دخلت الاتفاقية المُشتركة بين الحكومة المركزية العراقية وحكومة إقليم كردستان، المتعلقة بإعادة تطبيع الأحوال في منطقة سنجار، ذات الأغلبية الإيزيدية والتي تقع في أقصى شمال غرب العراق على الحدود مع سوريا، حيز التنفيذ الأحد.
وكانت الاتفاقية التي وقعها الطرفان في شهر سبتمبر الماضي قد لاقت صعوبات كثيرة، ولم يتخذ الطرفان الموقِعان خطوات عملية لتنفيذها، تجنباً لوقوع صِدامات مُسلحة مع المُقاتلين المحليين، القريبين من حزب العمال الكردستاني، الذين يرفضون عودة قوات الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان العراق، إلى جانب فصائل من الحشد الشعبي العراقي، ذات العلاقة مع تلك التشكيلات المحلية داخل مدينة سنجار ومحيطها.
وكانت بلدة سنجار ذات الأغلبية الإيزيدية قد تعرضت في صيف عام 2014 لهجوم من قِبل تنظيم داعش الإرهابي، أوقع آلاف الضحايا من السكان المحليين عبر ارتكاب مجازر جماعية بحقهم، وهجر باقي السُكان.
وتدخلت فصائل مسلحة قريبة من حزب العمال الكردستاني من داخل الأراضي السورية، وحررت أجزاء واسعة من المنطقة وأعادت جزءا من السُكان إلى بيئتهم؛ لكنها اتهمت قوات الجيش العراقي بالتخلي عن السكان المحليين وقتئذ، ورفضت عودة تلك القوات إلى المنطقة، بدعوة عدم تكرار ما حدث بحق السُكان.
بنود الاتفاقية بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان العراق التي وقعت في شهر سبتمبر من العام الماضي، والتي دخلت حيز التنفيذ أمس الأحد، مُقسمة إلى ثلاثة مستويات: يتعلق الأول بإنهاء العمل بالترتيبات الحكومة التي اُتخذت منذ العام 2017، والتي كانت تعتبر وتتعامل مع منطقة سنجار باعتبارها ذات حالة خاصة.
كذلك توكل المهام الأمنية والعسكرية للحكومة المركزية، التي من المفترض حسب الاتفاق أن تنسق مع حكومة إقليم كردستان العراق وتُدمج الآلاف من شُبان المنطقة في الأجهزة الأمنية الحكومية في تلك المنطقة.
أما المستوى الثالث فيتعلق بإعادة ترتيب المؤسسات الاقتصادية والخدمية الحكومية، عبر لجنة مُشتركة من الطرفين.
الاتفاقية الخاصة بشأن سنجار تلتها توافقات أمنية وعسكرية أخرى بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان العراق.
وقال مصدر عسكري مشارك في المباحثات الأمنية بين الطرفين لـ"سكاي نيوز عربية" إن اشكال من التطبيع والإدارة المُشتركة بين الحكومتين ستُطبق قريباً في مختلف المناطق المُتنازع عليها، وأنه جرى تحديد أربعة لجان مشتركة لإنشاء الترتيبات المشتركة بين الطرفين، في كل من مناطق خانقين وكركوك ومخمور والكوير، وأن ألوية مشتركة من الجيش العراقي وقوات البشمركة ستُشكل بغية تنفيذ تلك الترتيبات.
مراقبون للمشهد في منطقة سنجار استبعدوا إمكانية تطبيق الاتفاق المُبرم بسهولة مباشرة. فالتنظيمات المُسلحة القريبة من حزب العمال زادت من عديد قواتها في المنطقة خلال الفترة الماضية.
وقالت الأنباء بأنها رفعت أعداد المقاتلين من ثلاثة آلاف مقاتل إلى أكثر من عشرة آلاف. كذلك قامت بترتيبات الاستعداد لأية مواجهة متوقعة، بما في ذلك رفع الحواجز وحفر الخنادق. وأنها ما تزال سياسياً مُصرة على موقفها الرافض للاتفاقية.
الحشد الشعبي العراقي، الذي ينشر بعض فصائله في المناطق المحيطة بالبلدة، ويعتبرها نقطة هامة في الصراع على المناطق الحدودية بين العراق وسوريا، ولصالح إيران، لم يُبين موقفه الواضح من الاتفاقية وإمكانية تطبيقها.
لكن فصائل الحشد الشعبي كانت تُهدد بمواجهة أي تدخل عسكري تركي في تلك المنطقة. حتى أن قادة الحشد الشعبي كانوا يُهددون بتحويلها إلى حرب عراقية تركية مباشرة.
الباحث في الشؤون الأمنية العراقية بهاء التميمي قال في حديث لسكاي نيوز عربية: "ليس من الواضح الخطوات التي ستتخذها الحكومة المركزية أولاً لتطبيق الاتفاقية، وإذا ما كانت الفصائل القريبة من حزب العمال الكردستاني سترد عليها مباشرة عسكرياً أو ستتخذ خطوات من الرد عبر التظاهرات والمواجهات بين السكان المحليين والقوات الأمني، بغية خلق رأي عام مناهض لتطبيق الاتفاقية".
وأضاف التميمي "في حال عدم تمكن القوات المركزية من تطبيق الاتفاقية بشكل سلس، فأن الباب سيكون مفتوحاً أمام إمكانية تدخل تركي عسكري مباشر، الأمر الذي يُنذر بوقع مواجهات عسكرية قاسية في تلك المنطقة".
معهد الولايات المُتحدة للسلام كان قد نشر بحثاً مطولاً حول مواقف وآراء السكان المحليين في تلك المنطقة، أجرى البحث الذي أعده الباحث أسامة غرزاني استبيانات مستفيضة للرأي العام في تلك المنطقة، توصل من خلالها إلى نتيجة نهائية: " إن مجرد إنشاء مجلس إداري جديد دون معالجة العوامل الأخرى التي تعيق الحوكمة لن يفعل الكثير لتحسين النتائج في المنطقة".
وأضاف المعهد "وإدراكًا لذلك، دعا الكثير من داخل المجتمع الإيزيدي إلى جعل سنجار مقاطعة خاصة، وهي خطوة يمكن أن تساعد نظرياً في التغلب على بعض التحديات المتعلقة بتخصيص الموارد والتمثيل والوكالة. إذا أصبحت سنجار إقليماً خاصاً، فسيكون لديها ميزانية مخصصة اتحادياً تعكس احتياجات المنطقة بشكل أكبر ويكون الحاكم والسلطات السياسية الأخرى مدينين لمصالح مجتمعاتها المحلية على عكس مصالح الجهات السياسية المتحالفة مع حكومة العراق أو حكومة إقليم كردستان".
وختم المعهد: "بغض النظر عما إذا كان هذا الاقتراح قابلاً للتطبيق سياسياً أم لا، فإنه يعكس إحساساً عميقاً بإلحاح ضمن المجتمع الإيزيدي، لإيجاد حل أكثر شمولاً واستجابة واستدامة للمأزق الحالي للمنطقة".