بعد تقدم الوزير الأول الجزائري عبد العزيز جراد باستقالة حكومته، الخميس، كثرت التساؤلات بشأن المستقبل القريب للجزائر، التي خرجت لتوها من انتخابات برلمانية هي الأولى منذ الحراك الأخير.

فبعد إعلان النتائج الرسمية للانتخابات، كلف الرئيس عبد المجيد تبون الوزير الأول المستقيل جراد بتسيير المرحلة الحالية للبلاد، إلى حين تعيين حكومة جديدة، وذلك وفقا لما ينص عليه الدستور.

ومن وجهة نظر الجزائريين، تعتبر هذه الخطوة في حد ذاتها نجاحا سياسيا لجراد، حيث وصل إلى المنعرج الأخير وقدم استقالته للرئيس وفق نص المادة 113 من الدستور.

وخلافا للعديد من التكهنات السياسية التي توقعت إقالته عدة مرات، يستمر الوزير الأول في تسير الأعمال حتى بعد إعلان المجلس الدستوري النتائج الرسمية لتشريعيات 12 يونيو.

ويؤكد الخبير الدستوري عامر رخيلة أن ما تعيشيه الساحة السياسية في الجزائر "تجسيد لمواد الدستور"، مضيفا لموقع "سكاي نيوز عربية": "إجراء استقالة جراد دستوري وقانوني".

ووفقا لذلك، كلف تبون جراد وأعضاء حكومته بتسيير المرحلة الحالية لحين تعيين وزير أول، أو تجديد الثقة فيه لفترة أخرى.

بهذا الشكل، تصل الجزائر إلى محطة جديدة وسط أكوام من التحديات الداخلية والخارجية، وتتجه الأنظار الآن إلى شكل الحكومة الجديدة وسط خيارين لا ثالث لهما.

نحو وزير أول تكنوقراط

ووفق التشكيلة الجديدة للبرلمان المنتخب، فإن الأمور تسير بخطى ثابتة نحو تعيين وزير أول بدلا من رئيس للحكومة، وذلك بعدما فشلت كل الأحزاب من تحقيق الأغلبية البرلمانية المحددة قانونا بسقف 205 مقعد من أصل 407.

وفور إعلان نتائج انتخابات 2021، توجهت أبرز الأحزاب الفائزة لإعلان دعمها لبرنامج تبون، كما أعلن 78 مترشحا حرا فائزا دعمه لبرنامج الرئيس أيضا.

أخبار ذات صلة

رسميا.. الحزب الحاكم بالجزائر يفوز بالانتخابات التشريعية
الأحرار يرسمون خارطة جديدة للبرلمان الجزائري

وفي هذه الأثناء، يوسع تبون دائرة مشاوراته لاتخاذ القرار النهائي المتعلق بالحكومة الجديد، وأمامه 15 يوما كحد أقصى لإعلان أعضاء الحكومة واسم الوزير الأول.

ويتواجد عدد من أعضاء حكومة جراد في مكان مريح يعزز من فرضية تمديد فترتهم، وذلك بعد 18 شهرا من مشاركتهم في إدارة البلاد في ظرف صحي وأمني وسياسي معقد جدا.

وفي تقييمه لأداء حكومة جراد، سبق أن استخدم الرئيس تبون عبارة "فيها وعليها"، وهي العبارة التي وضعت جميع أعضاء الحكومة في حالة قلق وحيرة، قبل أن يعلن تبون تعديلا حكوميا أطاح عددا قليلا من الوزراء.

وفي هذا الصدد، يصف رخيلة الظروف التي عملت فيها حكومة جراد بالصعبة، قائلا: "جراد عمل في ظرف غير عاد، وقد كان بمثابة المنسق العام، وتبون يدرك ذلك جيدا والقرار الأخير سيأخذ بعين الاعتبار المرحلة الصعبة".

