يواصل الشارع السوداني غليانه رغم مرور أكثر من عامين على الإطاحة بنظام الرئيس المعزول، عمر البشير، في أبريل 2019 بعد احتجاجات استمرت أكثر من 5 أشهر.
وبالتزامن مع الذكرى الثانية لفض اعتصام أمام القيادة العامة للجيش في الثالث من يونيو 2019، والتي قتل وفقد خلالها المئات من الشباب، دعت "لجان المقاومة" وعدد من التنظيمات إلى مواكب تعهدت الشرطة والنيابة العامة بحمايتها.
لكن القوات المسلحة السودانية أغلقت كافة الطرق المؤدية إلى مقر قيادتها في وسط العاصمة الخرطوم.
محركات رئيسية
ويعد الغضب الشعبي حيال ملفي العدالة والاقتصاد من أبرز محركات المواكب التي نظمت في الخرطوم وعدد من المدن الاخرى خلال الفترة الماضية.
وفي حين تقول الحكومة الانتقالية إنها ورثت اقتصادا منهارا وتعمل على إصلاحه إلا أنها اعترفت في بيان صادر عن رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، الأربعاء، ببطء ملف العدالة، وقالت إن العلاقة المعقدة مع الأجهزة الأمنية المتعددة، والتي وضعتها الوثيقة الدستورية تحت مسؤولية المكون العسكري، تلعب دوراً في تأخير تقديم المعلومات المطلوبة للجان التحقيق والنيابة.
معضلة العدالة
ينظر الكثيرون إلى ملف فض اعتصام القيادة العامة كأحد أبرز أوجه البطء في ملف العدالة، إلى جانب الاتهامات الموجهة لبعض الجهات العدلية بالتماهي مع عناصر النظام السابق وعدم الجدية في ملاحقتهم، رغم جرائم القتل والفساد الضخمة التي ارتكبوها، مما أدى إلى هروب عدد كبير من المتهمين بتلك الجرائم إلى خارج البلاد.
وخلال الأيام القليلة الماضية، شهدت وسائط التواصل الاجتماعي حملة كبيرة ضد الأجهزة العدلية مما دفع الحكومة لقبول استقالة النائب العام وإقالة رئيسة القضاء.
وتعرضت لجنة التحقيق في فض اعتصام القيادة لانتقادات عنيفة، على خلفية تأخرها في تقديم تقريرها النهائي، رغم مرور قرابة العشرين شهرا من تشكيلها.
وتضمن بيان رئاسة الوزراء الصادر قبل ساعات من المواكب المزمع تسييرها الخميس إشارات واضحة للتضامن مع الشارع بشأن تحقيق العدالة لضحايا فض الاعتصام.
وقال البيان "لقد شكلت هذه الجريمة صدمةً للضمير الإنساني، وحفرت جرحاً غائراً في نفوس أبناء وبنات شعبنا، نعرف يقيناً أنه لن يندمل إلا بتحقيق العدالة وتقديم المجرمين للقضاء ليقول كلمته".
وأوضح البيان أن الحكومة تفعل كل ما في وسعها لتحقيق العدالة، وهي تراعي في نفس الوقت استقلالية الأجهزة العدلية وعدم الرغبة في التدخل في عملها.
لكن الخبير القانوني والقاضي السابق، سيف الدولة حمدنا الله، يقول لموقع "سكاي تيوز عربية"، إن السبب في فشل العدالة هو ذات السبب الذي أدى إلى فشل الكثير من الأجهزة الأخرى، وهو ترك "حكومة الثورة" أمر إدارة الدولة للكوادر التي كان تعمل بها الإنقاذ دون تغيير يذكر.
ويوضح أن "ما أضعف أجهزة العدالة بشكل خاص، أنها بخلاف الوزارات المدنية أسندت قياداتها لعناصر خرجت من رحم الإنقاذ".
ويشير حمدنا الله إلى عامل آخر من العوامل التي أدت إلى ضعف العدالة وهو غياب المحكمة الدستورية، ويقول "غياب المحكمة الدستورية له تأثير سلبي كبير بتغييب دورها في مراقبة أجهزة الحكم والتأكد من وفائها بمتطلبات الدستور (الوثيقة) والالتزام بما ورد فيه من نصوص، وهو ما قد حدث فعلا في كثير من التجاوزات العمدية التي حدثت لنصوص صريحة بالوثيقة".
مأزق اقتصادي
يسهم ضعف الاداء الاقتصادي بدرجة كبيرة في تغذية الغضب الشعبي الذي تواجهه الحكومة الانتقالية.
