ينظر مراقبون للمستقبل السياسي الصومالي بشيء من الريبة، فبرغم إنجاز اتفاق الانتخابات مؤخرا بقيادة رئيس الوزراء محمد روبلي، لا تظهر في الأفق القريب آمال كبيرة تبشر بإنهاء الأزمات الأمنية والسياسية التي يغرق فيها هذا البلد الإفريقي المهم.
وبموجب الاتفاق الأخير، تُجرى انتخابات غير مباشرة في غضون 60 يوما، في البلد الذي لم يشهد انتخابات مباشرة منذ عام 1991، بعد إقرار نظام الانتخابات العشائري المعقد، الذي بموجبه تنتخب القبائل النواب، الذين يختارون بدورهم الرئيس.
وكانت الانتخابات قد أُجلت مرتين العام الماضي؛ إذ باءت محاولات إجرائها بالفشل في سبتمبر ونوفمبر 2021، أعقبها تمديد الرئيس الصومالي، محمد فرماجو لسلطته في 8 فبراير الماضي.
مشهد معقد
في هذا الشأن قالت مديرة البرنامج الإفريقي بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، رئيسة تحرير سلسلة "إفريقيات"، أماني الطويل، لموقع سكاي نيوز عربية: "بقاء الرئيس الصومالي في منصبه زاد الموقف في الداخل الصومالي تعقيدا، وأدى إلى تبني بعض أطراف المعارضة سلوكا عنيفا انعكس في محاولة تفجير القصر الرئاسي".
وأضافت الطويل أن الأزمة "صنعها الرئيس المنتهية ولايته محمد فرماجو بعد تأجيل الانتخابات البرلمانية، ومن ثم تعطلت الانتخابات الرئاسية، ليصبح فرماجو بلا شرعية سياسية منذ فبراير الماضي، مما ترتب عليه صراعات مسلحة في العاصمة مقديشو".
وتابعت: "سيزداد حجم المعارضة المسلحة حال استمرار فرماجو في الحكم، فمع تصاعد التوتر ونشاط المعارضة المسلحة، تشكلت ضغوط من قبل المجتمع الدولي تساند الأطراف المحلية الرافضة للانتخابات، وبالتالي هذا ما قاد للاتفاق الأخير".
تحديات
لا تعول الطويل كثيرا على الاتفاق الأخير بشأن إجراء الانتخابات؛ إذ ترى أن المشهد أكثر تعقيدا من هذه العملية الإجرائية، فالمستقبل الصومالي مرهون بعدة عوامل، يأتي على رأسها علاقة "أرض الصومال" بالصومال، وقوة حركة "الشباب".
وأشارت الطويل إلى أن حالة المواجهة مع "حركة الشباب" تعد أمرا مفصليا مع استعداد بعثة الاتحاد الإفريقي للسلام "أميصوم" للانسحاب العسكري من الصومال، إلى جانب إنهاء الولايات المتحدة وجودها العسكري نهاية ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب، مما يخلق حال فراغ أمني.
وشددت الطويل على ضرورة معالجة الفراغ الأمني المترتب على انسحاب قوات حفظ السلام والقوات الأميركية، معتبرة أنه "يجب ألا تكون هذه المعالجة من قبل قوى إقليمية ملاصقة للصومال، مثل إثيوبيا، التي تحولت إلى جزء من المشكلة".
وأوضحت الخبيرة في الشؤون الإفريقية: "ترتكز بنية النظام السياسي الصومالي على نظام فيدرالي تُصاغ فيه علاقة الولايات بالمركز، وآليات التصويت في الانتخابات، وهو النظام الذي يمثل تحديا آخر أمام مستقبل الصومال، فأحيانا تتمرد الولايات على العاصمة، وأحيانا أخرى يحدث العكس".
كما ترى ضرورة أن يتحول النظام السياسي الصومالي إلى "المركزية"؛ إذ لا توجد العوامل التي تدعم نجاح نظام فيدرالي خلال هذه الفترة، معتبرة أن منظمات المجتمع المدني الغربية "تتدخل لهندسة النظم السياسية الإفريقية، التي أحيانا لا تكون متفاعلة مع الواقع، ومن ثم تنشأ الصراعات على الأرض".
