لا زالت ردود الفعل الإيجابية تتوالى، عقب الإفراج مؤخرا عن عدد من معتقلي الاحتجاجات التي شهدتها مدينة الحسيمة وضواحيها، شمالي المغرب، خلال عامي 2016 و2017، التي عرفت باسم "حراك الريف".
وعبر سكان الحسيمة عن ارتياحهم لقرار العفو الملكي الذي شمل مئات المعتقلين، وذلك من خلال خروج عشرات الأسر إلى الشوارع تعبيرا عن الفرح، وفقا لما تناقلته مصادر إعلامية محلية خلال اليومين الماضيين.
وفيما أبدى نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي استحسانهم للعفو، جاء في تقديرات خبراء ومتتبعين أن الخطوة ليست بالغريبة على المغرب، خصوصا أن المملكة تمكنت خلال العقد الماضي من تحقيق مكتسبات قوية في مجال حقوق الإنسان.
وتقول الباحثة في القانون الدستوري كوثر السعودي، في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن "مرجعية الحريات والحقوق في المغرب تكمن في الدستور الذي استوعب المطالب الشعبية، وحمى البلاد من سيناريوهات السلطوية"، مشيرة إلى "احتواء الدستور على باب كامل يحدد المبادئ الخاصة بالحقوق والحريات".
وأضافت أن البلاد "قطعت أشواطا كبيرة في ضمان العدالة لمواطنيها من خلال فصل رئاسة النيابة العامة عن وزارة العدل، إضافة إلى إعادة النظر في تركيبة المجلس الأعلى للسلطة القضائية لتشمل أعضاء من غير القضاة، فضلا عن توسيع صلاحياته"، مما يجعل المغرب من أكثر البلدان اهتماما بتحقيق "مبادئ المحاكمة العادلة وحقوق المتقاضين".
ولفتت السعودي إلى أن "العدالة والحرية في المغرب تسيران في تناغم تام، فمن جهة نجد أن المؤسسات الدستورية تمارس رقابة غير مباشرة على تحقيق العدالة بين المواطنين، ومن جهة ثانية هناك منظومة قانونية تتيح للمواطنين الحق في الولوج إلى المعلومة"، مشددة على أن "المغرب دولة حق وقانون بالفعل، ودولة حرية بلا أي سقوف، وهذا يشجع المواطنين على احترام القانون بقدر حرصهم على حقوقهم".
وكان رئيس النيابة العامة محمد عبد النباوي، قد أكد في وقت سابق على استقلالية النيابة العامة عن السلطة التنفيذية، معتبرا أن "أي اتهام توجهه النيابة العامة لأي شخص يحق للقضاء الموافقة عليه وإدانة المتهم أو تمتيعه بالبراءة"، في إشارة منه إلى توازن الصلاحيات بين مؤسسات العدالة واستقلاليتها عن بعضها البعض.
الحقوق الاجتماعية.. إصلاحات عميقة
واعتمد المغرب قبل أسابيع قانونا جديدا للحماية الاجتماعية، خصوصا أن البلاد قد اهتمت خلال السنوات الماضية بوضع عدة قوانين وتشريعات في المجال الاجتماعي قوبلت بارتياح كبير، لا سيما بعد استحداث صندوق خاص بالدعم الاجتماعي تزامنا مع انتشار وباء كورونا، ولجوء الحكومة إلى الإغلاق.
وبحسب بعض التقديرات، فإن المملكة تمكنت خلال العقد الماضي من تطوير بيئة الأعمال وتحسين مناخ المقاولات، بسب عدة قوانين مثل توحيد "الدفتر الوطني للفوترة" وتطوير القانون الضريبي، الأمر الذي رفع من الشفافية وشجع آلاف الشباب على الإقدام على خوض غمار تأسيس المقاولات، مما خفض مستويات البطالة خلال السنوات الماضية لتقف عند حدود 8 بالمائة في بداية 2020.
ورغم التأثيرات السلبية لانتشار وباء كورونا على سوق العمل، فإن المغرب قد تمكن من تجنب تلك الآثار، بفضل الدعم الاجتماعي ونشاط البنوك المتوجهة نحو دعم مشاريع مقاولات الشباب، خصوصا بعدما كان العاهل المغربي قد أطلق بداية العام الماضي مشروع "انطلاقة" المخصص لذات الغرض.
حقوق ثقافية
وعلى صعيد آخر، رصد الباحث والكاتب أحمد عصيد أهم المكتسبات في مجال اللغات والثقافة، مشيرا إلى "ترسيم اللغة الأمازيغية في دستور 2011، وإقرار جميع مكونات الهوية الوطنية في الدستور لأول مرة، الأمازيغية العربية الإسلامية الإفريقية اليهودية الصحراوية، مع الروافد المتوسطية والأندلسية".
وفي حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، لفت عصيد إلى "إصدار القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، وكذلك إقرار إدراج البعد العبري للثقافة الوطنية في المقررات الدراسية المغربية"، في إشارة منه إلى تكريس الحقوق الثقافية ضمن الحقوق والحريات في المغرب.
ونبه إلى "أهمية التأكيد في الخطب الرسمية على الثروة اللامادية وعلى التراث الثقافي كرافعة للتنمية، بما في ذلك العناية المتزايدة بالخصوصيات الثقافية للجهات المغربية بعد عقود من ترويج ثقافة المثلث المركزي فاس - الرباط - البيضاء".
وأشاد الباحث بـ"بناء المركبات الثقافية الحديثة والمجهزة في العديد من الجهات التي كانت تفتقر للبنيات التحتية لقطاع الثقافة، من دون أن ننسى طبعا بطاقة الفنان والتغطية الصحية للفنانين".
ريادة المرأة
وفي السياق ذاته، قال الباحث في قضايا الخطاب والنوع الاجتماعي رشيد إيهوم إن المغرب صادق على أغلب الاتفاقات الدولية التي تؤطر حقوق المرأة، مشيرا إلى أن "المملكة راهنت منذ حكومة التناوب في نهاية التسعينيات على خطة إدماج المرأة في التنمية".
ونبه إيهوم في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية"، إلى أهمية "التحكيم الملكي الذي انتهى إلى إقرار مدونة الأسرة سنة 2004، التي ستحمل الكثير من المكتسبات للمرأة المغربية من بينها تحديد سن الزواج عند 18 سنة، ثم وضع شروط صارمة للتعدد، ومنح حقوق أكبر للمرأة والطفل في حالة الطلاق والحضانة، واقتسام المنافع المكتسبة أثناء الزواج، وغيرها".
وشدد على أن "المغرب مع دستور 2011 جعل المرأة في صلب التحول السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وذلك من خلال تشجيعها على المشاركة السياسية عبر نظام الكوتا القائمة على مبدأ التمييز الإيجابي لفائدة النساء"، مما انعكس، بحسب إيهوم، على "الرقي بالوضعية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للمرأة المغربية".