وتعيش البلاد هشاشة اقتصادية كبيرة في ظل ارتفاع معدلات التضخم إلى أكثر من 360 في المئة والتراجع المريع في قيمة الجنيه حيث يتم تداول الدولار الواحد قي نطاق يتراوح حاليا بين 470 و 500 جنيها في السوق الموازي ونحو 425 جنيها في السوق الرسمي.
وعلى الرغم من نجاح الحكومة الانتقالية في شطب اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب والانفتاح الخارجي من خلال مؤتمري برلين وباريس، إلا ان البلاد تعيش مأزقا خطيرا يقول اقتصاديون إنه ناجم عن انتهاج الحكومة سياسات تضخمية خاطئة انعكست سلباً بفوضى الأسعار وندرة الوقود والغاز وأزمات الكهرباء والدواء وانهيار قيمة العملة الوطنية وتدهور إنتاجية القطاع الزراعي والصناعي والخدمي.
واتهمت اللجنةُ الاقتصادية لقوى الحرية والتغيير؛ الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية، الحكومةَ بتجاهل البرنامج الاقتصادي الذي يعتمد على الموارد الذاتية للدولة مقابل الخضوع لأجندة "مؤسسات التمويل الدولية التي أوصلت البلاد لمرحلة الانهيار".
وطالبت اللجنة الحكومة بالعودة الى برنامج الإسعاف ومقررات المؤتمر الاقتصادي القومي الأول، وتطبيق المذكرات والبرامج التي دفع بها التحالف خلال العامين الماضيين باعتبارها الحل الشامل للأزمة الاقتصادية بالبلاد، ومن ثم انتظار العون الخارجي.
وفي هذا السياق يؤكد محمد شيخون، أستاذ الاقتصاد في الجامعات السودانية، تزايد التململ الشعبي حيال الوضع الاقتصادي الحالي الذي يرى أنه يحتاج إلى تغيير حقيقي يضمن دفع عملية الإنتاج وتوفير النقد الأجنبي، من خلال تنظيم صادرات الذهب والسلع الزراعية الرئيسية وإقامة شركات عامة وبورصة لتداول تلك السلع.
ويقول شيخون لموقع سكاي نيوز عربية إنه ورغم عمليات التزوير ووجود التريليونات من الجنيهات التي يتم تداولها خارح دائرة الرقابة وبعيدا عن المظلة الضريبية، إلا ان الحكومة لم تظهر اي بوادر او إرادة واضحة لتغيير العملة. واعتبر شيخون ان تغيير العملة أمر مهم لحصر الكتلة النقدية الهاربة عبر حصرها في النظام المصرفي وبالتالي معرفة انشطة كل من اكتنز اموالا على حساب الشعب.
رد فعل طبيعي
يصف الصحفي، وائل محجوب، الحراك المستمر على مستوى الشارع بـ "رد الفعل" الطبيعي للأداء الحكومي الباهت.
ويقول محجوب لموقع سكاي نيوز عربية إن هذا الحراك يأتي في ظروف داخلية عصيبة حيث تراكمت الأزمات المعيشية والحياتية على المواطنين وتعثرت الحكومة في أهم ملفاتها في هذا الإطار لتزيد معاناة المواطنين الذين يتحملون الارتفاع الجنوني في أسعار السلع وانقطاع الكهرباء وتدهور العملة الوطنية دون أن تفصح الحكومة عن أسباب ما يجري.
ويرصد محجوب تزايدا ملحوظا في درجة الاحتقان الداخلي، خلال الفترة الأخيرة بسبب الحدث المعروف بـ "شهيدي القيادة" في إفطار التاسع والعشرين من رمضان واكتشاف جثة الناشط الشاب، محمد إسماعيل الملقب ب "ود عكر" في مشرحة بأحد المستشفيات الحكومية كدست فيها نحو 198 جثة تدور شكوكا كبيرة حولها.
ويضيف "من المؤكد أن هذه القضايا وغيرها هي من أهم محركات الشارع بجانب الروح السارية المنادية بإسقاط الحكومة بسبب إحساس اتسعت رقعته بمفارقتها لأهداف وشعارات الثورة وضعفها في مقابل تمدد المكون العسكري".
ومن العوامل الأخرى التي تغذي الغصب الشعبي، بحسب محجوب، وجود عدد كبير من المتهمين بجرائم وانتهاكات حقوق الانسان والاستيلاء على المال العام طلقاء لم تطلهم يد العدالة بينما طال أمد التحقيق في مجزرة فض اعتصام القيادة.