بعد أن تمكنت حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا من توحيد أغلب مؤسسات البلاد، تبقى الجهود الرامية إلى دمج العسكريين في كيان موحد هي الأهم والأصعب في الوقت الراهن، وسط تحديات أمنية داخلية وأخرى تتربص على الحدود.
والأسبوع الماضي، أكد رئيس حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة أن هذا الأمر (توحيد المؤسسة العسكرية) يجب أن يتم إنجازه "في أسرع وقت، وقبل الانتخابات" المقررة في 24 ديسمبر المقبل، حتى "نصل إلى انتخابات حقيقية وواقعية وفى أفضل أجواء ممكنة".
وتبزغ جهود توحيد المؤسسة العسكرية في ليبيا في سلسلة الاجتماعات الأخيرة مع قيادات عسكرية، جنبا إلى جنب مع دعم دولي لإنجاز هذه المهمة، بينما يحبس الليبيون أنفاسهم انتظارا لتنفيذ جملة من الخطوات المهمة التي أقرها الاتفاق السياسي، ومن شأنها تمهيد الطريق لجيش ليبي موحد.
وعلى رأس هذه الخطوات، إخراج المقاتلين الأجانب وتفكيك الجماعات والميليشيات المسلحة والمتطرفة، مع العمل على دمج "الأفراد الصالحين منهم"، طبقا لتعبير مدير إدارة التوجيه المعنوي في الجيش الوطني الليبي اللواء خالد المحجوب في تصريحات سابقة له، اعتبر خلالها أن تلك الخطوات مهمة ورئيسية لتوحيد المؤسسة العسكرية.
المشكلة الأساسية
ويعد توحيد المؤسسة العسكرية "مسألة حساسة وشديدة التعقيد ما لم تخرج من إطار ربطها بأفراد"، وفق ما يؤكد السياسي الليبي أحمد الصويعي لموقع "سكاي نيوز عربية"، مشيرا إلى أن "هناك صعوبات جمة تحول دون ذلك".
من بين هذه الصعوبات بحسب الصويعي "سحب الأسلحة وتطبيق برنامج إصلاح أمني لإنهاء أدوار القوى الخارجية في دعم طرف ضد آخر، من أجل تمهيد الطريق نحو الاستقرار وترسيخ العملية السياسية وللعبور للمرحلة الدائمة والخروج من نفق المراحل الانتقالية".
ويضيف المصدر: "للأسف إلى اليوم لم نر أهم نقطة وهي إخراج المرتزقة من دون استثناء من مختلف أنحاء البلاد، وتقليم مخالب الخارجين عن سلطة القانون"، موضحا أن "من أكبر العراقيل المفتعلة التي تحول دون بلوغ حل جذري للأزمة الليبية وجود مرتزقة أجانب وميليشيات محلية مدعومة من الخارج. هؤلاء سيقفون ضد أي مسار يؤدي لإنهاء حالة الفوضى العارمة التي يقتاتون منها".
ويقول الصويعي: "لا أعتقد أن هناك مسارا سياسيا ما سيحصل. ترحيل المواعيد هو ما يلوح في الأفق. المجتمع الدولي هو من وضع مواعيد مثل المفخخات ولم يضع جدولا دقيقا ومدروسا، ولم يأخذ في اعتباره وضع آليات محددة لتنفيذ إخراج المرتزقة ومعاقبة المعرقلين وتوحيد المؤسسة العسكرية وتجنيبها الدخول مرة ثانية في التجاذبات السياسية".
وسوف تكون الانعكاسات خطيرة على مختلف المستويات في اعتقاد الصويعي، و"خطرها سيكون أكبر على السلم والأمن الاجتماعي لأن ذلك مقرون بحالة الاستقرار. وجود السلم الأهلي أو المجتمعي يرجح حالة الاستقرار وفقدانه يؤدي إلى عدم الاستقرار. نحن لا نريد أن تصل بلادنا لحالة عدم الاستقرار، لذلك يجب إعطاء أولوية كبرى لملف المصالحة الوطنية الشاملة لما لها من أهمية في تضميد جراح أبناء الوطن وتوحيد كلمتهم ورفع الغبن عن المظلومين؛ فبلادنا في حاجة ماسة وأساسية لتوحيد الإرادة الوطنية لتحقيق السلام وإعلاء قيم الخير، وبلا شك المجتمع الدولي وضع أنفه في كل كبيرة وصغيرة في ليبيا وعليه احترام الشعب الليبي وعدم التدخل في شؤونه مطلقا حتى يتمكن من رسم مستقبله وتحقيق آماله وتطلعاته".
