حمَّلت الحكومة الليبية، الاتحاد الأوروبي جزءا من مسؤوليته عن أزمة الهجرة غير الشرعية التي تضرب ليبيا وأوروبا معا، خاصة في ظل سهولة تدفق المهاجرين من الحدود الجنوبية للبد الواقع شمال إفريقيا.
في يوم الجمعة، قالت وزيرة الخارجية الليبية، نجلاء المنفوش، في مؤتمر صحفي، إن ليبيا ستحتاج إلى موارد إضافية من الاتحاد الأوروبي لتأمين الحدود الجنوبية لبلادها، معتبرة أن هذا التأمين بات أولوية.
وجاء تصريح الوزيرة بعد اجتماعات مع نظيريها الإيطالي لويجي دي مايو، والمالطي إيفاريست بارتولو، ومفوض أوروبا لسياسة الجوار الأوروبية والتوسع أوليفر فارهيلين في طرابلس.
ورد نظيرها الإيطالي بالقول "نحن تحت تصرف ليبيا على مستوى الاستثمار، وتحدثنا بشأن توطيد الشراكة لمجابهة الهجرة غير الشرعية".
وجرى هذا الاجتماع بعد يومين فقط من صدور تقرير لمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، وجه اتهامات لاذعة إلى ليبيا والاتحاد الأوروبي، فعاتب على عدم بذل ما يكفي لإنقاذ المهاجرين من الغرق في عرض البحر.
وبحسب مسؤولة المفوضية، ميشيل باشيليت، في تقريرها المنشور على موقع المفوضية فإن "كل سنة يغرق الناس؛ لأن المساعدة تأتي بعد فوات الأوان أو لا تأتي أبدا".
أما بالنسبة للحكومة الليبية، فالأزمة لا تتوقف عند غرق المهاجرين بعد وصولوهم إلى البحر، بل في تدفقهم الغزير من الحدود الجنوبية مع الدول الإفريقية، في ظل تراخي المجتمع الدولي، ومن بينه الاتحاد الأوروبي، في حل الميليشيات ونزع سلاحها، وطرد المرتزقة الأجانب؛ لأن الميليشيات بقيادة تنظيم الإخوان الإرهابي تستثمر فوضى السلاح في عمل عصابات وتقود نشاط الهجرة غير الشرعية إلى ليبيا.
ويرى متابعون أن احتفاظ الميليشيات بأسلحتها يقوي محاولاتها في جلسات ملتقى الحوار السياسي، ومنها جلسات الأربعاء والخميس الماضيين، لتعطيل إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، حتى تستمر الفوضى؛ وبالتالي تستمر تجارة جلب المهاجرين.
ويربط مصدر أمني ليبي، تحفظ على ذكر اسمه، لـ"سكاي نيوز عربية"، بين تفشي الاتجار بالبشر وبين سيطرة الميليشيات على غرب ليبيا لما يدره هذا النشاط من أموال طائلة بعد فقدانها التمويل الرسمي، وبعد التضييق الدولي على الدول الضالعة في دعم الإرهاب في ليبيا.
من جانبه، يرى السياسي الليبي عز الدين عقيل، رئيس حزب الائتلاف الجمهوري، أن المليشيات المسيطرة على وسط البلاد هى المسؤولة عن إلقاء القبض على المهاجرين والزج بهم في المعتقلات المروعة التي تنتقدها الأمم المتحدة والحكومات الغربية بـ"نفاق صادم"، دون أن يضعوا حدا جذريا لمآسيهم، في إشارة إلى عدم بذل المجتمع الدولي الجهد اللازم لطرد المرتزقة وحل الميليشيات.
حدود مشاعة
نقطة أخرى يشير إليها عبد المنعم الحر، رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان في ليبيا، تتعلق بقصور كان قائما حتى قبل ظهور الميليشيات في 2011، وهو أنه "ما من حكومة ليبية سبق لها أن سيطرت بشكل كامل على حدودها وعلى أعمال التهريب".
وأردف أنه "لكي تتمكن ليبيا من إنشاء استراتيجية أمن حدود فعالة حقا، يتعين القيام بما لم تقم به أي حكومة سابقة، وذلك بتفكيك شبكة المصالح الاقتصادية والمحلية الموجودة لدى قبائل الحدود، وتفعيل حق المواطنة ومعالجة التهميش الاقتصادي في الجنوب".
