زيارة خاطفة أجراها وفد أميركي رفيع المستوى إلى ليبيا، تحمل في ظاهرها رسائل دعم لحكومة الوحدة الوطنية وخارطة الطريق، إلا أنها تركز بالأساس على ملف إخراج الميليشيات المسلحة من البلاد.
وزار وفد أميركي برئاسة النائب الأول لمساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط جوي هود، طرابلس، الثلاثاء، حيث التقى رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي ووزيرة الخارجية نجلاء المنقوش.
وتأتي الزيارة في توقيت حساس بالنسبة لليبيا، خاصة بعد أيام من اقتحام ميليشيا مسلحة في الغرب فندق كورنثيا بطرابلس الذي يجتمع فيه المجلس الرئاسي الجديد، احتجاجا على تصريحات وزيرة الخارجية المطالبة بطرد المرتزقة من ليبيا، مما عرض خريطة الطريق إلى خطر استشعرته واشنطن.
كما أن الزيارة جاءت بعد أيام من تعيين السفير الأميركي لدى ليبيا ريتشارد نورلاند، مبعوثا أميركيا خاصا إلى البلاد، بالإضافة إلى مهمته كرئيس للبعثة الدبلوماسية، بهدف تعزيز الدعم الدولي لإيجاد حل سياسي وشامل ومتفاوض عليه يقوده الليبيون وتيسره الأمم المتحدة، بحسب بيان سابق للخارجية الأميركية.
وخلال مؤتمر صحفي جمع الوزيرة مع هود، جددت المنقوش مطالبتها بخروج كافة القوات الأجنبية والمرتزقة من بلادها.
وأكدت وزيرة الخارجية الليبية أنها اتفقت مع المسؤول الأميركي على "ضرورة الحفاظ على بلادها موحدة وخاضعة للسيادة الوطنية، وإطلاق مصالحة وطنية شاملة" في البلد الذي مزقته سنوات من الاقتتال الداخلي.
وقال المحلل السياسي الليبي كامل المرعاش لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن الزيارة الأميركية الخاطفة تدل على تعرض جهود واشنطن نحو إعادة الاستقرار في ليبيا إلى الخطر، مشيرا إلى أن حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة "لم تتقدم خطوة واحدة في خارطة الطريق التي أقرها ملتقى الحوار"، مما جعل إجراء الانتخابات في موعدها المقرر، 24 ديسمبر المقبل، محل شك.
وأوضح المرعاش أن "الزيارة تأتي بعد الهجوم الميليشياوي على مقر إقامة رئيس المجلس الرئاسي، ورفض كيانات ميليشياوية قرارات المجلس الرئاسي بشأن التعيينات في أجهزة أمنية حساسة، في محاولة من هذه العناصر للسيطرة عليها".
وأشار إلى أن واشنطن دشنت بالزيارة بداية عمل نورلاند كمبعوث أميركي خاص إلى ليبيا، في محاولة لـ"الانفراد بالأزمة الليبية وتوظيفها في صراع النفوذ مع روسيا"، محذرا من "عواقب الممارسات الأميركية التي ستزيد أمد الأزمة وتعمق الانقسامات الدولية، مما يجعل من الصعب على الأطراف المحلية التوصل الى تسويات ترضي الجميع".
وحول دعوة وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش لافتتاح السفارة الأميركية في ليبيا، قال المحلل السياسي إن "الخطوة إن تمت فستمثل رمزية قوية بأن الولايات المتحدة متمسكة بالانفراد بالملف الليبي، خصوصا بعد تعيين رجل أميركا القديم-الجديد ريتشارد نورلاند، الذي بات الآن بريمر ليبيا"، تشبيها له بمبعوث واشنطن إلى العراق بعد الغزو الأميركي بول بريمر.
طرد المرتزقة
من جهة أخرى، قال المحلل السياسي الليبي أيوب الأوجلي إن الزيارة تضع إشارات عدة حول الدعم الذي ستقدمه الولايات المتحدة لحكومة الوحدة الوطنية في هذه المرحلة، بدءا من العمل معها على ملف خروج المرتزقة وصولا للانتخابات المرتقبة.
وأشار الأوجلي في حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية"، إلى أن هذه الزيارة تعد رسالة لكافة الدول المتدخلة في ليبيا بأن الملف "أميركي بامتياز"، لا سيما قبيل انعقاد مؤتمر برلين الثاني في النصف الثاني من شهر يونيو المقبل، مما سيؤثر بشكل مباشر على مخرجاته.
ومن جهة أخرى، توقع المحلل السياسي أن يشهد ملف خروج المرتزقة تطورا بعد هذه الزيارة، فالضغوط الأميركية ستكون كبيرة تجاه هذا الملف الذي يعد أحد العراقيل أمام إجراء الانتخابات.
واعتبر أن واشنطن قدمت "دفعة كبيرة" لوزيرة الخارجية الليبية في موقفها الثابت من أزمة المرتزقة، مما "سيخفف الضغط عليها بشكل كبير عقب الحملة الإعلامية الشرسة التي شنها تنظيم الإخوان وقادة الميليشيات في ليبيا"، متوقعا إغلاق ملف المرتزقة وحسمه قريبا بعد التوافق الليبي الأميركي.
توحيد الجيش
أما عن توحيد المؤسسة العسكرية، فرغم استبعاد الأوجلي أن تؤثر الزيارة بشكل مباشر عليه كونه معقدا ويرتبط بشكل رئيسي بحل الميليشيات المسلحة في المنطقة الغربية، فإنه عبر عن اعتقاده بـ"حلحلة قريبة لفتح الطريق الساحلي، التي ربما تكون بداية لتوحيد المؤسسة العسكرية".
وفي السياق ذاته تحدث المحلل السياسي الليبي رضوان الفيتوري لموقع "سكاي نيوز عربية"، مشيرا إلى إن "واشنطن تقصد برحيل القوات الأجنبية من ليبيا المرتزقة والقوات التي جلبتها تركيا بموجب اتفاقية أثارت ردود فعل غاضبة في حينها".
وتساءل الفيتوري عن كيفية تسمية القوات التركية التي وصفها بـ"المحتلة"، بقوات شرعية، مشيرا إلى أن "الزيارة جاءت لدعم الموقف الليبي ممثلا في وزارة الخارجية المطالب بإخراج فوري للقوات الأجنبية".
ورغم تفاؤله بأن حلحلة ملف القوات الأجنبية في ليبيا سيؤثر إيجابا على خارطة الطريق، فإنه أكد أن بلاده أصبحت "لا تنخدع كثيرا بتصريحات العمالقة الكبار مثل أميركا وروسيا".
وقال المحلل السياسي: "القوات الأجنبية لن تخرج من ليبيا إلا بالقوة، سواء بقوة السلاح التي سيقودها من الداخل الجيش الليبي، أو بضغط المجتمع الدولي على تركيا الذي سيكون نابعا من تخوفات اشتعال المنطقة".