يشهد المغرب في الفترة الأخيرة حملات انتخابية سابقة لأوانها في مختلف الجهات والأقاليم من طرف الأحزاب المغربية، وذلك بهدف استمالة الناخبين من أجل التصويت عليهم في الانتخابات التشريعية التي ستعرفها البلاد في شهر سبتمبر المقبل.
وتشهد هذه الحملات الانتخابية السابقة لأوانها تقديم وعود "معسولة وخارقة لا يمكن تصديق جزء كبير منها"، بحسب مراقبين، خاصة أن مجموعة من تلك الأحزاب كانت مشاركة في الحكومة الحالية والسابقة، ولم تقدم الخدمات التي تستعرضها اليوم، كما لو أنها أصبحت تملك عصا سحرية لحل كل المشاكل التي يتخبط فيها المغرب منذ سنوات.
ولأن وسائل التواصل الاجتماعي اليوم أضحت الوسيلة المثلى التي يعبر بها المغاربة عن تذمرهم من التدبير الحكومي، والعمل السياسي للأحزاب، فقد عجت بالانتقادات الساخرة من أصحاب هذه الحملات الانتخابية، وصارت تنتقدهم، وتتساءل عن الكيفية التي سيدبرون بها شؤون البلد، وتطبيق تلك الوعود المتعلقة بانتشال الشباب من البطالة وتشغيلهم، والرقي بالتعليم وبالأساتذة ووضعهم الاعتباري، والرفع من أجورهم، والنهوض بالاقتصاد المغربي والوضعية الاجتماعية للمواطنين، وهم لم يقدموا الشيء الكثير للشعب المغربي ولا لشبابه، الذين تم الاستغناء عنهم بحذف لائحة الشباب في التعديلات التي عرفها قانون الانتخابات التشريعية المقبلة.
العدالة والتنمية واستعادة القوة
وعلى رأس الأحزاب التي يكال لها الكثير من النقد يأتي حزب "العدالة والتنمية" ذو التوجه الإسلامي، والذي يقود الحكومة المغربية لولايتين منذ عام 2011، والذي سبق ورفع شعار محاربة الفساد و"العفاريت والتماسيح"، حسب توصيف عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة المغربية والأمين العام لـ"حزب العدالة والتنمية" السابق.
وصوت على "العدالة والتنمية" العديد من المواطنين المغاربة، ومنهم الشباب الطامحون للتغيير، لكنه أخفق في تحقيق كل ما سطره في برامجه الانتخابية السابقة، وأصبح اليوم في وضعية صعبة، ولم تعد الثقة التي سبق ووضعت فيه من نفس المستوى، بل وتراجعت شعبيته في الواقع المعيشي والافتراضي، وهو الآن يحاول ترميم ما فاته.
كما أن انسحاب العديد من أعضاء هذا الحزب وتحولهم إلى أحزاب منافسة، والأحكام القضائية التي جردت الحزب من العديد من المقاعد البرلمانية، أضعفت من قوته، ولكن مع ذلك ما زال أمينه العام الدكتور سعد الدين العثماني يقول العكس، حيث عبر في لقائه التواصلي بجهة الشرق لمناضليه أنه "لا يزال هو القوة السياسية الأولى في الوطن"، وأن كل جهود التشويش والتشويه والتبخيس والهجوم والأخبار المزيفة والحملات، لن تضر حزب العدالة والتنمية.
وأضاف العثماني، حسب ما جاء في موقع الحزب الإلكتروني، أن "هناك ضغوطا وإشكالات خطيرة أحيانا وشكايات كيدية ضد أعضاء الحزب إما منتخبين في الجماعات الترابية وأحيانا متعاطفين مع الحزب، لكن هذه الأمور تعودنا عليها ولن توقفنا".
التجمع الوطني للأحرار وبرنامج المعقول
ونزل حزب "التجمع الوطني للأحرار" بثقله منذ أيام، بعد أن أعلن عن برنامجه الانتخابي المفصل والدقيق، حيث كشف أمينه العام عزيز أخنوش بمدينة أكادير أن تصويت المغاربة على وصول حزبه إلى رئاسة الحكومة المقبلة بعد الانتخابات التشريعية في شهر سبتمبر المقبل، سيمكن الحزب من تطبيق هذا البرنامج المنبثق من مشاركة المواطن في "برنامج 100يوم 100 مدينة" والذي وسمه بـ "برنامج المعقول"، الذي سيمكن المملكة من الإقلاع التنموي والاقتصادي، وذلك عبر تحقيق خمس التزامات أولية.
