أثارت دعوة البيان الختامي لمؤتمر "برلين 2" الحكومة الليبية المؤقتة إلى تسهيل مغادرة المهاجرين على أساس "طوعي" وليس قسريا الشكوك بشأن تحركات في الخفاء لتوطين المرتزقة وغيرهم من الأجانب في ليبيا تحت اسم "مهاجر"، بما ينطوي عليه هذا التعبير من حقوق تكفلها مواثيق دولية، منها تسهيل تجنيسه.
وانعقد مؤتمر "برلين 2" بشأن الأزمة الليبية في ألمانيا الأربعاء بحضور دولي حاشد وتحت إشراف الأمم المتحدة، وانتهى بإصدار بيان ختامي تضمن 57 بندا، أبرزها "ضرورة خروج المرتزقة والقوات الأجنبية من أنحاء ليبيا، والتزام السلطات الليبية، حسب الاقتضاء، في تطوير نهج شامل لمعالجة الهجرة، وإغلاق مراكز الاحتجاز".
وجاء في البند 53 بشأن المهاجرين، ومعظمهم غير شرعيين: "ندعو السلطات الليبية المؤقتة إلى تسهيل الدعم الإنساني ورحلات الإجلاء الإنساني والمغادرة على أساس طوعي دون انقطاع".
وفسر مراقبون في حديث لموقع "سكاى نيوز عربية" البند 53 بأنه يعني السماح ببقاء المهاجرين إذا رفضوا المغادرة "طوعيا"، رغم تأكيد ذات البيان على إغلاق مراكز الاحتجاز للمهاجرين، مما يتيح بقاءهم في ليبيا وتوقف انتقالهم لأوروبا، ويحقق مصالح تركيا في توطين المرتزقة والمسلحين التابعين لها وتجنيسهم طمعا في دور مستقبلي لهم في هذا البلد المهم.
وطن للمهاجرين
وتعهد مؤتمر برلين 2 في بيانه الختامي بدعم ليبيا في تطوير نهج شامل لإدارة الهجرة ومجابهة تحركات اللاجئين من وإلى ليبيا بالارتكاز على مبادئ القانون الدولي.
ولم يُذكر في البيان تعبير "مكافحة الهجرة غير الشرعية"، بينما جرى التركيز على مراعاة "حقوق الإنسان والقوانين الدولية" فيما يخص المهاجرين واللاجئين.
وأشار مراقبون إلى أن هذا الاتجاه قد ينتهي إلى تهيئة ليبيا لتكون وطنا بديلا للمهاجرين، خاصة في ضوء الدعوات المكثفة الصادرة عن الأمم المتحدة ومنظماتها في السنوات الأخيرة حول توطين اللاجئين عموما في أوطان بديلة، منها مؤتمر الأمم المتحدة في جنيف لإعادة توطين اللاجئين السوريين في سنة 2016.
وظهرت الخطة التركية لتوطين المرتزقة في ليبيا، وإعطائهم الجنسية الليبية مبكرا، وتتلاقي بدورها مع ما كشفته مصادر عن مقترح وزير داخلية الوفاق السابق فتحي باشآغا، الموالي لأنقرة بشأن توطين المرتزقة السوريين في مدينة ترهونة الليبية، بعد جرائم ارتكبتها الميليشيات بحق أهالي المدينة ومحاولة تهجير أبناء ترهونة لصالح المرتزقة.
وسبق أن لفت المحلل السياسي الليبي فرج ياسين في حديث لـ"سكاي نيوز عربية" إلى أن تأخر تركيا في سحب المرتزقة السوريين من ليبيا قد يكون من أسبابه استخدامهم في المشاركة في الانتخابات لصالح الإخوان بأسماء وهمية وبطاقات وطنية مزورة.
شرعنة الارتزاق
ويرى محللون وخبراء في الشأن الليبي أن خطة تحويل المرتزقة إلى صفة لاجئين، تشكل الحل المثالي للحكومة التركية والميليشيات الموالية لها، عبر إعطاء المرتزقة الجنسية الليبية على أساس الاتفاقيات والقوانين الدولية التي تشجع على تجنيس وتوطين اللاجئين، بما يجعل من وجودهم شرعي في ليبيا.
ومن شأن الخطة إنهاء الضغوط الدولية على حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإخراج المرتزقة من ليبيا.
ويحذر المحللون من أن مشروع التوطين سيكون فرصة لصناعة حزام "ميليشياوي" للعاصمة طرابلس ودعم ميليشيات مصراته التي تدين بالولاء لتركيا.
مشروع بريطاني ألماني تركي
ويقول الصحفي الليبي محمود المصراتي، في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن مشروع توطين المهاجرين في ليبيا، لتكون بلد المقصد بدلا من بلد المعبر، هو مشرع بريطاني، تسعى ألمانيا لتنفيذه.
ويعتبر المصراتي أن ألمانيا تحديدًا باتت تلعب دورًا مشبوها في ملفي الحكم المحلي والمجتمع المدني وملف توطين الهجرة تحت مسمى التوطين في بلد ثالث، وتغيير القوانين الليبية وفق ما يطلبه اليسار الديمقراطي الجديد المناهض للدولة الوطنية، وذلك في إشارة إلى الحملات التي يقودها اليسار في ألمانيا والعالم لتوطين اللاجئين والمهاجرين بدلا من تشجيعهم على العودة لبلادهم.
ويحذر المصراتي من أن المشكلة في اعتماد هذه اللغة التلفيقية كلغة توافقية داخل قواميس المجتمع الدولي، وسيتم إدراجها بشكل مستمر في قرارات مجلس الأمن مرة تلو الأخرى إلى أن تصبح في يوم من الأيام قرارا ملزما.
سيناريو الإيغور
وينبه مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن، إلى أن عملية نقل المرتزقة ما زالت على وتيرتها، حيث تم نقل نحو 300 مرتزق تابعين لتركيا إلى ليبيا، منذ بداية يونيو الجاري، خاصة من فصائل سليمان شاه، بقيادة أبو عمشة، وفصائل فيلق الشام وأحرار الشرقية والفرقة عشرين وغيرها.
وشبَّه عبد الرحمن في حديث لـ"سكاي نيوز عربية" ما يتردد عن توطين المرتزقة في ليبيا بالسيناريو التركي في شمال سوريا، وهو نقل مقاتلين صينيين من "الإيغور" التابعين للحزب التركستاني الإسلامي، ومن الشيشانيين إلى سوريا للقتال في صفوف الفصائل التابعة لأنقرة ضد الجيش السوري، ومن ثمَّ توطينهم هناك.
إحصاءات المرتزقة
ويقدّر عدد المرتزقة السوريين في ليبيا، أكثر من 11 ألف مرتزق، وفقا لوثائق حصلت عليها "سكاي نيوز عربية"، وهو رقم يمكن أن يتصاعد في المرحلة المقبلة، ضمن خطة التوطين التركية الإخوانية وخاصة في مناطق جنوب طرابلس.
ووفق المرصد السوري لحقوق الإنسان فإن عدد المرتزقة السوريين الذين ذهبوا إلى ليبيا 18 ألف بينهم 350 طفلا دون سن الـ18، وعاد من مرتزقة الفصائل الموالية لتركيا نحو 10870 إلى سوريا.
ومن أبرز الميليشيات السورية في ليبيا، لواء السلطان مراد، فرقة الحمزات ولواء صقور الشمال وفيلق الماجد وفرقة المعتصم وفيلق الرحمن وميليشيات «أحرار الشرقي» و جيش الإسلام ولواء الوقاص ولواء سمرقند وفيلق الشام وفرقة سليمان شاه.