بعد 7 سنوات كاملة ظل فيها مطار طرابلس الدولي في ليبيا محاطا بالرماد والركام إثر الحرب الذي شنها تنظيم الإخوان الإرهابي عام 2014، أعلن وزير المواصلات في الحكومة الليبية محمد الشهوبي، بدء تنفيذ المرحلة الأولى لإعادة إعمار المطار بعد عطلة عيد الفطر المبارك.
ووفق بيان الوزارة، فإن المرحلة الأولى تشمل مسحًا شاملًا لأرض المطار والكشف عن المتفجرات والألغام ومخلفات الحرب وإزالتها من قبل إدارة الهندسة العسكرية.
ومن المتوقع أن تصل تكاليف إعمار مطار طرابلس لأكثر من مليار دولار حتى يعود للخدمة؛ حيث يشمل بناء المدرجات والصالات الأساسية والفرعية وأبراج المراقبة والتي لم يتبقى منها شيء إثر القصف.
ومطار طرابلس الدولي شاهد على جريمة كبرى أقترفها تنظيم الإخوان بحق الشعب الليبي من قتل وتدمير لمقدرات الدولة خلال ما اشتهر باسم حرب "فجر ليبيا"، حتى وصلت فاتورة الخراب التي طالت طرابلس من هذه الحرب لأكثر من 7 مليارات دولار بحسب حصيلة رسمية.
حرب الـ 14 يوما
واستمرت الحرب 14 يوما من الرعب، ما زالت نيرانها محفورة في ذاكرة شهود عيان، بعد أن تسببت- إلى جانب تدمير المطار- في قتل 300 شخص، بينهم مدنيين وأطفال.
ويروي الدكتور سامر العذابي، والذي يسكن في حي زاوية الدهماني بطرابلس، لـ"سكاي نيوز عربية" أن الحرب اندلعت في منتصف شهر رمضان عام 2014، بعد مؤشرات دلَّت على أن جماعات الإسلام السياسي سيشنون حربا ضارية على الغرب الليبي، بعد أن تمكن الجيش بقيادة المشير خليفة حفتر من السيطرة على الأوضاع في بنغازي، وطرد الميليشيات الإرهابية، بالتوازي مع خسارة تنظيم الإخوان لانتخابات مجلس النواب، حتى أنهم لم يستطيعوا جمع أكثر من 10% من المقاعد.
وبدأت الحرب- يتابع العذابي- بتمهيد تولاه إعلام الإخوان، خاصة قناة "النبأ" لعملية عسكرية إجرامية بالتشكيك في نتائج الانتخابات، ورفعوا شعار "حماية الثورة"، وكأن هم وحده من له الحق الوحيد في ممارسة الحياة السياسية والفوز بمجلس النواب، وحماية ثورة قام بها الشعب الليبي، وكانوا هم دخلاء عليها.
هذه "الحماية" التي ادَّعوها طبقوها بأن منعوا مجلس النواب الجديد من الانعقاد في العاصمة طرابلس، حتى اضطر المجلس للانعقاد في مدينة طبرق شرق البلاد بعد تأمين الجيش الليبي له.
وبحسب العذابي، فإن مما زاد من سُعار الإخوان هو أن أوروبا وكثير من الدول الإقليمية اعترفوا بشرعية المجلس، وبحقه في تشكيل حكومة تدير البلاد.
في هذه الفترة كان يتولى رئاسة الحكومة في طرابلس عبد الله الثني الذي أكد على تمسكه بالشرعية الليبية ممثلة في مجلس النواب، وأنه لن يعمل إلا بأمره؛ ليتلقى تهديدات صريحة من تنظيم الإخوان؛ دفعته للرحيل إلى طبرق والعمل منها.
وفي صباح يوم 21 يوليو استيقظ الليبيون على أصوات انفجارات ضخم، وطلقات نار لا تتوقف؛ لتعلن وسائل إعلام الإخوان أن عملية تسمى "فجر ليبيا" انطلقت بحجة حماية الثورة، وأعلن التنظيم عدم اعترافه بالانتخابات، وأن أعضائه في المجلس لن يذهبوا لحضور الجلسات، وفق العذابي.
ويًذكِّر العذابي باسم شهير في التنظيم، حمل على كتفه تنفيذ المخطط الأكبر من هذه حرب الغل والكراهية هذه، وهو المدعو صلاح بادي، أحد قيادات التنظيم والموضوع على قوائم الإرهاب الدولي، فهو من دمر مطار طرابلس، وله فيديوهات كثيره وهو بجوار أسوار المطار يطلب من أعوانه ضربه بالمدفعية الثقيلة؛ حتى استمر القصف على المطار أكثر من أسبوع ليُباد عن آخره، دون اكتراث بمصالح الليبيين المسافرين، أو بأموالهم التي أُهدرت بتدمير مطارهم.
ويواصل شاهد العيان، أن كل الطائرات داخل المطار أحرقت باستثناء ثلاث طائرات استطاع قائديها الهروب بهم من جحيم المليشيات، حيث حطوا في مطارات بمدن أخرى.
قصف مصدر رزق الليبيين
ولم يقتصر لهيب غل قلوب الإخوان على حرق وإبادة المطار فقط، بل امتد إلى كل ما استطاع أن يطاله من ثروات وممتلكات الليبيين؛ وكأنه يعاقبهم بأبشع انتقام لمجرد أن مارسوا حريتهم في اختيار من يمثلهم.
