لا تزال ظاهرة اختفاء الأطفال بعدد من الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية (المحافظات)، تثير القلق والرعب في نفوس الناس، وذلك بعد توالي عملية اختفاء واختطاف عدد من الأطفال خاصة في صفوف الإناث.
ويربط عدد من المهتمين حوادث اختطاف الأطفال بجنوب المغرب إلى تردد أشخاص يمتهنون الشعوذة وأعمال السحر والدجل، أشهرهم عصابة استخراج الكنوز من باطن الأرض.
ولهذا تدق فعاليات مدنية وحزبية بالمنطقة ناقوس الخطر، وتطالب الجهات المسؤولة من حكومة وسلطات أمنية وجمعيات وطنية متخصصة في قضايا الأطفال بالتدخل بشكل استعجالي لتبديد المخاوف وإيجاد الأطفال الذين تواروا عن الأنظار وفتح تحقيقات من أجل الاهتداء إلى عصابات استخراج الكنوز.
هلع ورعب
يعيش سكان عدد من الدواوير حالة من الهلع والرعب، بسبب استمرار حالات اختفاء الأطفال، إذ بات أولياء أمور التلاميذ يرافقونهم إلى المدارس، خوفا من أن تتصدى لهم عصابات الكنوز والشعوذة.
وفي هذا الصدد، يقول عزيز بكار، يتحدر من دوار أولاد عثمان بجماعة (بلدية) أولاد يحيى بمدينة زاكورة لـ"سكاي نيوز عربية"، إن ابنته عمرها 11 عاما، تعرضت لمحاولة اختطاف في شهر رمضان الأخير، بمحيط المؤسسة التعليمية التي تدرس بها من طرف شخصين كان يمتطيان دراجة نارية.
ويضيف بكار أن المختطفين، بمجرد اختطاف ابنته توجها بها بعيدا عن الدوار الذي تسكنه، وأكدت لوالدها أنها لم تتذكر ما حدث لها، سوى أنها أخذت تصرخ بأعلى صوتها، وفي الوقت الذي رفضت الكف عن الصراخ رموها أرضا.
ويسترسل والد المختطفة: "ابنتي أخبرتني أنها لمحت المختطفين يحومان بمحيط الثانوية، وبمجرد ما أحكما قبضتهما على التلميذة ووضعها بينهما وقادا دراجتهما بسرعة قصوى، لكن بعد أن أطلقا سراحها، هددها بالقتل في حالة ما أفصحت بأية معلومات عنهما".
وزاد بكار قائلا: "ابنتي ظلت تعيش في حالة من الرعب، ولم تعد ترغب في الذهاب إلى المدرسة خوفا من يعترض أفراد العصابة سبيلها مرة ثانية، لكن في إحدى الأيام فوجئت بأحدهما يحوم حول المنزل، لكن بمجرد ما لمح عمتها لاذ بالفرار خوفا من تعقب أثره".
ويقول بكار إنه لم يصمت، بل أخبر السلطات وقدم شكاية في الموضوع، مضيفا أن ابنته ليست الطفلة الوحيدة التي تعرضت لمحاولة الاختطاف من طرف عصابة استخراج الكنوز، بل هناك تلميذة ثانية عمرها 12 سنة، اختطفت من طرف الشخصين نفسهما، لكنها استطاعت التملص منهما.
ويطالب المتحدث ذاته الجهات المسؤولة بالالتفاتة إلى هذا الإقليم الذي يعاني التهميش والإقصاء، واتخاذ التدابير والإجراءات الاستعجالية لإيقاف عصابات استخراج الكنوز، ويشير إلى أن توالي اختفاء واختطاف الأطفال تسببت في انقطاع عدد من التلاميذ والتلميذات عن الدراسة.
عصابات الكنوز .. مصاصي الدماء
ونتيجة لتوالي حوادث الاختطاف، دخلت فعاليات جمعوية على الخط. وفي هذا السياق يقول لمين لبيض لـ"سكاي نيوز عربية"، مندوب الشبكة المغربية لحقوق الإنسان والرقابة على الثروة وحماية المال العام بزاكورة، إن الإقليم بات يشهد ظاهرة اختطاف الأطفال الزوهرين (المحظوظين) من طرف عصابات التنقيب عن الكنوز.
ويكشف لبيض، أن عصابات الكنوز تختار الطفل الزوهري، وهو من تكون عيناه براقتان، ويوجد بكف يده اليمنى خط مستقيم، ويقدمون هذا الطفل قربانا للجن بعد امتصاص دمائه، من أجل استخراج الكنوز من باطن الأرض في مناطق توجد بها جبال.
ويفيد المتحدث نفسه أن هناك بعض السكان من يرجعون سبب اختطاف الأطفال أو اختفائهم إلى وجود عصابات الاتجار في أعضاء البشر، رغم أن الأغلبية تعزي السبب لعصابات استخراج الكنوز.