وما يحسب لإدارة جراد عدم ظهور أزمات تفاعلية كبيرة بين السلطات الثلاثة، التشريعية والتنفيذية والقضائية، فقد كان التنسيق يسير بثبات حتى خلال فترة تواجد تبون خارج البلاد للعلاج من الوعكة الصحية التي تعرض لها بسبب إصابته بفيروس كورونا.

ويجمع الخبراء على أن تشكيلة الحكومة ستكون من التيار الوطني الذي يمكنه تشكيل الأغلبية حسب النتائج المحققة للانتخابات التشريعية، التي لم ينل فيها أي حزب سياسي الأغلبية.

ويرجح كثيرون تعيين وزير أول غير متحزب، حيث ينظر لتبون باعتباره رجل الكفاءات العلمية الذي لا يود الدخول في متاهة الحسابات الحزبية، كما يتوقع احتفاظ بعض الوزراء الحاليين بحقائبهم الوزارية نظرا لارتباطهم بملفات ثقيلة ذات طابع إقليمي وأمني.

واستمر حزب جبهة التحرير الوطني في تصدر القوائم بـ98 مقعدا، وحاز الأحرار على 84 مقعدا وحركة مجتمع السلم على 65، والتجمع الوطني الديمقراطي على 58 مقعدا، وجبهة المستقبل على 48، وحركة البناء الوطني على 39.

وأكد القيادي في حزب جبهة المستقبل سمير مفتاح أن هذا الأمر طبيعي جدا، و"هو ما يساعد رئيس الجمهورية على تشكيل حكومة كفاءات وطنية لمواصلة تجسيد برنامجه والتزاماته تجاه الشعب الجزائري".

وقال مفتاح لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن الحكومة ستكون بين التيار الوطني والمستقليين، و"تبون يعلم جيدا أن التغيير يأتي عبر مراحل وليس دفعة واحدة".

أخبار ذات صلة

انتخابات الجزائر.. بين الترحيب والصدمة والتشكيك
جبهة التحرير الوطني تتصدر انتخابات البرلمان الجزائري

آجال قانونية ضيقة والمفاجآت قائمة

من الناحية الإجرائية، فإن المجلس الشعبي الوطني المنتخب مؤخرا يكون ملزما بعقد أول جلسة له في أجل أقصاه أسبوع من الآن، ويتم خلال الجلسة انتخاب رئيس جديد للمجلس، وقد ترفع الجلسة بشكل استثنائي إلى حين عودة عمل المجلس مجددا في شهر سبتمبر المقبل.

وسيكون كل من المجلس والحكومة الجديدة أمام رهان تنظيم الانتخابات المحلية، التي من المرتقب أن تنظم شهر نوفمبر.

رغم كل ذلك فإن عامل المفاجأة يبقى قائما، وهو ما يؤكد عليه أستاذ علم السياسية نور الدين حاروش، الذي أكد أن "مشكلة الفعل السياسي في الجزائر أكبر بكثير من مجرد حساب تقاسم الأحزاب السياسية لمقاعد البرلمان، أو معرفة تشكيلة الحكومة".

وقال حاروش لموقع "سكاي نيوز عربية" :"الأزمة في الفكر السياسي، وهذا الأمر نتيجة سنوات من التصحر السياسي مما خلق جوا من عدم الثقة بين المواطن والسلطة، وهو أمر سيؤثر على اتخاذ القرارات المهمة".

كدليل على ذلك، يسلط الباحث في علم السياسية الضوء على طريقة تفكير المترشحين الذين دخلوا سباق البرلمان كأحرار، لكن بمجرد إعلان فوزهم أعلنوا وبشكل جماعي دعمهم لبرنامج الرئيس.

وَقال حاروش: "هذا الأمر يجعل من المشهد السياسي في الجزائر معقدا جدا، وخارج تصنيف كل ما هو متعارف عليه علميا في علم السياسة، وهو ما يضعنا في سياق المفاجآت السياسية التي يتحكم فيها منطق المصالحة الشخصية على حساب المصلحة العامة".