الدور العربي
وقالت الطويل إن السياق العربي يساهم في الحل الصومالي، مؤكدة على ضرورة أن يتخطى هذا الدور "التفاعل الاستثماري فقط"، ليكون هناك حضور أوسع على النطاق السياسي.
وفي ضوء أزمة سد النهضة، يتجلى أيضا أهمية التفاعل المصري في الصومال، الذي تقول عنه الطويل: "الصومال موجودة في بؤرة الاهتمام المصري، لكن التنافس الإقليمي بين إثيوبيا ومصر، إلى جانب التحالف بين آبي أحمد وفرماجو حال دون أن يكون هناك تفاعلا مصريا مع المشاكل الصومالية".
ومن شواهد مناهضة الوجود المصري، طلبت الحكومة الصومالية من الإدارات التعليمية المصرية إنهاء وجودها في المدارس التاريخية هناك، واصفة أن مثل هذا السلوك يعد "محاربة القوى الناعمة المصرية".
وتعتقد الخبيرة في الشؤون الإفريقية أن التفاعل المصري مع الداخل الصومالي مرهون بعاملين، الأول: عدم إعادة انتخاب فرماجو، وتفكيك التحالف الإثيوبي - الصومالي، إلى جانب عامل يتعلق بحدوث توافق مصري - تركي في حدود دنيا، سيتوفر معه مساحة جيدة لتفاعل مصر مع المشكلات الصومالية.
دولة مهمة منتهكة
وفي ذات السياق، قال الأمين العام الأسبق لمنظمة الوحدة الإفريقية، السفير أحمد حجاج، إن الاتفاقات في الداخل الصومالي "لا تعد ولا تحصى، حيث يتم إجراء الاتفاق والتملص منه بعد أيام قليلة، لأن هناك تجاذبات داخلية في الصومال وخارجية من المحيط الإقليمي والدولي، تؤثر على تيارات التصويت داخل البرلمان".
وأضاف حجاج في معرض حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية"، أنه بالرغم من "الادعاء بأن الاتفاق الأخير هو اتفاق سياسي، لكنه في حقيقة الأمر اتفاق محاصصة في المقام الأول، مبني على توزيع النفوذ والمناصب العليا".
وتابع: "الصومال دولة مهمة في القرن الإفريقي انهارت مؤسساتها، بعد نهاية ولاية محمد سياد بري عام 1991، وانقسمت إلى عدة مناطق، بعضها يعتبر نفسه مستقل مثل (أرض الصومال)، والبعض الآخر يتمرد أحيانا بفعل النظام الفيدرالي"، مشددا على ضرورة "توحيد الصومال".
ويرى الأمين العام الأسبق لمنظمة الوحدة الإفريقية، أن هناك "مشكلة مترسخة في العديد من الدول الإفريقية، وهي أنها لم توطد الدولة الوطنية، فولاء المواطنين يكون للقبيلة وليس للحكومة المركزية، فالمركز يهتم بالعاصمة مقديشو ويهمل الأطراف، مما يؤدي للصراعات، وهذه إحدى مشكلات الصومال".
ولفت حجاج إلى أن الصومال أصبحت "دولة منتهكة، فحتى شواطئها على المحيط الهندي تم التجور عليها من أساطيل الأسماك من الدول الكبرى، مثل اليابان والصين على سبيل المثال".
وفي ختام حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية"، أشار حجاج إلى أن هناك "تأثيرات عديدة على الصومال من جانب الدول الكبرى، مثل الصين والولايات المتحدة، ودول الجوار مثل كينيا التي تلعب بورقة ملايين اللاجئين الصوماليين الذين تستضيفهم، واتخذت قرارا بطردهم وعودتهم إلى أراضيهم، مما يمثل ضغطا على الحكومة الصومالية، إلى جانب التدخل العلني من إثيوبيا".