في إشارة إلى الموقف المصري الحريص على الأمن المائي للبلاد العربية، تحدث الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال القمة الثلاثية التي استضافتها بغداد، الأحد، عن الحقوق المائية للعراق.
وذكر السيسي في ختام القمة الثلاثية التي جمعته بالملك الأردني عبد الله الثاني ورئيس الوزراء العراق مصطفى الكاظمي، أن "حقوق مصر المائية (بنهر النيل) ترتبط ارتباطا وثيقا بالأمن القومي العربي، وتشكل جزءا من الحقوق المائية العربية بشكل عام".
وأوضح السيسي أن القاهرة "تؤيد الحقوق المائية للعراق وللأردن في مواجهة التحديات الماثلة أمامهما"، في دلالة واضحة على اعتراض مصر على نهجي إيران وتركيا في تجفيف الأنهار الدولية المنهمرة منهما نحو العراق، وإشارة منه إلى الترابط التفصيلي بين كل القضايا التي تمس الأمن القومي المشترك.
وكان تذكير السيسي بهذه القضية التفصيلية الجامعة بين البلدين، مصر والعراق، إشارة لمساعي مصر في دعم العراق على تخطي مشاكله الداخلية والخارجية، وأبرزها الانقسام الطائفي.
وشرح الباحث والكاتب العراقي رجب المحياوي، في حديث مع "سكاي نيوز عربية"، الفارق النوعي بين التجربتين المصرية والعراقية في هذا الإطار، حيث قال: "لم يشهد العراق حركة تحرر طويلة الأمد شبيهة بما جرى في مصر، التي توجت بثورة عام 1919 التي صنعت أكبر لوحة لصناعة الفضاء السياسي والاجتماعي الوطني المصري. لذا فالعراق كان على الدوام قابلا وهشا أمام الانقسامات الأهلية، الطائفية منها بالذات".
ويضيف المحياوي: "السنوات الطويلة لحكم الشمولية السياسية في العراق زاد من تلك الانقسامات الداخلية، وأدخل في جنباته كل دوافع العنف والتنابذ، والعراقيون منذ أن انفتح صندوقهم الداخلي بعد الاحتلال الأميركي عام 2003، وهم لا يستطيعون ضبط ذلك التوتر الداخلي".
المسألة الكردية في العراق نموذج آخر عن ذلك، ففي مقابل العقدة الكردية التي لم تتمكن القوى والنخب السياسية العراقية من إيجاد حلول ومبادرات خلاقة بشأنها، كانت مصر تاريخيا المبادر الأكثر رصانة في ذلك الاتجاه.
الناقد والكاتب الكردي شيروان بنجويني شرح في حديث مع "سكاي نيوز عربية" أصالة المبادرات المصرية في منح المسألة الكردية شرعية عربية وإقليمية، عبر اعتبار الكرد العراقيين جزءا أصيلا من النسيج السياسي والفضاء الإنساني للمنطقة.
وأوضح: "منذ أواخر الستينات، كانت مصر في الزمن الناصري أولى الجهات التي استقبلت قادة الحركة القومية الكردية العراقية، وساندت مطالبهم المحقة في الحكم الذاتي، وبادرت لافتتاح أول إذاعة كردية في المنطقة، لكنها أولا أنهت الادعاء بأن كرد العراق (مجرد انفصاليين)، بل أحالت المسألة إلى فضائها السياسي. استمر ذلك الأمر لعقود حافظت فيها مصر على موقع متوازن من المسألة الكردية، بما في ذلك بعد عام 2003 عبر القبول برئيس ووزير خارجية كرديين للعراق. واليوم تستطيع مصر بعمقها العربي أن تحلحل الكثير من القضايا العالقة بين أكراد العراق والحكومة المركزية فيه".
المستوى السياسي الثالث للديناميكية المصرية الممكنة في العراق، يتعلق بالفضاء الإقليمي العراقي.
فالدولتان المندفعتان نحو العراق، إيران وتركيا، لا تريان فيه فعليا ندا سياسيا ودولة ذات سيادة ومساواة معهما، بل مجرد كيان يجب أن يكون ذا تابعية للخيارات السياسية لواحدة من هاتين الدولتين، أو أن تكون بعض المكونات السياسية والأهلية في هذا البلد تابعا ومرتبطا بهما.
وعلى النقيض من ذلك، فإن مصر تحمل رغبة بالتعامل مع العراق كدولة ذات علاقة بدولة أخرى، تجمعهما مجموعة من الوشائج والعلاقات التاريخية، لكن أولا شبكة من المصالح والروابط ذات هوية مشتركة في الأمن القومي للبلدين.