لأول مرة منذ أشهر، أودى القصف الذي نفذته القوات السورية على مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام في محافظة إدلب شمال غربي البلاد، بحياة 10 ضحايا، 6 مدنيين و4 مسلحين.

القصف يعد الأول من نوعه منذ فترة، فتلك المنطقة الخاضعة لتفاهمات سياسية وعسكرية روسية تركية كانت تعيش هدنة مطولة لشهور، باستثناء بعض العمليات الفردية.

وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان قد ذكر أن القصف بدأ بعد منتصف الليل، عبر استهداف مخفر شرطة تابع لهيئة تحرير الشام في بلدة أحسم، كان يحوي مدنيين، حيث جرح 4 شرطيين و3 مدنيين، إلى جانب جرح 13 مدنيا، كذلك سقطت ضحيتان مدنيتان في قرية مجاورة، وامتدت عمليات القصف لتطال 18 قرية أخرى.

المرصد السوري ذكر بأن الفصائل المسلحة ردت على قصف القوات الحكومية السورية باستهداف نقطة تابعة لها، مما أودى بحياة ضابط من الجيش.

المواجهات التي جرت الاثنين هي الأولى من نوعها منذ أكثر من 15 شهرا، بعد الهجوم الكاسح الذي نفذته القوات الحكومية في شهر فبراير من العام الماضي، واستعادت خلال أقل من شهر قرابة نصف المساحة التي كانت تحت سيطرة الفصائل، التي كانت تقدر من قبل بأكثر من 20 ألف كيلومتر مربع لتتقلص إلى أقل من 10 آلاف، مقابل توصل تركيا وروسيا إلى هدنة "دائمة" في السادس من شهر مارس عام 2020، ولم تجرِ مواجهات عسكرية موسعة منذئذ.

الباحث المختص في الشؤون الأمنية سمير جعباوي شرح في حديث مع "سكاي نيوز عربية" الصورة العامة لانهيار التفاهمات السياسية الروسية التركية، التي ستنعكس حتما على الوضع العسكري القلق في تلك المنطقة، موضحا: "اتفاقية الهدنة التي وقعت بين روسيا وتركيا في ربيع 2020 كانت سياسية الهوية، بعد زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى موسكو وقتئذ، ومنحه أشكالا من الضمانات لحفاظ تركيا على صفقة شراء المنظومة الدفاعية الروسية (إس 400)، رغم كل التهديدات الأميركية بالعقوبات التي قد تطال تركيا، كذلك تعهدت تركيا بتقليص نفوذ جبهة النصرة في تلك المنطقة. لكن الاجتماعات الأخيرة لمنظومة حلف الناتو، وما منحته من ثقة وتوافقات مع أنقرة، يبدو وكأنها أطاحت تلك التوافقات السياسية الروسية التركية، وهذا القصف هو بمثابة رسالة روسية واضحة".

وتشكل الأيام الثلاثة القادمة امتحانا لإمكانية تحول عملية القصف هذه إلى مواجهة مسلحة كبرى في المنطقة، أو عدم حدوث ذلك، فالرد المحافظ الذي أبدته الفصائل المسلحة تجاه عملية القصف التي طالتها يدل على عدم رغبتها في تصعيد الموقف، لعدم منح القوات السورية الحجة الكافية لتنفيذ شيء من ذلك.

أخبار ذات صلة

دمر جناح "الولادة".. تفاصيل الهجوم الدامي على مستشفى عفرين
قتلى بقصف على مدينة عفرين السورية

المراقبون للمشهد في مناطق شمال غرب سوريا أشاروا إلى تعاضد عاملي اللاجئين والمناخ مع الظرف السياسي الاستثنائي لتفارق المصالح التركية الروسية على المستوى الإقليمي، وربما يغري ذلك القوات الحكومية السورية بتنفيذ عملية شبيهة بما كان قد جرى قبل أكثر من عام.

وذكرت الزميلة في معهد شؤون البحر المتوسط رئيفة بوزداغ، في حديث مع "سكاي نيوز عربية": "خلال فصل الصيف هذا وحتى أواخر الخريف، تستطيع القوات السورية إعادة هيكلة نقاط تمركزها وتمددها اتجاه المناطق التي تسيطر عليها الفصائل المعارضة، خصوصا أن أغلب من بقي من مناطق هي ذات طبيعة جبلية قاسية لا تناسب حروب الشتاء. كذلك تعرف الحكومة السورية أن أي عمل مسلح سيدفع بأكثر من 4 ملايين ساكن في تلك المنطقة للجوء إلى تركيا، وهو ما قد يخلق أكبر تحد لحكومة أردوغان التي ستكون مستعدة لتقديم تنازلات سياسية وعسكرية لتجنب ذلك. كل هذا في حسابات النظام، وعليها يرسم توجهاته".

فريق "منسقو استجابة سوريا"، وهي جهة مدنية مختصة بمراقبة وقف إطلاق النار في مختلف المناطق، اتهم الحكومة السورية وروسيا باعتماد سياسية واضحة ومنهجية للتصعيد في شمال غرب سوريا، عبر خروق منتظمة للاتفاقيات السابقة، بنسبة تجاوزت 10 خروق يومية منذ أوائل الشهر الجاري، والتصعيد الاستثنائي خلال الليلة الماضية.

المراقبون للمشهد العسكري في تلك المنطقة أبدوا مخاوفهم من إمكانية دفع روسيا والنظام السوري لفصائل عسكرية مرتبطة بإيران ومدعومة منها إلى تلك المنطقة، مما يهدد بأن تتحول المواجهة إلى الخندق الطائفي، وسط احتمالات بزيادة التوتر على المستوى الإقليمي.