تراهن أحزاب عديدة تخوض معترك الانتخابات البرلمانية في الجزائر يوم 12 يونيو، وليس في جعبتها مشاركات كثيرة في الانتخابات السابقة، على عدة معطيات من أجل قلب موازين المعادلة لصالحها واقتناص الفرصة من أجل تصدّر المشهد الإنتخابي بعد فرز الصناديق.
لكن مراقبين يرون أن هذه التشكيلات السياسية أمامها وقت طويل من أجل إثبات نفسها في المشهد السياسي الجزائري، وهذا الأمر راجع لعدة أسباب تنظيمية داخلية وسياسية عامة لا يمكن أن يستوعبها إلا المتابع بحرص للوضع السياسي في البلاد.
وخلال عامي 2012 و2019، تم اعتماد عشرات الأحزاب الجديدة لمسايرة المرحلة الجديدة، وقد دخلت هذه الأحزاب كأرقام معول عليها في المعادلة الحزبية من أجل منح الساحة السياسية الوطنية نفسا جديدا وضخ دماء فيها.
في غضون ذلك، تدخل تشكيلات سياسية الانتخابات البرلمانية باحثة عن فرصتها من أجل إثبات نفسها في ظل تأكيد السلطة على نزاهة هذه الانتخابات وانتهاء عهد "الكوطا" ووقف دور المال في السياسة، إضافة إلى تراجع دور أحزاب الموالاة أو أحزاب "التحالف الحاكم" سابقا، وفي سياق ذلك، مقاطعة أحزاب المعارضة التقليدية؛ خاصة من التيار الديمقراطي لهذا الاستحقاق الانتخابي.
تراجع ومقاطعة أحزاب أخرى
وتخوض بعض الأحزاب السياسية الجديدة، المعترك الانتخابي، من بينها على سبيل المثال لا الحصر "جيل جديد" كان يقاطع الانتخابات في الفترة السابقة، وأحزاب أخرى مثل "طلائع الحريات" الذي يدخل الانتخابات البرلمانية لأول مرة رغم أنه شارك في عدة انتخابات رئاسية وكذلك حزب "صوت الشعب" المؤسس حديثا وجبهة الحكم الراشد وأحزاب أخرى تبحث عن إرساء تقاليد في المشاركة الانتخابية.
وحسب متابعين للمشهد السياسي الجزائري، فإن هناك عدة معطيات تلعب لصالح هذه الأحزاب في هذه الانتخابات الأولى من نوعها في ظل دستور وقانون انتخابات جديد، وأول هذه المعطيات تراجع دور أحزاب الموالاة أو الأحزاب التي كانت داعمة للرئيس الأسبق عبد العزيز بوتفليقة بسبب مواقفها ومشاركتها في المرحلة السابقة.
إضافة إلى ذلك تأتي مقاطعة كبرى أحزاب المعارضة المحسوبة على التيار الديمقراطي واليساري لهذه الانتخابات البرلمانية وكأنها تركت مساحة مهمة لهذه التشكيلات السياسية الجديدة الباحثة عن تغيير مقومات الخارطة السياسية، رغم أنه من الصعب التكهن بحصول حزب معين على أغلبية برلمانية حسب خبراء دستوريين في ظل قانون انتخابات وضع شروط لعبة جديدة.
واستغل مرشحو هذه الأحزاب الحملة الانتخابية من أجل تقديم خطاب يتلاءم وظروف المرحلة التي تمر بها البلاد، مستغلين ترشيح وجوه جديدة أغلبها من الشباب الجامعيين والكفاءات الأكاديمية والعلمية للتلويح بورقة التغيير ومحاولة تقديم صورة جديدة عن المجلس الشعبي الوطني المقبل (الغرفة السفلى للبرلمان في الجزائر).
المهمة الصعبة
بالمقابل، ترى بعض الأطراف أنه من الصعب فكّ شيفرة الخارطة السياسية لبرلمان 12 يونيو، وأن المشهد لم يكشف عن كلّ أوراقه، خاصة أنه حسب هذه القراءات، فإن التصويت في الانتخابات البرلمانية تبقى تتحكم فيه دوافع شخصية أكثر من قناعات سياسية أو إيديولوجية.
وحسب قراءة المحلل السياسي، محمد عمرون، فإن "هذه الانتخابات البرلمانية مهمة لأنها تأتي في سياق ما بعد حراك 2019 إلا أنه من الصعب قراءة الخارطة التي ستفرزها هذه الانتخابات لأننا أمام مرحلة إعادة صياغة المشهد السياسي من جديد".
وعكس التوقعات والتكهنات حول تصدر ممكن لهذه الأحزاب الجديدة بعد فرز الصناديق المشهد الانتخابي، يشير المحلل السياسي، محمد عمرون لـ"موقع سكاي نيوز عربية" إلى أن هذه التشكيلات السياسية "لا يزال أمامها وقت طويل من أجل إثبات نفسها، وهذا راجع لأمور تنظيمية حيث يلاحظ بأنها غير مهيكلة وخلال الحملة الانتخابية الأخيرة لم تقم بتعبئة شعبية كبيرة وبالتالي فإنه من الصعب اختراقها للحياة السياسية".
في حين يرى المتحدث ذاته أنه "تتحكم في الناخب في الانتخابات البرلمانية الجزائرية عوامل شخصية تدفعه للتصويت لصالح طرف أو شخص على حساب آخر بعيدا عن الاستقطاب السياسي"، وهذه النقطة من شأنها خلط الأوراق بين الأحزاب الجديدة والقديمة التي تملك وعاء انتخابيا معروفا رغم صعوبة وضعها الحالي.
وتجدر الإشارة إلى أن غياب استطلاعات للرأي حول الانتخابات البرلمانية من شأنه عدم تقديم صورة واضحة عن المشهد المستقبلي لخارطة البرلمان الجزائري، وبالتالي يبقى كل ما يقال عبارة عن تحليلات وقراءات ستبين حقيقتها صناديق الانتخابات يوما بعد ذهاب الناخبين للتصويت يوم 12 يونيو.