تشهد مصر تحركات على مستويات عدة لإحكام السيطرة على مجال الفتوى والدعوة الدينية، لاسيما بعد الضجة التي أثارتها شهادة الشيخ محمد حسين يعقوب في القضية المعروفة إعلاميا باسم "داعش إمبابة".
وكان يعقوب أثار جدلا بعدما أنكر في شهادته انتماءه للتيار السلفي ونشاطه الدعوي، وبعدها أغلق موقعه الرسمي على الإنترنت وقناته على موقع يويتوب.
وتقدمت عضوة مجلس النواب المصري مايسة عطوة باقتراح بقانون لتنظيم ممارسة الخطابة والدروس الدينية في المساجد والساحات ووسائل الإعلام وتغليظ عقوبات من يخالفه بالحبس والغرامة.
وأكد برلمانيون ومسئولون في مؤسسات دينية رسمية لموقع "سكاى نيوز عربية" على أهمية مثل هذه التعديلات التشريعية، للحد من فوضى الفتاوي ومحاصرة دعاة الفضائيات والمواقع الالكترونية من المتشددين وغير المتخصصين، فضلا عن مخالفتهم القانون باعتبارهم غير مصرح لهم بالفتوى أو الدعوة أو الحديث في أمور الدين.
العقوبات المقترحة
ووضع الاقتراح البرلماني عقوبات بالحبس مدة لا تقل سنة ولا تجاوز 3 سنوات، وبغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تجاوز 200 ألف جنيه أو بإحدى العقوبتين، لكل من مارس الخطابة أو أداء الدروس الدينية بالمساجد والتحدث في الشأن الديني بوسائل الإعلام دون ترخيص.
كما نص الاقتراح على نفس العقوبة لكل من ارتدى الزي الأزهري من غير المصرح لهم بارتدائه أو قام عمداً بإهانة هذا الزي أو ازدرائه أو الاستهزاء به.
وشمل الاقتراح كل من أبدى رأيا مخالفا لصحيح الدين أو منافيا لأصوله أو مبادئه الكلية المعتبرة، إذا ترتب على آرائه إشاعة الفتنة بين أبناء الأمة وتضاعف العقوبة في حالة العودة.
مواجهة المتطرفين
وقالت النائبة البرلمانية لموقع "سكاي نيوز عربية" إنه "في الآونة الأخيرة ظهرت فتاوى من غير ذي صفة أو شأن أو علم، آخرها ما تابعناه في شهادة محمد حسين يعقوب وغيره من شيوخ الإرهاب الذين دسوا السم في العسل للمصريين طوال عقود من اعتلاء المنابر".
وأضافت أن "محمد حسين يعقوب ومحمد حسان وأمثالهما من دعاة الارهاب لهم دور في تشويه المصطلحات لدى البعض من ذوي النفوس الضعيفة وتحويل أفكارهم لعمليات إرهابية أودت بحياة الأبرياء".
وتابعت "عطوة" قائلة إن "اسم يعقوب لم يرد في تحقيقات قضية داعش إمبابة مصادفة بل اعترف المتهمون أنهم نفذوا عمليات إرهابية بأفكار شيوخهم، وانتهي الأمر بمثوله أمام المحكمة وإنكار نشاطه الدعوي وأفلت من أي مساءلة لعدم وجود تشريع لتجريم مثل هذه الممارسات".
التصدي للفتاوى الشاذة
وقال مستشار مفتي مصر إبراهيم نجم: "عانينا على مدار سنوات من حالة فوضى في الفتاوى والخطاب الديني بسبب تصدر غير المختصين للإفتاء عبر الفضائيات والمواقع الإلكترونية، ما أدى إلى انتشار فتاوى مغلوطة شوهت كثير من مفاهيم وأحكام الدين".
وأضاف نجم لموقع "سكاى نيوز عربية": "طالبنا كثيراً بضرورة قصر الفتوى على المختصين من العلماء".
وتابع مستشار مفتي مصر قائلا إن اللجوء إلى أهل الاختصاص في الفتوى والدعوة يقطع الطريق أمام من يستغلون أحكام الدين ويلوون عنق النصوص لتمرير إيديولوجية معينة أو فكر متطرف أو لتحقيق أغراض شخصية.
وطالب نجم بعدم الالتفات إلى غير المختصين، واللجوء إلى المؤهلين من أهل العلم للفتوى، خاصة المؤسسات الرسمية المسؤولة عن الإفتاء والدعوة لأنها الأقدر على القيام بهذه المهام.
