تتواصل أزمة الصراع حول السلطة في تونس وتحتد مع كل تصريح جديد ونشاط ميداني أو تحرك ديبلوماسي لأحد الرؤساء الثلاثة، فالخلاف بين رئيس الجمهورية قيس سعيد من جهة ورئيس البرلمان راشد الغنوشي ورئيس الحكومة هشام المشيشي من جهة أخرى أصبح أكثر وضوحا للعيان داخل البلاد بعد المستجدات الأخيرة.
ففي آخر تصريحات أدلى بها الجمعة أثناء زيارة لوزارة الداخلية جدد رئيس الدولة قيس سعيد تأكيده على أنه القائد الأعلى للقوات المسلحة معلنا رفضه توظيف بعض الأطراف، التي لم يسمها، لأجهزة الدولة خدمة لمصالحها، ويفهم من تصريحات سعيد أنها إشارة إلى رئيس الحكومة هشام المشيشي الذي يتولى أيضا حقيبة وزارة الداخلية منذ أن أقال وزير الداخلية في يناير الماضي.
وقد كانت إقالة الوزير المقرب من قيس سعيد الشرارة التي أججت نيران الخصومة بينه وبين رئيس الحكومة، لتتعمق أكثر مع رفض سعيد المصادقة على تحوير وزاري على أحد عشر حقيبة وزارية حظي بأغلبية برلمانية ورفضه رئيس الجمهورية بسبب إخلالات دستورية وشبهات فساد تعلقت بأسماء في قائمة الوزراء المعنيين بالتعديل على تركيبة حكومة هشام المشيشي.
يأتي هذا في وقت يعود فيه رئيس البرلمان ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي إلى التحرك من جديد دوليا من خلال زيارة غير معلنة إلى قطر، ستعقبها زيارات أخرى إلى عدة دول وفق بيان حركة النهضة، وذلك في إطار تنشيط الدبلوماسية البرلمانية كما سماها بيان النهضة وهو ما اعتبره مراقبون تحديا جديدا للرئيس قيس سعيد والتفافا على صلاحياته الديبلوماسية حيث يمنحه الدستور الحق الحصري لتمثيل تونس خارجيا، كما وصفوا ابتكار راشد الغنوشي لمفهوما سياسيا دخيلا وهو "الديبلوماسية البرلمانية"، يهدف لتبرير تحركات حزبه الخارجية وتأكيدا على ارتباطه بتنظيم الإخوان.
اشتدت معركة الصلاحيات بين رؤوس السلطة الثلاثة وتمحورت في صراع حول القيادة العسكرية والأمنية والصلاحيات الدستورية، يوازيه صراع آخر حول الصلاحيات الدبلوماسية ومن يرسم شكل علاقات تونس الخارجية وتغذيهم معركة إرساء المحكمة الدستورية.
وقال النائب زهير المغزاوي أمين عام حركة الشعب إن الصراع هو سياسي بالأساس بين تصورات جماعة ما يسمى بـ"الإسلام السياسي" الذين يريدون السيطرة على الدولة من جهة ووجهة نظر رئيس الجمهورية والقوى الديمقراطية التي تدافع على مشروع دولة مدنية ذات سيادة من جهة أخرى.
وعبر النائب في تصريحات للموقع عن أسفه على "توظيف مشروع المحكمة الدستورية في هذا الصراع مما يجعل ولادتها أمر مشكوك فيه وحتى إن نجح إرساءها فلن تكون الحكم والحامي للمسار الديمقراطي كما يقتضي دورها".
من جهته اعتبر المتحدث باسم الاتحاد العام التونسي للشغل سامي الطاهري في تدوينة له أن حركة النهضة تمارس الفتنة في علاقة بالأزمة السياسية الراهنة في تعليق على تصريح القيادي بحركة النهضة علي العريض الذي أكد فيه أن "الحوار من دون رئاسة الجمهورية ليس مستحيلا ويمكن أن يتم بين الأحزاب والمنظمات الاجتماعية ويفضي إلى خير كثير للبلاد".
وعلق المحلل السياسي مراد علالة بأن عودة صراع الأجنحة حول السلطة في تونس ستزداد معه المخاوف من نقله من جديد إلى الشارع في ظل أزمة صحية واجتماعية خانقة تمر بها البلاد، وأضاف علالة أن سيناريوهات الإنقاذ الممكنة ترجح فرضية التضحية بحكومة هشام المشيشي لتجاوز الخلافات بين قصر قرطاج وبرلمان باردو.
أما أستاذ القانون الدستوري رابح الخرايفي فحذر من تصادم مقبل بين الرئاسات في حال لم يتعقل قيس سعيد بعد أن اختار راشد الغنوشي التصعيد والمواجهة المباشرة بعد أشهر من المناورات وصراع الوساطة عبر رئيس الحكومة، ورجح الخرايفي أن بوادر الانفراج السياسي مازالت غير واردة بالنظر لعناصر الصراع الجديدة.