أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "سيغما كونساي" في تونس، في مايو الجاري، أن رئيس مجلس نواب الشعب، رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، لا يحظى بالثقة، وتصدر قائمة من تنعدم ثقة التونسيين فيهم بنسبة 77 بالمئة.
كما جاء القيادي في حركة النهضة علي العريض في المرتبة الثانية بـ65 بالمئة، يليه رئيس كتلة ائتلاف الكرامة سيف الدين مخلوف بـ64 بالمئة، ثم رئيس حركة تحيا تونس يوسف الشاهد بـ61 بالمئة، وفي المرتبة الخامسة حلّ رئيس حزب قلب تونس نبيل القروي بـ58 بالمئة.
واحتل قادة تيار الإسلام السياسي في تونس وحلفائهم المراتب الأولى في مؤشرات عدم ثقة التونسيين فيهم ورفضهم لهم وفق المقياس السياسي لمؤسسة "سيغما كونساي" الذي تنجزه وتنشره شهريا بالتعاون مع صحيفة المغرب التونسية.
رئيس الجمهورية بالصدارة
يأتي هذا فيما عززت استطلاعات الرأي الأخيرة موقع رئيس الجمهورية قيس سعيد، الذي حافظ على موقعه المتقدم رغم السجال المتواصل بينه وبين قادة تيار الإسلام السياسي في البلاد منذ فوزه برئاسة الجمهورية.
وجاء سعيد في صدارة الترتيب، فيما يتعلق بنوايا التصويت في الانتخابات الرئاسية القادمة بنسبة 43.3 بالمئة، تلته رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي.
وقال ثلاثة أرباع المستجوبين (75.7 بالمئة) إنهم غير راضين على الطريقة التي تسير بها البلاد، مقابل رضا 1 بالمئة فقط.
واعتبر 73.7 بالمئة من المستجوبين أن الوضع المالي لأسرهم أسوأ ممّا كان عليه في السنة الماضية، ويتوقع 42 بالمئة أن وضعهم المالي سيكون أسوأ في السنة القادمة.
وأوضح استطلاع الرأي أن التونسيون يعتبرون أن الحكومة أهملت الأولويات التي وجب الاشتغال عليها في البلاد، وهي تحسين الوضع الصحي، خاصة مع تردي حالة المستشفيات العامة ومكافحة البطالة والحد من الفقر وتحسين الحالة الاقتصادية، فضلا عن النهوض بمستوى التعليم ومكافحة الفساد.
وأظهر الاستطلاع أن ثقة التونسيين كبيرة في مؤسسة الجيش بنسبة 98 بالمئة، وفي الأمن بـ87 بالمئة، بينما تنعدم ثقتهم في مجلس نواب الشعب والأحزاب السياسية.
شعور بالإحباط
ويرى مراقبون أن الأزمة الشاملة في أبعادها الاقتصادية والسياسية والصحيّة في البلاد خلفت شعورا بالإحباط لدى عموم التونسيين ووسعت هوة انعدام الثقة بينهم وبين الأحزاب السياسية ونواب البرلمان الذي تحول في الغالب إلى حلبة للصراع والتراشق بالتهم بعيدا عن مشاغل التونسيين الحقيقية والملتصقة بحياتهم اليومية.
واعتبر رمضان بن عمر، المتحدث باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، في تصريح لموقع سكاي نيوز عربية، أن "هذه النتائج غير صادمة ولا مفاجئة لمن يتابع الواقع التونسي، وهي نتيجة حتمية للارتباك الحكومي في التعامل مع أزمات البلاد منذ انتخابات 2019".
وأضاف أن "الطبقة السياسية انخرطت في صراعات هامشية بعيدة عن مشاغل الشعب الذي ترسخت لديه صورة طبقة سياسية انتهازية في البلاد ولا تهتم لمشاغله، علاوة على الفضائح السياسية والمالية المتعلقة بالطبقة السياسية على غرار تقرير دائرة المحاسبات وبطاقات الجلب والتبعات القضائية ضد عدد من النواب".
وتابع بن عمر: "تبدو الطبقة السياسية خلال الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والصحية كأنها تخلّت عن المواطنين، حتى أن القانون لا يطبق إلا على الفئات الضعيفة بينما تنتهكه الطبقة السياسية وأصحاب رؤوس الأموال، كما دفع الشعب الكلفة غالية في علاقة بجائحة فيروس كورونا التي حصدت حتى الآن أكثر من 12 ألف ضحية".
هذا وتعكس استطلاعات الرأي منذ سنوات رفض التونسيين لقيادي حركة النهضة الإخوانية وممارساتهم في البلاد وانعدام ثقتهم في كل من يمثل تيار الإسلام السياسي أو يتحالف معه.
غير أن الواقع الانتخابي يقدم نتائج مختلفة في كثير من الأحيان، وهو ما فسره المتحدث باسم منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر بأن "الواقع الانتخابي يبدو مختلفا عن واقع استطلاعات الرأي التي تدمج فئات أوسع من المجتمع، وذلك بسبب عزوف كثير من التونسيين عن المشاركة في الانتخابات، وهو ما يستفيد منه الإسلام السياسي بتوظيف الأموال والإمكانيات اللوجستية لحشد الأنصار والسيطرة على الانتخابات من جهة وتعزيز القطيعة بين المواطن والشأن السياسي من جهة أخرى".
أوضاع اقتصادية صعبة
من جانبه علق المختص في علم الاجتماع السياسي محمد الجويلي، في تصريح لموقع سكاي نيوز عربية، بأن "منسوب التشاؤم من المناخ السياسي والاقتصادي في البلاد مرتفع، لأنه لم يتم تسجيل أي تحسن في الوضع العام، وقد كان منسوب الأمل لدى التونسيين يرتفع بعد كل انتخابات ثم يعود للانخفاض مصطدما بالواقع الاقتصادي والاجتماعي".
وقدر الجويلي أن "هذا الاستقرار في التشاؤم نوع من السلوك الحمائي لدى المواطن تجنبا للصدمات المتوقعة، وهو أفضل على المستوى النفسي، لكنه يترجم يوميا في علاقات الناس وفي دورة الإنتاج والعمل وحتى داخل العلاقات الأسرية، مما يعني الاهتمام الدائم للتونسي بالشأن العام ووعيه بالأزمة يوميا في انتقاده لغلاء المعيشة وللصراعات السياسية ولأداء الطبقة الحاكمة، غير أنه يترجم بالرفض في حال تنظيم الانتخابات بسبب اليأس من إمكانية التغيير من طرف الطبقة السياسية نفسها".
ويفسر أستاذ علم الاجتماع هذا السلوك "بانعدام الثقة في عدد من السياسيين وتحميلهم مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، بينما يرى المواطن في البعض الآخر من هو جدير بالثقة، وهذا مرتبط بمجهود الحاكمين في مقاومة الفساد وسعيهم للإصلاح، حتى دون نتائج واضحة، وتفكيرهم الجدي في الصالح العام".