دفع الارتفاع الحاصل في قضايا التشهير والسب والقذف على مواقع التواصل الاجتماعي، عشائر محافظة ديالى العراقية، إلى وضع قوانين جديدة للحد من تلك الظاهرة، التي باتت تؤرق الزعماء القبليين، وتثير الضغائن بين أفراد العشائر، خاصة مع حلول الموسم الانتخابي.
واتفقت عشائر المحافظة العراقية على وضع مبالغ مالية يجب أن يدفعها من يسب أو يقذف الطرف الآخر، وفق صيغة محددة، تضمن السلم الأهلي، وتحصل الحقوق من الأطراف المتنازعة، إذ يجري ذلك برعاية من الشرطة المحلية.
وقال مدير شؤون العشائر العميد علي الربيعي في تصريح صحفي: "اتفقنا على وضع حدود لقضايا التواصل الاجتماعي من تشهير وتهديد وإساءة، وستطبق تلك العقوبات على أي شخص يسيء للآخرين، عبر مواقع التواصل".
وأضاف الربيعي، أن "أي شخص يستغل مواقع التواصل الاجتماعي في الإساءة للآخرين من ناحية تشويه السمعة والطعن يكون فصل العقوبة ما بين (25 إلى 50 مليون دينار عراقي) أي حوالي (16 – 33 ألف دولار)"، مشيراً إلى أن "هذه الجريمة تعتبر أكبر من جريمة القتل".
تسقيط سياسي
ومع حلول الموسم الانتخابي وقرب الموعد المقرر لها في العاشر من أكتوبر المقبل، تبرز خلافات التسقيط السياسي، والتشهير ضد المرشحين، أو نشر شائعات ضدهم، للحد من فرص فوزهم بالانتخابات، وهو ما يؤرق السلطات المحلية بشكل دائم.
وتشكل مواقع التواصل الاجتماعي، مثل فيسبوك وتويتر، وتليغرام، مصدراً رئيسياً للأخبار الزائفة في العراق، والتي غالباً ما تتناول الـ"ترند"، أي كل ما هو رائج.
وتحمل العديد من الصفحات المنتشرة أسماء وكالات ومنابر إخبارية، وتنشر على الدوام انتقادات لمسؤولين ومحللين أو نواب في البرلمان، وتقيم عملهم خلال فترة توليهم المسؤولية، لكنها في الحقيقة ليست وكالات أنباء أو وسائل إعلامية مرخصة.
ويعزز قسم الشائعات في وزارة الداخلية "الحملات الميدانية"، عبر توزيع منشورات على المارة تحذر من الأخبار الكاذبة والعواقب القانونية لنشرها بشكل دوري، فضلاً عن تعاون مع مدوني صفحات إلكترونية لنشر التوعية.
انتعاش في موسم الانتخابات
ضابط في قسم مكافحة الشائعات، بوزارة الداخلية العراقية، قال إن "الصفحات والمواقع الخبرية، والبيئة الإلكترونية العراقية، تشهد فترة انتعاش خلال الموسم الانتخابي، حيث لاحظنا عودة صفحات كانت متوقفة، وأخرى لم تنشر شيئاً منذ فترة طويلة، لكنها حالياً بدأت نشاطها، وهذا واضح بالنسبة لنا، من حيث أهدافه وغاياته".
ويضيف الضباط العراقي، الذي رفض الإفصاح عن اسمه لـ"سكاي نيوز عربية"، أن "قضية فرض رسوم أو مبالغ مالية ضد من يمارس القذف والتشهير، مسألة عشائرية بحتة، وإن كانت تجري بمساندة من دائرة شؤون العشائر، لكن المسار القانوني في كل الأحوال لا بد أن يكون حاضراً، وهذا يتطلب قبل ذلك جملة من الإثباتات".
ولفت إلى أن "الوزارة كجهة رسمية، تعمل عل تعزيز السلم الأهلي والمجتمعي، ومنع أي محاولات قد تسيء إلى المواطنين، عبر العالم الافتراضي أو الميداني".
وعلى الجانب الآخر، تثير مثل تلك القوانين العشائرية، مخاوف النشطاء والمدونين، من استغلالها في التضييق على النشاطات العامة على مواقع التواصل الاجتماعي، وتكميم الأفواه، وتقييد الحريات العامة، بداعي معارضتها للقوانين العشائرية، وهو ما يصب في النهاية بصالح بعض الفئات السياسية التي تحقق مكاسب من هذه المسارات.
في محافظة الأنبار، غربي البلاد، ما زال الرأي العام منشغلاً بالسجال الحاصل بين مسؤولين محليين والناشط عثمان عبد المحسن، ذياب، بسبب منشور كتبه على صفحته الشخصية في فيسبوك انتقد فيه خدمة الكهرباء في المحافظة، وسعر الأمبير لدى المولدات الأهلية، إضافة إلى المطالبة بإقالة القائممقام لترويجه للأحزاب والمرشحين المتواجدين بالقضاء وترك الأمر المكلف به رسمياً.
وانتهت القضية عقب تدخل شخصيات عشائرية، ورسمية، بعد أن وصلت إلى نشر قائمقام قضاء الأنبار علي الدليمي، صورة لدعوى قضائية مجمدة ضد الناشط ذياب، بسبب مشاركته عام 2019 في الاحتجاجات الشعبية.
العشائر تعقد القضية
في المجتمعات العشائرية، غالباً ما يتجه المسؤولون المحليون، إلى معاقبة الناشطين بناء على منشورات لهم في فيسبوك، ينتقدون فيها ما يجري داخل المحافظات أو القرارات التي تتخذها الحكومات المحلية، أو يسلطون الضوء على شبهات فساد في بعض المشاريع، وبالعادة تصدر أوامر استقدام أو مذكرات قبض بحق الناشطين وفقا للدعاوى التي ترفع لدى القضاء.
لكن في تحول القضية لدى العشائر، وقوانينها، فإن الأمر سيكون أصعب بشكل كبير، وسيمثل عائقاً حقيقاً، أمام نشر أي شيء ضد أي مسؤول أو نائب، فالكل هنا يتدرع بالعشائر، لحمايته.
الناشط والصحفي، كريم الحمداني، رأي أن "سن قوانين جديدة، سواءً عشائرية، أو مجتمعية، ستصب في صالح المسؤولين المحللين، وأعضاء مجلس النواب، لمنع مطالبتهم أو تشخيص مواطن الخلل في عملهم، وهذا يمثل تحولاً خطيراً في حرية الرأي بالعراق، خاصة وأن لدينا مشاكل في تطبيق مثل تلك الأعراف والتقاليد، فهي تخضع كثيراً للمزاجيات، سواءً من ناحية الأجهزة الأمنية، أو التوافقات العشائرية".
ويضيف الحمداني، لـ"سكاي نيوز عربية" أن "منح العشائر دوراً أكبر من دورها سينعكس سريعاً بشكل سلبي على العمل الصحفي، وعمل النشطاء، وهنا لا ينبغي إنكار وجود بعض الأشخاص السيئين، لكن القوانين النافذة واضحة في معاقبتهم، من دون الحاجة إلى استحداث مثل تلك التوافقات التي ستمثل طعنة للصحافة ودور قادة المجتمع المدني، خاصة وأنها تحظى بغطاء رسمي، ودعم من وزارة الداخلية".