بعد انتخابه رئيسا للولايات المتحدة الأميركية، فرضت جملة من علامات الاستفهام والتحليلات السياسية نفسها بشأن شكل العلاقة المحتملة بين الرئيس الأميركي جو بايدن، ودول المنطقة.. وفي مصر كان التساؤل نفسه عن مستقبل العلاقات بين البلدين، وسط مخاوف من تراجعها بعد علاقات مميزة في عهد ترامب.
وكان التحليل والتوقع الأشهر -الذي عزز تلك المخاوف- يتعلق باعتبار بايدن نسخة جديدة من سياسات الرئيس الأسبق باراك أوباما.
لكن الجواب جاء، وإن كان متأخرا لمدة تقارب الخمسة أشهر، ظل التوجه الأميركي خلالها إزاء العلاقة مع مصر غامضا، حتى انفتحت إدارة بايدن بشكل متسارع وملفت على التواصل مع الدولة المصرية، في ظل المواجهات الأخيرة بين إسرائيل والفلسطينيين، والتي لعبت القاهرة خلالها دورا محوريا في التوصل لاتفاق التهدئة ووقف إطلاق النار، وهو الدور الذي ثمنته الإدارة الأميركية بشكل مباشر.
الأسبوع الأخير شهد سلسلة من المؤشرات العاكسة لرؤية إدارة بايدن للعلاقات مع مصر، تضمنت اتصالين هاتفيين (الأول في 20 مايو الجاري؛ لبحث وقف التصعيد بين إسرائيل والفلسطينيين، والثاني بعد 4 أيام فقط من الاتصال الأول، لتناول العلاقات الثنائية وبحث ملفات وقضايا إقليمية).
وبالإضافة إلى ذلك، جاءت زيارة وزير خارجية الولايات المتحدة أنتوني بلينكن إلى القاهرة، والتي سبقتها زيارة المبعوث الأميركي الخاص والسفير إلى ليبيا ريتشارد نورلاند، إلى مصر، وزيارة المبعوث الأميركي الخاص بالقرن الإفريقي جيفري فيلتمان، في وقت سابق.
وأظهر البلدان حرصهما على تعزيز التعاون والشراكة الاستراتيجية على الصعيد الثنائي، وكذا على صعيد القضايا الإقليمية، وفي القلب منها القضية الفلسطينية.
وعبرت واشنطن عن مواقف إيجابية إزاء العلاقة مع مصر، من بينها مؤشرات تغير ملحوظ في اللهجة الأميركية إزاء قضية ملف سد النهضة الإثيوبي، مقارنة بالشهور الماضية.
تُبرز تلك التطورات تفهما أميركيا واضحا لطبيعة الدور الذي تقوم به القاهرة في المنطقة، وحجم نفوذها السياسي المؤثر الذي يجعلها تمسك بمفاتيح أساسية في إطار حلحلة الملفات الإقليمية المشتعلة، ومن بينها الأزمة الليبية.
وهذا هو ما يدفع بتوقعات إيجابية لتعزيز علاقة البلدين، وسط توقعات بلقاء مصري- أميركي مباشر على مستوى القمة للتأسيس لعلاقات أقوى في المرحلة المقبلة.
شراكة استراتيجية
تؤكد تلك التطورات المتسارعة أن الإدارة الأميركية "تدرك حقيقة حجم مصر وتأثيرها في المنطقة، باعتبارها دولة من العيار الثقيل، ولها دور محوري في محيطها العربي والأفريقي، وعلى الصعيد الدولي"، وفق ما يؤكده المحلل السياسي خبير العلاقات الدولية، ماك شرقاوي.
ويشير في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية"، إلى أن "العلاقات الأميركية المصرية مرشحة لتقدم أوسع خلال الفترة المقبلة، وزيادة الشراكة الاستراتيجية بين البلدين".
ويعتقد شرقاوي بأن "علاقة الولايات المتحدة مع مصر ستكون أفضل مما كانت عليه إبان رئاسة ترامب"، وفق المؤشرات الراهنة، مرجحا في الوقت نفسه زيارة قريبة من الرئيس المصري للبيت الأبيض، للتشاور حول عديد من القضايا المختلفة والشائكة بالشرق الأوسط.
ويلفت خبير العلاقات الدولية إلى أن "الإدارة الأميركية تدرك أن مفاتيح عدد كبير من الملفات التي تشهدها المنطقة بيد القاهرة، وأن الملفات التي تسيطر عليها مصر في الشرق الأوسط مهمة بالتأكيد بالنسبة للجانب الأميركي، بداية من الملف الليبي وحتى ملف الشام الكبير، وملف القضية الفلسطينية، بعد أن حركت القاهرة مؤخرا المياه الراكدة في القضية. ومن المرجح أن يكون لها دور ليس فقط في تثبيت الهدنة ووقف إطلاق النار، إنما أيضا للوصول لمفاوضات مباشرة لإحلال السلام".
ويتطرق خبير العلاقات الدولية إلى تغير الموقف الأميركي إزاء ملف سد النهضة الإثيوبي، قائلا: "أعتقد بأن الموقف الأميركي تغير تماما (..) بايدن أكد تفهم واشنطن لحجم الأزمة، وتعهد بالعمل لحماية الأمن المائي المصري. هذا يشكل تحولا جذريا في خط سير العلاقات المصرية الأميركية، لا سيما في هذا الملف الحساس جدا".