وحددت الالتزامات الخمسة كالآتي: خلق مليون منصب شغل في السنة، وإصدار بطاقة "رعاية" لوضع حد لمعاناة المواطنين مع مصاريف العلاج والحاجة، وأداء ألف درهم مغربي لكل المغاربة البالغين 65 سنة فما فوق والذين يوجدون في وضع هشاشة، وأداء 300 درهم لكل طفل متمدرس في حدود ثلاثة أطفال لمحاربة الهدر المدرسي وضمان التعليم للأطفال، ثم الرفع من أجرة أستاذ التعليم الابتدائي بدمجه بأجرة 7500 درهم بدل 5500 المعمول بها حاليا.
ولأن هذه الالتزامات والوعود لقيت انتقادات واسعة في وسائل التواصل الاجتماعي، فإن أمين عام حزب "التجمع الوطني للأحرار"، المشارك في الحكومة الحالية بحقيبة وزارة الفلاحة والصيد البحري، والذي أثيرت حوله الكثير من القضايا، ومن بينها قضية المحروقات، قد رد على المشككين في برنامجه بمدينة طنجة بالقول: "مليون منصب شغل قادرين عليها، وعندنا الكفاءات لتحقيقها"، مضيفا أن الحزب يقترح خلق 250 ألف عمل مؤقت على مدى سنتين.
الاستقلال والنقد اللاذع للحكومة
من جهته، وجه المجلس الوطني لحزب "الاستقلال"، المحسوب على المعارضة، نقدا لاذعا للحكومة المغربية، ولرئيسها سعد الدين العثماني، متهما إياها بـ"إغراق البلاد في أزمة اجتماعية خطيرة"، وذلك على خلفية فشلها في إدارة الملفين الحقوقي والاجتماعي بالمغرب.
وطالب المجلس الوطني لحزب الاستقلال، في بلاغ توصلت "سكاي نيوز عربية" بنسخة منه، الحكومة بتقديم "حصيلة العمل الحكومي للرأي العام، انسجاما مع مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وفتح نقاش حولها في الإعلام العمومي ومختلف فضاءات النقاش العمومي الآخر".
وبدل تقديم برنامج انتخابي متكامل، فضل حزب الاستقلال توجيه سهام النقد للحكومة، وحملها مسؤولية التراجعات التي عرفها المغرب على مستوى ممارسات الحريات العامة، وحقوق الإنسان، والمس بالمكتسبات الديمقراطية، وتصاعد حدة الاحتقان الاجتماعي، بفعل الاختيارات اللاشعبية، وعجزها عن "إحداث الانفراج السياسي والحقوقي الذي طالبت به القوى الحية ببلادنا، وتوفير الشروط السياسية والحقوقية الداعمة للمسار التنموي والديمقراطي ببلادنا".
وحتى لا يتم استغلال الأنشطة الحكومية في الحملات الانتخابية، أمر العاهل المغربي الملك محمد السادس، باستمرار وزراء الحكومة في تأدية المهام المنوطة بهم، لكن دون تغطية الإعلام العمومي لأنشطتهم، وذلك حتى لا يتم استغلال تلك الأنشطة في الحملات الانتخابية، وضمان إجراء انتخابات شفافة، في إطار يعزز من مصداقيتها ونزاهتها، ويضمن تكافؤ الفرص لجميع القوى السياسية المتنافسة فيها.
تجدر الإشارة إلى أن المغرب سيعرف هذه السنة الاستحقاقات الانتخابية التالية: انتخاب أعضاء الغرف المهنية (الصناعة والتجارة والخدمات، الصناعة التقليدية، الصيد البحري، الغرف الفلاحية) يوم الجمعة 6 أغسطس المقبل، وانتخاب أعضاء مجلس النواب وأعضاء مجالس الجهات وأعضاء مجالس الجماعات والمقاطعات (الأربعاء 8 سبتمبر 2021)؛ وانتخاب أعضاء مجالس العمالات والأقاليم (الثلاثاء 21 سبتمبر 2021)؛ وانتخاب أعضاء مجلس المستشارين (الثلاثاء 5 أكتوبر 2021)، وهي الانتخابات التي خصصت لها الحكومة مبلغ 360 مليون درهم للأحزاب السياسية، من أجل تمويل حملاتها، في الانتخابات العامة الجماعية والانتخابات العامة الجهوية، إلى جانب تمويل الحملات الانتخابية المتعلقة بالمشاركة في انتخاب أعضاء مجلس المستشارين.