لم تكن عائشة، ابنة منطقة زاكورة جنوب شرقي المملكة، تعتقد أنه سيأتي يوم وتجد نفسها تبحث عن عمل في مدينة مراكش، التي تبعد بحوالى 195 كيلومترا، تاركة أطفالها الثلاثة، بعد أن كانت تعمل رفقة زوجها المزارع في الواحات وتجني ثمارا تؤمن مستوى عيش كريم.

عائشة، ليست المرأة الصحراوية الوحيدة، التي هاجرت من أجل توفير لقمة عيش لأطفالها، بل هناك عشرات النساء اللواتي تركن الواحات ونزحن نحو المدن الكبرى، مثل مراكش وتارودانت جنوب شرقي المملكة والدار البيضاء (العاصمة الاقتصادية وطنجة شمالي المملكة، بحثا عن عمل قار يساعدهن على انتشال أطفالهن من براثن الفقر.

كانت المرأة الصحراوية، تساعد زوجها بالواحات وتجلب له الطعام، لكن قساوة الظروف الطبيعية، عجلت بهجرة عدد كبير من مزارعي الواحات نحو المدن، مما اضطرها إلى النزول إلى الحقل، وشمرت على ساعديها وحملت المعول من أجل حفر الأرض، وقطف التمر من أشجار النخيل، وجلب الماء لأطفال يشكون الجوع والعطش.

رغم ما تعيشه المرأة الصحراوية من ظروف قاسية، فهي ترفض الحديث إلى الإعلام من أجل إيصال صوتها إلى الرأي العام. وجدنا نسوة يشتغلن في الحقل، وهن يرددن أغاني أمازيغية تعبر عن مرارة العيش وقساوة الظروف وهجرة الرجال.

اقتربنا من يطو آيت علي، من أجل الحديث إليها، لكن سرعان ما وضعت وشاحا على رأسها أو الحايك كما يسمونه بلغة المكان وهو مزركش بألوان زاهية، وطلبت عدم التقاط صورة لها، ورددت بصوت حزين " أستعد للرحيل إلى مدينة أكادير من أجل مساعدة أسرتي على العيش، توالي سنوات الجفاف جعلت الأرض لا تطرح زرعا وحتى التمور انخفضت غلتها.

أدوار متعددة

ومن خلال الحديث، مع نساء المنطقة، أكدن أن حوالى 40 في المئة من رجال المنطقة هاجروا بحثا عن حياة أفضل تاركين أطفالهن ونساءهم، و20 في المئة منهم لم يعودوا إلى بلدتهم، إما بسبب وفاة بعضهم أو مرض آخرين نتيجة الأعمال الشاقة، ومنهم من اختار الزواج وعيش حياة ثانية بالمدن الكبرى.

بعد هجرة مزارعي الواحات نحو المدن، بات سكون يطبق عليها، لا يحركه سوى حفيف أشجار النخل، وصوت رضيع يبكي لتعرضه للفحة الشمس الحارقة، لكن النساء لم يعد لديهن خيار سوى الاشتغال في الحقول لضمان قوت لأطفالهن.

تقول زاينة ياسيني، (50 سنة)، من قرية تايرسوت في زاكورة لـ "سكاي نيوز عربية"، إنه بسبب التغيرات المناخية، هاجر زوجها إلى مدينة أكادير جنوبي المملكة، للبحث عن مورد رزق، لكن توفي نتيجة حادث شغل في ورش بناء.

وتضيف ياسيني، أن وفاة زوجها عجلت بهجرتها نحو مدينة الدار البيضاء، للعمل كخادمة بيوت، من أجل ضمان عيش آمن لأبنائها الخمسة.

ولفتت المتحدثة، أنه بسبب هجرة الأزواج وعدم عودتهم، دفع عدد من النساء إلى الجمع بين أعمال البيت والعمل المضني والشاق في الواحات والحقول.

هذا العمل المزدوج التي تقوم به هؤلاء النسوة، مترتب عن آثار التغيرات المناخية التي جعلت أزواج أغلبهن يهاجرون نحو المدن أو إلى الضفة الشمالية في أوروبا بحثا عن مورد زرق أفضل.

غياب بدائل

وفي هذا السياق، يقول جمال أقشباب، رئيس جمعية أصدقاء البيئة بزاكورة لـ"سكاي نيوز عربية"، " المرأة مازالت تعاني في هذه الواحات، وهي تشكل الأساس والقاعدة للأسر في هذه المناطق على اعتبار الأدوار التي تقوم بها من تربية للأطفال وتدبير الأعمال المنزلية، إلا أنها تساهم بشكل كبير في الزراعة".

ويضيف أقشباب، أن معاناة النساء تزيد مع مراحل الجفاف، بسبب قلة التساقطات المطرية وندرة الماء الصالح للشرب، إذ تضطر المرأة إلى الماء من قطع مسافات كبيرة لجلب الماء، كما تعاني من مشكل مغادرة رب الأسرة وهجرته نحو المدن.

ويؤكد رئيس جمعية أصدقاء البيئة، أنه لا توجد بدائل في هذه المنطقة، من قبيل تشجيعها على مزاولة أنشطة مدرة للربح وتحسين ظروفها، بالإضافة إلى غياب استراتيجية لرد الاعتبار لهؤلاء النساء بالواحات، رغم أنهن يلعبن أدوارا متعددة.

ولفت الفاعل الجمعوي إلى أن الواحات أصبحت مجالا للطرد السكاني، بسبب عوامل المناخ والتغيرات المناخية، التي باتت تشهدها هذه المناطق، وأدت منذ القرن 20 إلى مراحل الجفاف، وأصبح الأخير مشكلة بنيوية معقدة، لأنه تواصل لأكثر من 7 سنوات.

وأدى الجفاف إلى تراجع المحصول الزراعي، خاصة التمور التي تشكل أساس الاستقرار والمدخول الأساسي للسكان، وبالتالي تراجع هذا المدخول يؤدي إلى الفقر ثم الهجرة.

مبادرات في بداياتها

ومن جانب آخر، يقول عبد الرحيم شهيد، رئيس المجلس الإقليمي (المجلس البلدي) بزاكورة في لـ"سكاي نيوز عربية"، إن الهجرة ظاهرة قديمة في المنطقة، التي شهدت في القرن الماضي خمس فترات من الجفاف تسببت في هجرات العديد من السكان إلى المدن الكبرى.

ويشير شهيد، إلى أن استمرار الهجرة إلى المدن ظاهرة عالمية، أما فيما يخص علاقتها بالتغيرات المناخية فيؤكد أن هناك مجهودات جبارة تبذلها المصالح الحكومية والمجالس المنتخبة، منها بناء السدود بالمنطقة.

أخبار ذات صلة

في الصيف.. المغرب يعاني من "صداع" حرائق الغابات

وتابع رئيس المجلس الإقليمي قائلا "إنه للتخفيف من نزيف الهجرة "نعمل بتنسيق مع القطاعات الحكومية وباقي المتدخلين على تشجيع المقاولات المرتبطة بالمجال الفلاحي والسياحي، وهذه مبادرات في بداياتها سنعمل على تطويرها من أجل استقرار السكان بالمنطقة".

وأوضح المتحدث نفسه، أن المجلس أنجز العديد من الصفقات المتعلقة بالتدخلات المستعجلة في مجال التغلب على النقص في المياه، خاصة في فصل الصيف بالتنسيق مع السلطات والبلديات.