دائما في صلب المحادثات بين الجزائر وفرنسا، حيث أنها تعالج بجدية ورصانة بعيدا عن الرواسب الاستعمارية، كما أن ملف الذاكرة لا يمكن تجزئته إلى مراحل أو محطات دون أخرى من فترة الاحتلال الفرنسي للجزائر، والذي يمتد من 1830 إلى 5 يوليو 1962 وما عاناه الشعب الجزائري طيلة فترة الاحتلال من جرائم لا تسقط بالتقادم ومنها التي لا تزال آثارها قائمة.

وعاد زيتوني ليؤكد أن الطرف الفرنسي يرفض تسليم الخرائط "الطبوغرافية" التي تسمح بتحديد مناطق دفن النفايات المشعة أو الكيماوية غير المكتشفة، ولم تقم فرنسا بأية مبادرة لتطهير المواقع الملوثة من الناحية التقنية، كما لم تعوض المتضررين، مضيفا أن هذا الملف يعد الأكثر حساسية من بين "ملفات الذاكرة" التي هي محل مشاورات ضمن اللجان المختصة وهو ما يتطلب إجراءات عملية بشكل عاجل، إضافة إلى تسويته ومناقشته بكل موضوعية.

ملف التجارب النووية

وحول "تعويض ضحايا التفجيرات النووية"، قال زيتوني إن قانون "مورين" المتعلق بالاعتراف وتعويض ضحايا التجارب النووية، تضمن شروطا تعجيزية، على الرغم من أن التجارب النووية الفرنسية في الجزائر مازالت آثارها باقية بعد مضي 55 سنة، حيث تسببت في أمراض سرطانية وتشوهات جسدية، لافتا إلى أن الجزائريين المتضررين لم يتمكنوا من الحصول على أي تعويضات حتى الآن.

أخبار ذات صلة

عودة رفات الشهداء.. تفاصيل الملف "المفخخ" بين الجزائر وفرنسا

 

وأشار المسؤول الجزائري إلى أن السلطات الفرنسية مازالت تصر على إبقاء ملف التجارب النووية في الصحراء الجزائرية حبيس الأدراج، بالرغم من المحاولات العديدة من قبل الحقوقيين وجمعيات ضحايا التجارب النووية الفرنسية في الجزائر والتي سعت إلى فتح الأرشيف باعتباره ملكا للبلدين، على الأقل لتحديد مواقع ومجال التجارب وطاقاتها التفجيرية الحقيقية.

وكان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، أكد في كلمة وجهها بمناسبة إحياء اليوم الوطني للذاكرة، تخليدا لذكرى مجازر 8 مايو 1945، أن جودة العلاقات بين الجزائر وفرنسا لن تأتي دون مراعاة التاريخ ومعالجة ملفات الذاكرة التي لا يمكن التنازل عنها بأي حال، مشددا على ضرورة معالجة ملفات الذاكرة بجدية، حيث أن الشعبان الجزائري والفرنسي يتطلعان إلى تحقيق قفزة نوعية في العلاقات نحو مستقبل أفضل.

ولفت تبون إلى أن هناك مباحثات مستمرة مع فرنسا لمتابعة ملفات الذاكرة المتعلقة باسترجاع رفات ضحايا الثورة الجزائرية والمفقودين، إضافة إلى استرجاع الأرشيف وتعويض ضحايا التفجيرات النووية في الصحراء الجزائرية، مؤكدا أن تشكيل الذاكرة الوطنية يعد تحديا، وليست مسألة معرفية فقط.