تتوالى مؤشرات عودة العراق لعمقه الاستراتيجي العربي، الأمر الذي يتفق المراقبون والخبراء في العراق ومختلف الدول العربية على أهميته وضرورته الملحة لمساعدة هذا البلد في مواجهة التحديات الوجودية الكبيرة، التي تعترضه وتهدد وحدته وسلامة أراضيه نتيجة تربصات إقليمية شاخصة ببلاد ما بين النهرين.
وبما يعيد للمنظومة العربية أحد أهم أركانها وبلدانها، فالعراق هو بلد مؤسس للجامعة العربية، وحضوره الضعيف والهزيل في الساحتين العربية والإقليمية، بقدر ما يضعفه كبلد، فإنه يضعف الموقف العربي عامة، بنفس الدرجة كما يرى المراقبون السياسيون.
وفي هذا السياق أتت زيارة نائب وزير الدفاع ونائب رئيس هيئة الصناعات العسكرية السعودي، الأمير خالد بن سلمان بن عبد العزيز، الثلاثاء، للعاصمة العراقية بغداد، والتي يرى معلقون سياسيون وخبراء أمنيون عراقيون أنها مهمة جدا لرفع مستويات التعاون والتبادل بين الطرفين، لا سيما على الأصعدة الأمنية والعسكرية، فضلا عن ما تحمله من رسائل مفادها بأن الدول العربية مصممة على تطوير علاقاتها مع العراق وملء الفراغ الذي أحدثه الغياب العربي عن هذا البلد، ما أضعف موقفه الإقليمي وجعله محط أطماع وتعديات من قبل قوى إقليمية محيطة به.
عن أهمية مثل هذه الزيارات والاشارات الايجابية المتواترة والمتصاعدة بين العراق والدول العربية لا سيما الخليجية منها، يقول رئيس مركز التفكير السياسي في بغداد إحسان الشمري في حوار مع "سكاي نيوز عربية" :"العودة العراقية للمنظومة العربية تأتي في إطار نهج جديد يعتمده العراق قوامه أن الجوار والمحيط العربيين هما الامتداد الطبيعي والتكميلي للعراق والمساعد والعضد الأول له في وجه الأزمات والتحديات، خاصة دول الخليج العربية، لا سيما دولتي الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، بما هما دولتا ارتكاز سياسي اقتصادي عربيا وإقليميا".
وأوضح أن "تنامي العلاقات مع الإمارات والسعودية ومع المنظومة العربية بشكل عام، يساهم بشكل لا يقبل الجدل في معالجة وحل الكثير من المعضلات والأزمات الداخلية العراقية، إضافة لتثبيت مبدأ التوازن في علاقات العراق الخارجية، ووضع حد لهندسة علاقاته الخارجية على أساس أحادي، كما كان الحال مع الحكومات العراقية السابقة، التي اعتمدت على إيران".
ويتابع الشمري: "هذا النهج الجديد لا يقتصر فقط على التعاون، في قضايا السياسة والأمن والاقتصاد، والطاقة والاستثمار، إنما امتد ليشمل الجوانب الثقافية والروحية، فالدبلوماسية الشعبية مهمة جدا في تمتين هذه العلاقات وترسيخها، حيث أن التعاون والتكامل في المجالات الثقافية خصوصا ملح وضروري، وخير شاهد مبادرة دولة الإمارات العربية المتحدة مثلا لا حصرا، في التكفل بإعادة بناء وترميم جامع النوري الكبير ومأذنة الحدباء في مدينة الموصل، فضلا عن جملة الاتفاقات الإماراتية العراقية، والسعودية العراقية".
ويردف الأستاذ في جامعة بغداد، في حديثه إلى "سكاي نيوز عربية": "هذه الخطوات تسهم بطبيعة الحال في تكريس وتعزيز العلاقات بين الشعب العراقي والشعبين الإماراتي والسعودي ومختلف الشعوب العربية، وتظهر أن الدول والنظم السياسية العربية المعنية، فضلا عن سياق العلاقات البينية الدبلوماسية، تركز على تقريب الشعوب من بعضها وعلى تطوير مختلف جوانب العلاقات بينها الثقافية والصحية والتعليمية وغيرها من مجالات تعاونية وتكاملية رحبة".
وأضاف أن "هذا يعطي انطباعا ايجابيا جيدا لدى العراقيين بوجود اهتمام بالغ وعال المستوى في هذه البلدان العربية، للانفتاح على العراق واحتضانه على قاعدة الود والأخوة والمصالح المشتركة بين الشعوب والدول العربية".
وقد توالت في الأسابيع القليلة الماضية، زيارات كبار المسؤولين العراقيين لعدد من الدول العربية المهمة والمركزية، لا سيما الزيارتان المتتابعتان لرئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي لكل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وما تمخض عنهما من جملة اتفاقيات وتفاهمات متعددة الجوانب سياسيا واقتصاديا وثقافيا.