تعتبر الانتخابات التشريعية المزمع إجراؤها في 12 يونيو في الجزائر، وانطلقت حملتها الانتخابية، الخميس، فرصة لمختلف شرائح المجتمع لإيجاد مكانة تحت قبة البرلمان.
وتقدم هذه المرة للانتخابات شباب من "أصحاب الهمم"، من بينهم سيدي محمد مكاوي (30 عاما) أصيل بلدية الغزوات الواقعة في محافظة تلمسان غرب الجزائر، وهو الباحث عن مقعد نيابي لتمثيل هذه الشريحة لخمسة سنوات لاحقة ورفع صوتهم عاليا كأول تجربة سياسية.
الأزمة تلد الهمة
هذا الشاب الثلاثيني صاحب الهمة العالية والطموح الكبير لم تمنعه إعاقته البصرية من ولوج عالم السياسة من أوسع أبوابه وتسطير هدف الدخول إلى مبنى شارع الشهيد زيغود يوسف (البرلمان الجزائري) للعمل على تغيير واقع ذوي الهمم من داخل المؤسسات.
ويقول سيدي محمد مكاوي لموقع "سكاي نيوز عربية" إنه "ترشح في ظل قائمة حرة مسايرة للخطاب المؤكد على فرصة التغيير وإعطاء المكانة الحقيقية للشباب في الجزائر الجديدة".
وقد عايش مكاوي ظروفا صعبة خاصة في مساره الدراسي لكنه كما يقال "الأزمة تلد الهمة"، فاستطاع بفضل عزيمته تجاوز صعوبات وضعيته بالجهد والتحصيل العلمي وعلاوة على معاناته من بعد المسافة بين بيته العائلي والمؤسسات التربوية التي كان يدرس بها، يقول مكاوي إن مشكلة المرافقة ظلت تؤرقه وهي مشكلة الكثير من أقرانه، خاصة أيام الامتحانات حيث من الصعب إيجاد مرافق لهم يراجع معهم الدروس في ظل نقص كتب "البراي" الخاصة بالمكفوفين.
لا حاجز أمام الترشح
ومن أجل الوصول إلى أهدافه المسطرة، استطاع الشاب سيدي محمد مكاوي القفز على كل الصعوبات التي واجهته منذ الصغر بالدراسة والتحصيل العلمي والنشاط الجمعوي، حيث يعمل مربيا متخصصا بمدرسة الأطفال المعاقين بصريا بتلمسان، علاوة على ذلك فهو باحث سنة رابعة دكتوراه في العلوم السياسية، كما أنه ينشط في عدة جمعيات على المستوى الوطني والمحلي الخاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة البصرية مثل "جمعية آمال لمكفوفي تلمسان".
ورغم أنه لم يكن يرى نفسه فاعلا في الساحة السياسية، إلا أن دراسته وتكوينه الجامعي في العلوم السياسية ساعده على خوض مغامرة الترشح للانتخابات التشريعية لـ12 يونيو.
ولكن الهدف الأساسي لترشحه، يبقى الوصول إلى البرلمان للدفاع عن "أصحاب الهمم" واسترجاع حقوقهم وإيصال صوت هذه الشريحة إلى أعلى مستوى، حيث يعتبر المترشح ذاته أن صوتهم لم يكن يصل إلى الرأي العام وحان الوقت لتبليغه.
بداية المغامرة
ويعود الشاب سيدي محمد مكاوي إلى بدايات فكرة الترشح، حيث يقول إن بعض الأحزاب حاولت استمالته لترشيحه ضمن قوائمها، لكنه رفض، في حين اختار الترشح في قائمة مستقلة بعدما تم الاتصال به من طرف أحد الأساتذة للانضمام للقائمة الحرة "تكتل شباب تلمسان"، ويؤكد أنه وجد كل الدعم من محيطه الاجتماعي.
في المقابل، يوضح أن النمط الانتخابي الذي فرضه قانون الانتخابات الجديد ساعده على خوض التجربة، بحيث أن الناخب كما يقول مكاوي "أصبح يصوت على المترشح الذي يريده في القائمة عكس ما كان عليه الحال في الاستحقاقات الانتخابية السابقة، من أن متصدر القائمة والذي يكون غالبا من "أصحاب المال" هو رقم واحد".
وبخصوص عملية جمع التوقيعات المفروضة قبل تقديم ملف الترشح، استطاع سيدي محمد مكاوي جمع 150 توقيعا بمساعدة أفراد من عائلته وزملائه في العمل، وكانت القائمة التي يترشح ضمنها قد قدمت 1143 استمارة ترشح لسلطة الانتخابات في حين تم سحب 73 استمارة منها.
حمل آمال "أصحاب الهمم"
ويخوض سيدي محمد مكاوي مع زملائه 19 يوما من التنافس في إطار الحملة الانتخابية، حيث تم تسطير برنامج ومخطط عمل وفق اجتماعات سابقة، وتم التركيز على النشاط بـ"مناطق الظل" الباحثة عن مزيد من فرص التنمية، من خلال وضع هيكلة للتوزيع على المدن والبلديات التي ينتمي إليها مترشحو القائمة.
وهذا من دون إغفال النشاط على "الفضاء الأزرق" واستغلال مواقع التواصل الاجتماعي لتنشيط الحملة الانتخابية والوصول إلى أكبر عدد من الناخبين بهدف إقناعهم ببرنامج القائمة في حال تمت تزكية مترشحيها في انتخابات 12 يونيو.
ويحمل المترشح سيدي محمد مكاوي في حال تم انتخابه وتمثيله لمنطقته في البرلمان، عدة أفكار منها ويأمل في تحسين المستوى المعيشي لـ"أصحاب الهمم" في الجزائر، من خلال الدفع من أجل رفع المنحة المخصصة لهم وإلحاقها بالأجر القاعدي المضمون، وإنهاء معاناتهم مع أزمة السكن، وإعادة الاعتبار لهذه الشريحة اجتماعيا وسياسيا، والدعوة للمزيد من الاهتمام بالمراكز الخاصة بهذه الشريحة.
ويختتم مكاوي حديثه بالتأكيد على أنه مستعد على رفع التحدي ومواصلة المشاركة في مضمار الترشح للانتخابات التشريعية، مبينا أن الإعاقة "محفز وليس العكس"، كما لفت إلى المجتمع الذي يقول إنه "لا يزال ينظر لشريحة أصحاب الهمم بنظرة فيها الكثير من التمييز ولذلك حان الوقت لإزالة هذه الذهنيات".
وتماشيا مع التطورات والتغييرات التي طرأت على قانون الانتخابات الذي أعطى اهتماما خاصا بالشباب والمرأة وجمعيات المجتمع المدني، تأتي شريحة "أصحاب الهمم" من بينها حيث وجد البعض منهم المناخ مناسبا لخوض "مغامرة" الترشح قصد الوصول إلى البرلمان والدفاع عن أنفسهم في المرحلة المقبلة وعدم انتظار الآخرين للتكلم باسمهم خاصة أن الدستور الجديد أبان عن إرادة سياسية على إدماجهم بصفة فعالة.