ويحكي لبيض بمرارة عن قصة تعرض فتيات أعمارهن تتراوح بين 10 و 12 عاما لمحاولة اختطاف، قائلا إن "تلميذات تعرضن لمحاولة اختطاف، وتوصلنا بمعلومات من طرف أولياء أمورهم، وسمعنا عن حالات اختطاف لكن أسر الضحايا لم يقدموا شكايات في الموضوع".
ويسرد الناشط الجمعوي تفاصيل محاولات الاختطاف، أنه بمجرد توصله بمعلومات تفيد تعرض تلميذتين للاختطاف في ظرف أسبوعين، طلب على الفور مؤازرتهما وجرى إخبار السلطات.
ويضيف مندوب الشبكة، أنه مباشرة بعد واقعة اختطاف الطفلة بكار، وفي أقل من أسبوع تعرضت طفلة ثانية (12 عاما) تتحدر من دوار أولاد عثمان، لمحاولة اختطاف من طرف شخصين يحملان الأوصاف نفسها، التي أكدتها التلميذة بكار.
ويقول لبيض، إنه بعد الاستماع إلى الطفلة الثانية، روت أن الشخصين المذكورين وضعا قناعا على رأسها حتى لا تتعرف على هويتهما، وبعد قطع مسافة 50 كيلومترا، تعرضت دراجتهما النارية لعطب فاضطرا للتوقف، ومن حسن حظها استطاعت الهروب، كما تملكتها الشجاعة وشرعت في رشقمها بالحجارة، وفي الوقت نفسه تصرخ بصوت عال، ما اضطرهما إلى الفرار خوفا من محاصرتهما من طرف الأهالي.
وفي هذا الصدد، يناشد الفاعل الجمعوي مصالح الدرك الملكي باتخاذ المزيد من الإجراءت للوصول إلى عصابات استخراج الكنوز، كما يطالب الجهات المسؤولة بالالتفات إلى ما يحدث في المغرب العميق، الذي يعاني الإقصاء والتهميش.
وهنا، يذكر لبيض بواقعة الطفلة نعيمة الروحي (5 سنوات)، التي عثر عليها جثة متناثرة الأشلاء بمحاذاة الدوار الذي تقطنه وهو دوار تفركالت بمدينة أكدز جنوب المملكة، وذلك بعد مرور أزيد من 40 يوما على حادث اختفائها.
حزب سياسي يدخل على الخط
تنامي ظاهرة الاختطاف جعلت أيضا حزب الاتحاد الدستوري بزاكورة، يدخل على الخط ويوجه رسالة إلى كل من وزيري الداخلية والعدل يطالبهما من خلالها بالتحري والتحقيق في ظاهرة اختطاف الأطفال بالإقليم، وذلك على خلفية تعرض عدد من الأطفال للاختطاف.
وطالبت الرسالة الوزيرين، أن يأخذا بعين الاعتبار هذه الظاهرة وذلك بإعطاء أوامرهما قصد التحري والتحقيق في ظاهرة اختطاف الأطفال، خاصة في صفوف البنات، التي تفاقمت في الآونة الأخيرة بإقليم زاكورة.
ولفتت الرسالة إلى أنه خلال مدة وجيزة تم اختطاف العديد من الأطفال الصغار من وسط أهاليهم، ولم يعثر عليهم لحد الساعة، رغم فتح تحقيقات من طرف الأجهزة الأمنية، مشيرة إلى أن كل التحقيقات باءت بالفشل، ولم تؤت أكلها، كما لم تسفر عن الوصول للجاني أو الجناة.
ويقول يوسف أفعداس، المنسق الإقليمي لحزب الاتحاد الدستوري، لـ"سكاي نيوز عربية" إن أهالي المختطفين وعائلاتهم مازالوا يجهلون كل شيء عن فلذات أكبادهم، ويعانون الأمرين جراء هذه الأفعال.
وذكّر أفعداس، بالجريمة الشنعاء التي تعرضت لها الطفلة نعيمة، التي عثر على أشلائها مرمية في أحد الجبال بالمنطقة، مشيرا إلى أن محاولتي اختطاف تمتا خلال شهر رمضان، لكن يضيف "لحسن حظ الضحيتين فقد باءت هاتان المحاولتان بالفشل، إذ لاذ المختطفين بالفرار، بمجرد صراخ الضحيتين".
وزاد المنسق الإقليمي قائلا: "لقد أصبح سكان المنطقة يعيشون في رعب دائم وخوف مستمر على بناتهم وأبنائهم، وهم الآن يتساءلون عن مغزى وأسباب هذه الظاهرة الإجرامية، خصوصا وأن جميع الأبحاث تعثرت في الوصول للجات التي تقف وراءها".
ولكل هذه الأسباب، تطالب الرسالة من وزير العدل إعطاء تعليماته قصد تكثيف البحث والتحري في الموضوع من أجل وضع حد لهذه الظاهرة واعتقال المتورطين حتى ينالوا جزاءهم، وتوطيد الأمن والطمأنينة في نفوس المواطنين.