شهدت الأزمة الاقتصادية والمعاشية تفاقما حادا في سوريا، مما أدى إلى قلب العادات الاستهلاكية للمواطنين السوريين رأسا على عقب، والذين باتوا بالكاد يتدبرون أمورهم المعيشية، ويسدون رمقهم مع شيوع الفقر والغلاء والبطالة، وانهيار قيمة الليرة السورية.

وظهرت في الأسواق السورية مؤخرا، بفعل الغلاء الفاحش، عبوات صغيرة جدا لزيت الزيتون، تبلغ سعة الواحدة منها 20 غراما، كي يصبح بمقدور الناس شراءها، والتي هي أشبه ما تكون بعبوات "الكاتشب والمايونيز"، التي ترفقها عادة مطاعم الوجبات السريعة مع وجباتها، الأمر الذي أثار موجة من التعليقات الساخرة والغاضبة في منصات التواصل الاجتماعي السورية، والتي تراوحت بين التندر على هذه العبوة، والتأسف على المآل الذي وصلت له بلاد الذهب الأخضر (الزيتون)، حيث كان معروفا عن الأسر السورية أنها لا تبتاع زيت الزيتون إلا بغالونات (تنكات) كبيرة الحجم لا تقل سعة واحدها عن 16 كيلوغراما.

الوطن غطاء وستر

أعاد هذا المشهد طرح معاناة ملايين السوريين الذين يئنون تحت وطأة الغلاء المنفلت من كل عقال، فارتفاع أسعار السلع الجنوني قياسا بدخل المواطنين السوريين المتدني، لا يقتصر فقط على الكماليات، إنما يطال حتى المواد الغذائية الأساسية، ومنها زيت الطعام وزيت الزيتون، الذي تشتهر به البلاد، حيث يعد زيت الزيتون السوري من أجود أنواع هذا الزيت في العالم، لدرجة أن سوريا كانت ثاني أكبر دولة عربية منتجة له بعد تونس، وعلى الصعيد العالمي كانت ضمن المراتب الأولى دوما.

لكن مع اندلاع الحرب وانهيار مختلف القطاعات الحيوية الإنتاجية، تراجعت هذه الصناعة كثيرا، وقلت بالتالي جودة الزيت السوري، بحسب الخبراء، وذلك نظرا لظروف الحرب وانهيار البنى التحتية الصناعية في البلاد، وتراجع معايير الجودة الإنتاجية.

ويرى خبراء اقتصاديون أن وقوع مناطق واسعة من محافظتي حلب وإدلب بيد الاحتلال التركي ومرتزقته كهيئة تحرير الشام (النصرة سابقا)، يعتبر العامل الأبرز في تراجع الإنتاج السوري من الزيتون وزيته، كون محاصيل الزيتون في تلك المناطق يتم تهريبها وتصريفها عبر تركيا

أخبار ذات صلة

غلاء اللحوم يدفع السوريين لاستخدم بدائل نباتية مصنعة
فانوس رمضان والسكبة.. تقليد قديم أطفئه الغلاء في سوريا

وتشتهر تلك المناطق بكونها الأغزر إنتاجا للزيتون، وخاصة منطقة عفرين المحتلة التي تشتهر بزيتونها الأجود على الإطلاق في سوريا.

يقول أبو رامان وهو رب أسرة ستيني، يعمل سائق تاكسي في مدينة الحسكة السورية، في حديث مع "سكاي نيوز عربية": "كل شيء تضاعف سعره عشرات المرات في بلادنا، وليس فقط زيت الزيتون الذي هو بالنسبة لنا كسوريين، سلعة غذائية رئيسية لا يمكن الاستغناء عنها، أو حتى التقليل من استهلاكها".

ويضيف: "لكن مع الأسف مع هذا الارتفاع الخيالي في سعره، حيث يتراوح سعر اللتر الواحد منه بين 15 إلى 20 ألف ليرة، أي ما يعادل تقريبا ربع وحتى ثلث راتب موظف حكومي، فإننا مضطرون على مضض للاستغناء عنه ببدائل رديئة كزيت القطن، إذ أن لتر الزيت الواحد بالكاد يكفي عائلة كبيرة، مثل عائلتي لنحو أسبوع فقط".

وبحسب وزارة الزراعة السورية، فإن عدد أشجار الزيتون في عموم البلاد تربو على 100 مليون، منها نحو 90 مليون شجرة مثمرة، تشكل ما نسبته 65 في المئة من إجمالي مساحة الأراضي المشجرة والمثمرة في البلاد.

وهذه الأرقام المهولة من أشجار الزيتون في سوريا، مردها توفر المناخ والتربة الصالحين لزراعة هذه الأشجار، والتي لا تتطلب الكثير من السقي كونها من الزراعات البعلية المعتمدة على مياه الأمطار بالدرجة الأولى.

وتعد سوريا من أكثر دول العالم استهلاكا لزيت الزيتون، وهي الأولى عربيا في هذا المجال، حيث يعتبر  هذا الزيت سيد المائدة السورية، في مختلف الوجبات من فطور وغداء وعشاء، حتى أنه في كثير من المناطق السورية، يستخدم زيت الزيتون في الطبخ، بدلا من الزيوت النباتية الأخرى كزيت الذرة.