لاعب رئيسي
المحلل السياسي وعضو الحزب الديمقراطي الأميركي مهدي عفيفي، يقول إن "القاهرة تلعب دورا مهما جدا مع القوى الكبرى، خاصة الولايات المتحدة، في قضايا المنطقة.. وأعتقد بأن واشنطن أيضا تريد أن يكون هناك شركاء يُعتمد عليهم في هذه القضايا، ومصر بالنسبة لها تعتبر شريكا قديما جديدا، ومن المتوقع أن تشهد العلاقات استمرارا وقوة في الأيام القليلة المقبلة".
ويردف في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية": "من الطبيعي أن تتبوأ مصر هذه المكانة.. الولايات المتحدة تعلم جيدا أنه لا يمكن الدخول في قضايا المنطقة، خاصة القضية الفلسطينية، دون مصر، لذلك عندما بدأت الإدارة الأميركية -بعد مرحلة كان الاهتمام فيها منصبا على القضايا الداخلية- في التعاطي مع القضية الفلسطينية، كان من الطبيعي أن تتجه إلى مصر".
ويوضح المحلل السياسي أن "الإدارة الأميركية تتفهم أيضا أن القضية الليبية لابد أن تمر عن طريق مصر، وكذلك القضايا العربية الأخرى التي تلعب مصر دورا فعالا فيها".
ويستطرد: "أما القضية الفلسطينية فهي (القاهرة) اللاعب الأساسي الذي يستطيع الحوار مع جميع الأطراف، بما في ذلك إسرائيل وحماس والسلطة الفلسطينية، ولا يوجد لاعب آخر سواء عربي أو أفريقي له هذه المكانة بهذا الشكل مع تلك الأطراف، بالتالي فإن الإدارة الأميركية تعتمد بشكل كبير على التعاون مع مصر في تلك القضايا، وأعتقد بأن الحراك في القضية الفلسطينية سيبدأ بوساطة ورعاية مصرية".
ويتطرق عفيفي كذلك إلى ملف سد النهضة، موضحا أنه "هناك تحرك واضح من الإدارة الأميركية، ونرى تحذيرات وتصريحات بأن واشنطن لن تسمح بأن يتم أخذ حق مصر في مياه النيل (..) بالتالي أعتقد بأن التفاهم المصري الأميركي في عهد بايدن سيكون أفضل مما كان عليه في ظل إدارة ترامب".
نفوذ استراتيجي
النفوذ الاستراتيجي الذي تتمتع به القاهرة في المنطقة كان عاملا مؤثرا وحاكما بشكل دائم للعلاقات بين الولايات المتحدة ومصر. وفي هذا السياق تشير مديرة مكتب الشرق الأوسط في واشنطن هبة القدسي، إلى شواهد تطور العلاقات على نحو كبير بين البلدين خلال الأسابيع الماضية، متحدثة عن الاتصالين الهاتفيين اللذين جمعا السيسي وبايدن.
وتقول لموقع "سكاي نيوز عربية": "الاتصالان فسرهما المحللون في الأوساط السياسية الأميركية على أنهما بداية مبشرة لتحسين العلاقات بين البلدين، بعد شهور من تولي بايدن سدة الحكم، دون أن يكون هناك تواصل مباشر مع القاهرة خلال تلك الفترة".
وتلفت في السياق ذاته إلى أن "المواجهات بين حماس وإسرائيل جاءت لتضع القاهرة في موقع متميز من الجهود الدبلوماسية مع الولايات المتحدة وقادة المنطقة من أجل التوصل إلى وقف إطلاق النار، وقد نجحت القاهرة على مدار أسبوعين من المحادثات الدبلوماسية المكثفة في التوصل لهدنة".
وتشير القدسي إلى 4 قضايا أساسية تطرق إليها الاتصال الأخير بين الرئيسين، هي ملف حقوق الإنسان، وأزمة سد النهضة، والوضع في ليبيا، وكذلك الوضع في العراق، موضحة أن ذلك التنسيق "يصب في صالح قيادة مصر ونفوذها الاستراتيجي في المنطقة".
وتقول إن "هناك قضايا كثيرة من مصلحة الولايات المتحدة الاعتماد فيها على النفوذ المصري والقدرات المصرية والموقع المتفرد لمصر في الشرق الأوسط، بما في ذلك القضية الفلسطينية (..) ودائما ما يصنف المسؤولون الأميركيون العلاقات مع القاهرة بأنها علاقات استراتيجية، فيما لم تتأثر العلاقات بين البنتاغون والمؤسسة العسكرية المصرية بأي تذبذب على مدى عدة عقود، منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد، والمساعدات التي أقرت وفق الاتفاقية من الجانب الأميركي".
وإلى جانب نفوذ القاهرة الذي تدركه واشنطن، فإن ثمة العديد من العوامل الأخرى المؤثرة في العلاقات الثنائية بين البلدين، ونقاط القوة التي تتمتع بها القاهرة، من بينها قناة السويس.
وتشير القدسي إلى أن "الولايات المتحدة تحرص على هذه المزايا السياسية والعسكرية والاقتصادية مع مصر بشكل كبير، وعلى استغلال هذا النفوذ المصري في الشرق الأوسط، خاصة مع محاولات واشنطن الابتعاد بشكل كبير عن ممارسة دور الشرطي في المنطقة، وبالتالي يمكن أن تلقي على مصر بعض الأعباء في الحفاظ على الأمن والاستقرار الإقليمي".