في وقت تشهد فيه مختلف مناطق العراق موجة من الارتفاع الشديد لدرجات الحارة، انقطع التيار الكهربائي عن عدد من المدن والبلدات العراقية، بسبب إعلان إيران القطع التام للكهرباء عن العراق.
وواجه العراقيون بغضب عارم الأنباء المتواترة عن استهداف مجموعات مسلحة "مجهولة" للعديد من محطات إنتاج الكهرباء وخطوط نقلها وأبراج الطاقة الرئيسية.
وأشار مراقبون إلى وجود مشروع متكامل للجهات المستهدِفة، تتوخى زيادة الضغوط على المواطنين العراقيين، وخلق رابط وتبعية للعراق بإيران في مجال الحصول على الطاقة الكهربائية.
الأجهزة الحكومية العراقية أعلنت خلال اليومين الماضيين تعرض شبكة الكهرباء الوطنية العراقية لعشرات الهجمات المتفرقة، التي أدت خلال يوم واحد لمقتل سبعة أشخاص وجرح أكثر من 15 مواطنا آخر، فيما خرج أكثر من 60 خطا رئيسيا عن الخدمة تماما.
المراقبون أشاروا إلى درجات تنسيق العمليات المنفذة فيما بينها، فأغلب الهجمات التي جرت الأحد، حدثت في المناطق الصحراوية الغربية، في مدن الحديثة والقائم والرمانة في محافظة الأنبار.
وقبلها بيوم واحد، حدثت هجمات في القطاع الغربي من محافظة كركوك، بمحيط منطقة دبس، ما دفع المراقبين للقول بأن مختلف المنفذين ينتمون لخلايا تنظيمية واحدة.
صعوبات كثيرة
مصدر أمني من وزارة الداخلية العراقية شرح في حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية"، الصعوبات التي تعانيها وزارته والأجهزة الأمنية المرتبطة بها في سبيل الحفاظ على الشبكة الضخمة لإنتاج وتوزيع الكهرباء في البلاد: "ثمة قرابة خمسين ألف برج لنقل الكهرباء في مختلف مناطق البلاد، في مساحة فعلية تقدر بحوالي 300 ألف كيلومتر مربع، جزء واسع منها هو عبارة عن مناطق صحراوية قاحلة، وتشهد بالأساس عمليات أمنية بين الجيش العراقي وأجهزة الأمن والتنظيمات الإرهابية المتطرفة. فلو كان كل برج يحتاج إلى عشرة حراس متناوبين، فالأمر يعني أن نصف الجيش العراقي يجب أن يكون لخدمة وحراسة هذه الأبراج".
الباحث العراقي سعدون جمعة، ردّ على أعذار وزارة الداخلية العراقية قائلا: "تحاول الأجهزة الأمنية والعسكرية العراقية الإيحاء بأن استهداف محطات وأبراج الكهرباء في البلاد هي مسألة أمنية وعسكرية، لكن الانسيابية والثقة المفرطة التي ينفذ فيها المتورطون أعمالهم، تدل على استنادهم على ثقل سياسي يستطيع أن يحميهم، وأن أعمالهم هي لصالح مشروع سياسي، يستهدف الاقتصاد وتخريب مقدرات العراق. شيء يشبه استهداف الناشطين المدنيين العراقيين منذ ثلاثة سنوات، حيث أن جوهر المسألة سياسية، وليس فقط مواجهة وعمليات أمنية فحسب".
خلايا عصابات
أغلبية العراقيين على وسائل التواصل الاجتماعي أشاروا بوضوح إلى دور خلايا من عصابات صغيرة، يتم إدارتها من جهة إقليمية لا تريد للعراق الاستقلال الكهربائي، مثلما لا تريد له أي استقلال آخر.
وطالب رواد مواقع التواصل الحكومة العراقية بالكشف الحقيقي لهوية جهة واحدة تم إلقاء القبض عليها بسبب هذه الجرائم، لتبين إذا ما كانت العمليات ذات هوية سياسية أو مجرد أفعال إجرامية.
وشكك الناشطون على "السوشيال ميديا"، في صحة البيان الذي أصدره تنظيم داعش الإرهابي، والذي تبنى فيه بعض هذه العمليات، مثل استهداف محطة شمال سامراء لإنتاج الكهرباء.
أهداف خفية
كان العراق تقليديا يستورد الغاز من إيران لتشغيل محطات توليد الكهرباء، ولم يتمكن طوال السنوات الماضية من تشييد بنية تحتية تلبي احتياجات البلاد.
هذه الاحتياجات راكمت ديونا إيرانية على العراق قدرت بحوالي أربعة مليارات دولار، لا يستطيع العراق سدادها بسبب العقوبات الأميركية على إيران، إذ يستورد العراق يوميا قرابة 1.7 مليار قدم مكعب من الغاز من إيران، وستبقى بهذا الوضع بشكل دائم ما لم ينتج الكهرباء محليا، علما أن حاجات العراق من الكهرباء تبلغ 30 غيغاواط، تملك أكثر من ثلثيه، وتستورد الباقي.
وبرأي الباحث الأمني العراقي زكوان شريف شرح فإن أهداف الجهات المُستهدِفة تتلخص في أنه "يرى الفاعلون بأن المشروعين العراقيين الاستراتيجيين في مجال الكهرباء، سواء من خلال التوقيع من الشركة الوطنية الأميركية للكهرباء، وشركة سيمنس الألمانية، اللتان وعدتها بتلبية حاجات العراق من الكهرباء خلال سنة، سيقطع مصدرا رئيسيا لموردي الكهرباء إلى العراق".
وأضاف شريف في حديثه مع موقع "سكاي نيوز عربية: "المعلومات المُسربة من بعض الأجهزة الأمنية تقول بأن الفاعلين ينتمون إلى مختلف مناطق العراق، ويعملون كخلايا صغيرة مستقلة عن بعضها البعض في مناطقهم المحلية لممارسة أفعالهم تلك، التي يتم إدارتها بشكل مركزي من جهة واحدة معروفة، تستفيد من مثل هذا الضعف في البنية الكهربائية في العراق، وهو أمر لا تعترف به الحكومة المركزية".