في المنحى ذاته، دعا الحكومة إلى "تطوير بدائل قانونية لاقتصاد السوق السوداء، وإعادة هيكلة وتدريب بحيث يتسلم الجيش مهمة المراقبة على الحدود، ومعالجة معضلة تداخل الاختصاص بين إدارة المراكز الحدودية وتجهيز التأشيرات وجوازات السفر التابعة لوزارة الداخلية، وبين الإدارة العامة لمكافحة التهريب والمخدرات التي كانت جزءا من وزارة المالية، وكذلك تداخل الاختصاص بين القوات البحرية وحرس السواحل التابع لوزارة الداخلية، حيث أن كلا من الأجهزة والإدارات سالفة الذكر تعمل وتنسق أحيانا بشكل مستقل مع قوات الحدود الأوروبية".
زيادة الجريمة
وأزمة المهاجرين لا تتوقف عند غرقهم في البحر، ولكن إقامتهم في ليبيا لها خطرها على الأمن، بل وتركيبة السكان.
فمن المخاطر التي تجلبها الهجرة زيادة القتل والاشتباكات بين المهاجرين والسكان، ومنها مثلا أنه في مايو 2020 قُتل 30 مهاجرا من بنغلاديش وإفريقيا في بلدة مزدة بطرابلس على يد أهالي أحد المهربين، انتقاما من قيام المهاجرين بقتله أثناء عملية تهريبهم بحسب بيان لوزارة الداخلية التابعة لحكومة طرابلس في حينه.
ضرب التركيبة السكانية
وفي وقت سابق، كشف اللواء صالح رجب المسماري، وزير الداخلية الأسبق أن تنظيم الإخوان يتبنى مخططا دوليا لإحداث تغيير سكاني عبر توطين المهاجرين، وتحويل ليبيا إلى مجمع لأعراق متصارعة، فتقل فيها عوامل التلاحم والحس الوطني.
وقال إن الجماعات الإثنية في المناطق الحدودية تساعد على هذا الأمر عندما تستقبل المهاجرين من جوف إفريقيا، لأنها تشتكر معهم في العرق والانتماء القبلي، وفق ذات المتحدث، في إشارة إلى رغبتهم في زيادة أعدادهم وبالتالي سيطرتهم في إطار التنافس العرقي.
وعزا تبني تنظيم الإخوان لهذا المخطط إلى عقيدته المتطرفة التي لا تعترف بالدولة الوطنية، إضافة الى كونه جماعة وظيفية تنفذ أجندات دولية في البلدان التي يتواجد فيها.
شبكات عالمية متخصصة
وبشيء من التفصيل، يشرح مصدر أمني لـ"سكاي نيوز عربية" دور ميليشيات بعينها في جلب الهاجرين، فمنها ميليشيات في الزنتان بطرابلس بقيادة الإخواني أسامة الجويلي وعماد الطرابلسي تجلبهم من مساحة عريضة تمتد من أقصى شرق أفريقيا لأقصى غربها، مثل تشاد ومالي ونيجيريا وبوركينافاسو وأريتريا والصومال وأثيوبيا، يساعدها في هذا التوغل التركي هناك.
أما الثانية فهي مليشيات الساحل غرب طرابلس، التي خصتها حكومة السراج بمهمة تصدير المهاجرين ومن بينهم إرهابيين إلى سواحل الدول الأوروبية تمهيدا لابتزازها لاحقا.
والثالثة هي ميليشيات شرق طرابلس التي تتولى استخدام المهاجرين العائدين من الرحلات الفاشلة كخدم في المنازل وعمالة مقابل الأكل، ودروع بشرية في مراكز الاحتجاز للوقاية من ضربات الجيش الليبي.
والرابعة، بحسب المصدر الأمني، هي الهاربة من شرق ليبيا تحت ضربات الجيش، يقودهم إبراهيم الجضران، ووزعتهم حكومة السراج قبل تغييرها على الجنوب للتمركز وتسهيل استقدام المهاجرين تحت إغراءات التسفير إلى أوروبا مقابل أموال، وحين يأتون يتم استخدام من لا يصلح منهم للسفر كمرتزق يحمل السلاح ضد الجيش.