أثارت الصورة التي نشرتها الحسابات المُقربة من تنظيم "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة) لاجتماع ضم زعيم الجماعة "أبو محمد الجولاني" مع قيادات متشددة من أصول كُردية تنبأت بشأن إمكانية سعي الهيئة لإنشاء تنظيم متشدد مؤلف من الشخصيات الكردية السورية.
وربما يكون التنظيم المفترض أداة للهيئة في حال رغبتها بالتمدد إلى المناطق الأخرى، خارج أماكن سيطرته العسكرية والسياسية في محافظة إدلب شمال غرب سوريا.
الأنباء المرافقة للصورة قالت بأنه عُقد بمثابة صُلح بين الطرفين، بعدما كانت التنظيم الإرهابي المرتبط بالقاعدة قد اعتقل 6 من كوادر تنظيم "أنصار الإسلام" الذي يضم عناصر من أصول كردية، مثل "مغيرة الكُردي" و"عبد المتين الكُردي" و"أبو شهاب الكردي".
ويعمل "أنصار الإسلام" بشكل مُستقل عن بقية التنظيمات الإرهابية في منطقة شمال شرق سوريا، إلا أنها تُعتبر تنظيماً هامشياً، عسكرياً وسياسياً.
بدايات التنظيم
كان التنظيم قد تأسس منذ عام 2014 في منطقتي دمشق والقنيطرة والأرياف المُحيطة بها، ما لبثت أن اندمجت بعدد من التنظيمات المتطرفة الأخرى، مثل "لواء أسامة بن زيد" و"كتيبة العاديات".
لكن في مرحلة انتقاله إلى منطقة إدلب، تكتل التنظيم في تشكيل "غرفة عمليات وحرض المؤمنين" الذي ضم تنظيمات قريبة من تنظيمي القاعدة وداعش الإرهابيين، مثل "أنصار التوحيد" و"جبهة أنصار الدين"، لكنها ما لبثت أن انسحبت منها وصارت تنشط بشكل فردي.
وكانت حسابات قريبة من تنظيم "أنصار الإسلام" قد كشفت قبل أسابيع قليلة الأزمة المالية الخانقة التي يعانيها التنظيم، داعية لمن اسمتهم "أهل الخير من المسلمين" لدعمهم ليواصلوا أعمالهم.
أطماع "النصرة"
وتزايدت شكوك المراقبين لإمكانية إنشاء "هيئة تحرير الشام" للتنظيم الإرهابي الذي يضم أكرادا، بعد إعلان شخص يُدعى "أبو مُعتصم بالله الزبداني" المعروف بارتباطه بالهيئة الإرهابية عن تأسيس "جيش القعقاع" في منطقة درع الفرات (المنطقة الممتدة بين بلدتي جرابلس وإعزاز السوريتين)، الخاضعة للسيطرة التركية عبر الميليشيات الموالية لها.
وكان يُحظر على "هيئة تحرير الشام" التمدد في مناطق هذا الميليشيات، القريبة من مناطق عفرين والشهباء وتل عران ذات الأغلبية الكُردية.
وذكر "الزبداني" في تسجيل صوتي أوضح بأن التنظيم الجديد "جيش القعقاع" هو جيش تابع لـ"جبهة النصرة" والهدف من تأسيسه هو السيطرة على كل مناطق الشمال المحرر ووضعها تحت راية واحدة وقيادة واحدة"،
وادعى أن ثمة ألوية وكتائب مسلحة في منطقة عفرين قد بايعت الجيش، مما يعني أن "هيئة تحرير الشام" الإرهابية تملك طموحاً ورؤية للتمدد إلى المناطق ذات الأغلبية الكُردية.
الباحث في الشؤون السياسية، سعد برازي، شرح في حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية" المساحة المشتركة بين الإرهابيين الأكراد و"هيئة تحرير الشام".
وقال إن هؤلاء "ينحدرون بأغلبيتهم من المناطق الكُردية في إيران، وهُم تالياً محملون بكل أشكال الضغينة تجاه السلطة الحاكمة لبلادهم، ويجدون في المناطق الشمالية الغربية من سوريا فرصة لمواجهة الفصائل المسلحة المرتبطة أو المدعومة من إيران".
من حيث الأداء وأنماط الأداء، فإن المراقبين يُطابقون بين بداية تنظيم "أنصار الإسلام" الذي يُعاد تشكيله في سوريا، وبين تنظيم "أنصار الإسلام" الذي كان ينشط في المناطق الجبلية من إقليم كُردستان العراق في مرحلة ما قبل الغزو الأميركي للعراق عام 2003.
فالتنظيم الإرهابي كان قد أسس نفسه في المناطق الجبلية الوعرة المحيطة ببلدة حلبجة الكُردية خلال أواسط التسعينات من القرن المنصرم، كان قد استفاد من النزاع الداخلي بين الأحزاب الكُردية العراقية وشغل مناطق واسعة وفرض أشكالاً من الحياة على المُجتمعات الكُردية، شبيهة بما كان تنظيم داعش الإرهابي قد فرضه فيما بعد.
لماذا هذا التنظيم؟
الباحث الكُردي في الشؤون السياسي، إدريس روجبياني، شرح في حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية" الدوافع المُحرضة لتشكيل مثل ذلك التنظيم الإرهابي من شخصيات ذات أصول كردية "ترى التنظيمات الإرهابية عطباً كاملاً في جذب أي نسبة من القواعد الاجتماعية الكُردية، في سوريا وغيرها من الدول والمناطق، وهذه تشكل أهم أهداف تلك التنظيمات، فالأكراد يناهز عددهم الأربعين مليوناً وموزعون على أكثر دول المنطقة حساسية".
وتابع: "كذلك فإن تنظيماً مثل هيئة تحرير الشام أنما يتوخى امتلاك ميزة عن التنظيمات المسلحة القريبة من تُركيا، المُتهمة بتنفيذ أعمال عرقية بحق الاكراد في مناطق سيطرتهم".
ويضيف روجبياني:"تركيا نفسها تملك جموحاً لخلق تعكيرٍ حول صورة الشخصية الكُردية في المنطقة، فطوال السنوات الماضية استفاد الأكراد من تمايزهم في ملف محاربة الإرهاب، إن عبر قوات البيشمركة الكُردية العراقية أو عبر قوات سوريا الديمقراطية السورية، وهذا ما جذب إليهم تعاطفاً ومساندة دولية، عسكرية وثقافية".
وقال الباحث السياسي الكردي إن ظهور تنظيمات إرهابية ذات صعبة كردية قد يعكر تميز الأكراد في ملف مكافحة الإرهاب، لكنه أضاف "المؤشرات الأولية تقول بأن المجتمعات الكردية تملك مناعة في مواجهة ذلك، بسبب حيوية المسألة القومية الكُردية، وإن ظهر بعض الأشخاص المتطرفين في منطقة أو أخرى من سوريا، فأنهم يبقون مجرد أفراد".