"منذ هذه الحرب ونحن نعيش أسرى لفوضى الإخوان وميليشياتها؛ فهذا العمل الإجرامي لم يطول مطار طرابلس فقط، بل تم ضرب خزانات النفط وأبراج الكهرباء، فضلا عن اقتحام كل الوسائل الإعلامية الداعمة للجيش والشرطة والرافضة للإخوان، وتم خطف مجموعة كبيرة من الإعلاميين"، بحسب العذابي.
شاهد عيان آخر، كان في قلب المطار وقت إبادته، هو المواطن الليبي عبد الرحمن الجراي، ووقتها كان من المسؤولين عن نقل وقود الطائرات من خزانات النفط إلى داخل المطار.
يقول الجراي لـ"سكاي نيوز عربية" إنه في هذا اليوم كان العمل يسير بشكل طبيعي، ويستعد مع زملائه لنقل صهريج به وقود طائرات داخل المطار؛ ليتفاجأ بصواريخ هاون تسقط داخل المطار، وفي البداية تخيل أنه مجرد حادث بسيط، ولكن القصف استمر أكثر من 6 ساعات كاملة لنجد أن النيران بدأت التهام الطائرات وصالات الانتظار وأبراج المراقبة.
وفي هذا الوقت، يتابع الجراي "تفاجأنا بقصف يسقط أيضا على خزانات النفط استمر أكثر من ساعتين حتى اشتعل الحريق داخل الخزان السادس، وعجزنا عن السيطرة عليه في البداية ليصل الحريق إلى باقي الصهاريج، وتخرج جميعها من الخدمة".
في نفس الوقت حاولت قوات الجيش الموجودة داخل المطار إنقاذ ما يمكن إنقاذه، ويصف الجراي هذا بقوله: "استطاعت القوات أن تربط في المطار أياما كثيرة، إلا أن الدعم اللامحدود الذي وصل لميليشيات الإخوان وكمية الذخائر التي بحوزتهم أعاقت الجيش عن الدفاع أكثر من ذلك".
الفخر بالخراب
وعن دور صلاح بادي الذي تزعم ميليشيا تتبع الوفاق تحت مسمى "لواء الصمود"، يقول شاهد عيان إنه "بمجرد سيطرة قوات المجرم صلاح بادي على المطار، أمر بحرق كل ما يوجد بداخله، وبتدمير المدرجات حتى لا تستطيع أي طائرة الدخول إليه، كل هذا موثق بالأدلة والفيديوهات؛ حيث أن تدمير المطار كان فخرا لهم.
شاهد ثالث، هو سامي الغريب، أحد العمال المصريين في ليبيا خلال ذلك الوقت العصيب، وهو يعمل في أحد المطاعم، يقول لـ"سكاي نيوز عربية" إن الحرب اندلعت في النصف الأول من رمضان، ووقتها كان يستعد لزيارة أهله في محافظة الشرقية بمصر؛ فحجز على طائرة شركة مصر للطيران من مطار طرابلس على رحلة بتاريخ 22 يوليو، أي بعد حرب المطار بيومين.
ولكنه تفاجأ بالأخبار تقول إن مطار طرابلس تدمرت مدرجاته وطائراته يوم 20 يوليو، وشركة مصر للطيران ألغت كل الرحلات لوقت غير مسمى، وأن طائرة مصرية في الأجواء ذاهبة إلى المطار تم إخطارها بما يحدث في المطار فعادت للقاهرة؛ ما اضطره أن يظل حبيسا داخل ليبيا 6 أشهر لم يستطع الخروج منها إلا بمعجزة، حسب وصفه.
ويقول الغريب إن البديل الوحيد لمطار طرابلس وقتها هو مطار معيتيقة الدولي، ولكن لم يستطع أحد وقتها الحصول على تذكر سفر بسهولة؛ لأن كل الدول تقريبا علقت الطيران من طرابلس بسبب الأوضاع الأمنية.
وأدت معارك فجر ليبيا بحسب إحصائيات رسمية إلى تدمير المطار بشكل شبه كامل جراء القصف العشوائي، وتشريد عشرات العائلات المقيمة في محيطه، ومئات العائلات الأخرى من وسط طرابلس.
"معركة وجود"
وبحسب محللين وخبراء فإن حرب "فجر ليبيا" كانت لتنظيم الإخوان وقتها "معركة وجود" في ظل الهزائم السياسية والشعبية الساحقة لهم في انتخابات البرلمان.
و"معركة الوجود" هذه ما زالت تتقد في صدور تنظيم الإخوان؛ فهذه الأيام يسعى التنظيم إلى تعطيل المصالحة الوطنية، والإجراءات السياسية الممثلة في التعيينات الجديدة في المناصب السيادية وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة ديسمبر المقبل؛ جزعا من أن يصابوا فيها بمزيد من الخسائر التي تُخرجهم من الساحة الليبية نهائيا.
واشتعل قلق "الإخوان" في هذه الناحية بعد أن بدا لهم من قوائم المرشحين للمناصب السيادية خلوها من أذرعهم القديمة فيها، وبخاصة الصديق الكبير، رئيس المصرف المركزي، وخالد شكشك، رئيس وديوان المحاسبة.
وقد يشمل هذا التعطيل محاولة لخلق توتر وفوضى جديدة في البلاد، أو تعطيل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة نهاية العام.