فوضى الإفتاء والدعوة
وأوضح نجم أن دار الإفتاء والمؤسسات الدينية تتصدي لفوضى الفتاوى بإجراءات وقائية من خلال نشر الوعي بين الناس، والخطوة الثانية إصلاحية علاجية من خلال التصدي للفتاوى الشاذة وإزالة ما أحدثته من بلبلة بين الناس.
وأشار إلى أن دار الإفتاء تولى اهتماما كبيرا بتدريب المفتين وتأهيلهم على المهارات الخاصة بالإفتاء وليس فقط مجرد تحصيل العلوم الشريعة، فليس كل من تخرج من الأزهر يمكنه ممارسة الإفتاء أو الدعوة لأن هناك علوم وتدريب يجب أن يكتسبها قبل أن يتصدر لهذه المهام.
ولفت نجم إلى أن دار الإفتاء المصرية تقدم خدمة تدريب المفتيين لكافة الدول من خلال الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، وسبق أن خضع لهذه التدريبات مُفتون من أفريقيا ودفعتان من أئمة بريطانيا وكذلك من فرنسا ودول جنوب شرق آسيا وغيرها.
خطورة الفتاوى الشاذة
وقال محمد الشحات الجندي، أستاذ الشريعة الإسلامية وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية إن واقع الإفتاء اليوم يعاني من فوضى الفتاوى ما يؤدي إلى زعزعة استقرار المجتمعات وإثارة البلبلة والحيرة بين الشباب وبعض المتعلمين ناهيك عن البسطاء.
وأضاف الجندي لموقع "سكاى نيوز عربية" أن من مساوئ فتاوى الجهَّال أنها تسببت في إحياء الفتن والصراعات الداخلية الممزقة للأوطان، المسببة للشقاق المجتمعي، ومشعل الفتنة ملعون؛ لأنه يقوض أمن المجتمعات دينيًّا واجتماعيًّا.
وأكد أستاذ الشريعة أنه لتصويب حالة الفتوى يجب أن يُعْهد بأمر الإفتاء إلى من هو متخصص في أصول الفقه والفقه المقارن والعلم بآيات الأحكام وأحاديث الأحكام والمدرك لواقع الأمة والمجتمع، وأن يسعى بفتواه إلى تحقيق مقاصد الشرع الشريف، وفتح أبواب الخير للناس وغلق أبواب الشرور والفتن وألا يرهقهم من أمرهم عسرًا.
مفتي مصر
وجدد مفتي مصر شوقي علام رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، مطالبته مؤخراً بضرورة إصدار تشريع قانوني ملزم بإبعاد غير المتخصصين عن مجال الدعوة والإفتاء.
وكان المؤتمر الأول للأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم أوصى في ختام أعماله عام 2016 في القاهرة، بالدعوة إلى أهمية إصدار تشريع يجرم الفتوى من غير المتخصصين.
وقال مفتي مصر، في تصريحات له قبل أيام، أن الفتوى لها منهجية علمية وإطار محدد وتحتاج إلى تدريب وتأهيل للمفتي للنزول بالحكم الشرعي إلى الواقع بعد إدراك المتغيرات والمآلات، وأشار إلى أن هذه المنهجية العلمية لا تتوافر في المجموعات الإرهابية وأصحاب الفكر المتطرف.
هدف التعديل التشريعي
وأوضحت النائبة البرلمانية سامية عطوة أن التشريع المقترح الذي قدمته للبرلمان يهدف لتغليظ عقوبة من يمارس الخطابة والدروس الدينية دون تصريح ووقف فوضى الفتاوي في وسائل الإعلام.
وأضافت أن التشريع يهدف أيضا لتمكين المؤهلين من العمل الدعوى من الظهور عبر الإعلام، وحظر غير المؤهلين من هذا الظهور، حفاظًا على المجتمع.
وشددت النائبة على أهمية إدماج تنظيم الفتوى مع تنظيم الظهور الإعلامي لرجال الدين، وتحديد جهات معينة مصرح لها بمنح تصاريح الإفتاء.
وكانت وزارة الأوقاف المصرية رحبت بمقترح سابق لمشيخة الأزهر لتحديد قائمة من 136 من المصرح لهم بالإفتاء عبر في وسائل الإعلام، وسلمت الأوقاف القائمة للمجلس الأعلى للإعلام للالتزام بها.