الجنوب وتشاد
وقبل أيام، أعلن المجلس الرئاسي الليبي على لسان نائب رئيسه موسى الكوني، أنه "تم إنجاز الكثير في ملف توحيد مؤسسات الدولة"، وأن "العمل جار من أجل توحيد المؤسستين العسكرية والمالية"، وذلك خلال لقاءات أجراها جنوبي البلاد مع قيادات عسكرية، أكد خلالها أن العمل "سيبدأ من الجنوب بخطوة توحيد المؤسسة العسكرية لاستعادة الثقة".
وتلقي الأحداث التي تشهدها تشاد بظلالها على الجنوب الليبي، وتضع البلاد أمام مهمة تسريع العمل على ملف توحيد المؤسسة العسكرية، وسط مخاوف من أن تؤدي الأوضاع في تشاد إلى دخول البلاد في حالة فوضى بما ينعكس بشكل مباشر على ليبيا.
وقال السفير الأميركي لدى ليبيا ريتشارد نورلاند في بيان له، إن الأحداث في تشاد "تؤكد على الحاجة الملحة لتوحيد جميع العناصر العسكرية في ليبيا بهيكل واحد، يمكنه السيطرة على حدود البلاد وحماية السيادة الليبية"، داعيا إلى سرعة توحيد المؤسسة، وذلك عقب لقاء جمعه قبل أسبوعين مع الكوني.
مؤسسة واحدة
ويعتقد رئيس مجموعة العمل الوطني الليبي خالد الترجمان، أن "المؤسسة العسكرية واحدة ولم تتشظّ، ولم تكن مؤسستين على الإطلاق، لكن في الغرب هناك ميليشيات مسلحة وجماعات مناطقية وجهوية، تحمل السلاح خارج نطاق الدولة والمؤسسة العسكرية من دون تدريب أو خضوع لنظم وقوانين المؤسسة العسكرية".
ويوضح الترجمان في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "المؤسسة العسكرية واحدة، متواجدة في شرق ووسط وجنوب البلاد تقودها قيادة موحدة منبثقة من مجلس النواب، وهو السلطة التشريعية الوحيدة في البلاد، وهذه المؤسسة تضم كافة الليبيين. هم ضباط وضباط صف وجنود في هذه المؤسسة".
ويلفت الترجمان إلى أن "المسألة بالنسبة لكثيرين من أبناء الغرب مرتبطة بعدم قدرتهم لأسباب أسرية وأمنية واقتصادية، على الانضمام للمؤسسة العسكرية، كون أن هذا سيعرض أسرهم ويعرضهم للخطر والملاحقة من الميليشيات المسلحة والإرهابية والجماعات الجهوية والمناطقية".
ويردف: "بالتالي الحديث عن مسألة توحيد المؤسسة العسكرية غير واقعي، فالحديث لا بد أن يتم بإقرار مخرجات الاتفاق السياسي عبر تفكيك الميليشيات المسلحة وجمع السلاح وترحيل كل القوات الأجنبية، وبالتالي ترك السيطرة العسكرية للقوات المسلحة كي تؤمن البلاد غربا كما تفعل شرقا ووسطا وجنوبا، وكذلك دعم دور الأجهزة الأمنية والشرطية للقيام بمهامها الأساسية في تأمين المواطن، حتى نستطيع أن نتحدث بعد ذلك عن الذهاب إلى انتخابات برلمانية ورئاسية في ظل قاعدة دستورية جديدة، وفي ظل حالة من الأمن تخلقها المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية والشرطية".