تكشف الولايات المتحدة الأميركية عن استراتيجية تقوم على دفع الأطراف المتنازعة بشأن ملف سد النهضة، للوصول إلى مقاربة تؤكد على حق إثيوبيا في بناء منشآتها المائية، مع أهمية حصول دولتي المصب السودان ومصر على البيانات والمعلومات التي تمكنهما من وضع توقعات مستقبلية صحيحة، تجنب أي اضرار محتملة من السد.
وفي محاولة لكسر جمود مفاوضات سد النهضة المستمرة منذ عام 2011، زار المنطقة، منتصف الأسبوع، وفد من الكونغرس الأميركى بقيادة السناتور كريستوفر كونز، عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، ورفقة السناتور كريس كريس فان هولن.
كما عينت الإدارة الأميركية مؤخرا جيفري فيلتمان مبعوثاً جديداً للولايات المتحدة في منطقة القرن الإفريقي، التي تعاني من أزمات شائكة، أبرزها الخلافات الحادة حول سد النهضة بين إثيوبيا والسودان ومصر.
مهمة معقدة
وتتصدر أزمة سد النهضة، الذي تبنيه إثيوبيا على بعد 15 كيلومترا من الحدود السودانية بكلفة 5 مليارات دولار، وبطاقة تخزينية تقدر بنحو 74 مليار متر مكعب، أجندة المبعوث الأميركي الجديد في المنطقة، حيث تتزامن مهمته مع وصول أطراف النزاع الثلاثة إلى طريق مسدود بعد فشل الاجتماعات التي استضافتها كنشاسا عاصمة الكونغو الديمقراطية، التي ترأس الاتحاد الإفريقي حاليا، خلال الفترة من الرابع وحتى السادس من أبريل.
وستكون أمام فيلتمان مهمة حث الدول الثلاث على تجديد الالتزام السياسي والتوصل إلى اتفاق في الوقت المناسب، وفقا لاتفاق المبادئ الموقع عليه بين الدول الثلاث في 23 ماس 2015.
وتأتي الخطوة الأميركية الحالية في وقت تمضي فيه إثيوبيا نحو تنفيذ خططها، إذ قامت بفتح البوابات العلوية للسد عند مستوى منسوب 540، وذلك بهدف تخفيض المياه، استعدادا لعمليات صب الخرسانة وتعلية السد إلى مستوى قد يصل إلى 595 مترا، تمهيداً للبدء في الملء الثاني لبحيرة السد.
وفي ظل انسداد الأفق الحالي تبرز تساؤلات بشأن فرص نجاح الدبلوماسية الأميركية هذه المرة، بعد إخفاق جهودها العام الماضي، بعدما كادت تسفر عن اتفاق ثلاثي انسحبت منه إثيوبيا في اللحظة الأخيرة.
الظروف الداخلية
ووفقا لوزير الري السوداني الأسبق، عثمان التوم، فإن الرؤية الأميركية تتماشى مع ما ظل السودان يطالب به منذ أمد بعيد، وهو الوصول إلى آلية تنسيق محكمة تتيح تبادل البيانات والمعلومات المتعلقة بملء بحيرة السد والتشغيل.
لكن التوم يشير إلى نقطة محورية تتمثل في الظروف الداخلية الحالية في البلدان الثلاثة، التي تجعل من الصعب توقع الوصول إلى اتفاق نهائي قبل عملية الملء الثاني لبحيرة السد خلال الشهرين المقبلين، التي تبدو كأنها اصبحت امرا واقعا.
ويقول التوم لموقع" سكاي نيوز عربية" إن الحكومة الإثيوبية مقبلة على انتخابات رئاسية وبرلمانية يشكل سد النهضة أهم عناصرها.
ويتوقع التوم أن تشكل المعادلة الأميركية المطروحة حاليا مؤشرا مهما لما قد تمضي إليه الوساطات الدولية خلال الفترة المقبلة، وذلك نظرا للتأثير الكبير الذي تحظى به السياسة الأميركية في المنطقة، وفي ظل حاجة الدول الثلاث لعلاقات أفضل مع المجتمع الدولي.
استراتيجية متوازنة
ويقول المحلل والباحث الإثيوبي، موسى شيخو، إن واشنطن تدفع أديس أبابا في اتجاه القبول بتبادل البيانات، لكنها لا تطرح مبادرة منفصلة عن جهود الاتحاد الإفريقي، وذلك في إطار استراتيجية تقوم على دفع الاطراف الثلاثة للتوصل إلى اتفاق، بدلا من توتير الأجواء.
ويرى شيخو أن الخطوات والجهود الأميركية الأخيرة تعكس التغير الكبير في طريقة تعاطي الإدارة الأميركية مع ما يجري في منطقة القرن الإفريقي، وخصوصا ملف سد النهضة.
ويقول شيخو لموقع "سكاي نيوز عربية" إن إدارة الرئيس جو بايدن تدرك أن المحافظة على وجود قوي للولايات المتحدة في المنطقة يتطلب إقامة علاقة متوازنة بين جميع الأطراف، ويوضح أن خطوة ترشيح مبعوث خاص للقرن الإفريقي يدل على اهتمام واشنطن بالمنطقة التي تشكل إثيوبيا محورا مهما فيها.
إظهار القوة
وفي ذات السياق، يرى عصام الدين محمد صالح الباحث في قضايا المياه والشأن الإفريقي أن الاتصالات المكثفة التي أجرتها الوفود الأميركية في العواصم الثلاث بشأن سد النهضة تسعى إلى إظهار قوة وهيمنة الولايات المتحدة الأميركية والإدارة الجديدة على السياسة الدولية، وقدرتها على حل جميع النزاعات باعتبارها قوة عظمى، وتوجيه رسائل إلى بؤر ومناطق الصراعات والنزاعات في العالم، عبر قدرتها على التدخل والوصول إلى حلول.
ويشير صالح إلى بروز الولايات المتحدة بعد نهاية الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفيتي كقوة مهيمنة، ومؤثرة على مجريات الأحداث ومسارات العلاقات الدولية.
ووفقا لصالح فإن الاهتمام الأميركي بمنطقة حوض النيل يأتي باعتبارها إحدى أبرز المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية في العالم، إذ تشير الأوراق والوثائق المنشورة عن وزارة الخارجية الأميركية إلى أن قضايا المياه تمثل أحد أسباب الحروب والتوترات الحالية، أو المستقبلية.
جدل ومخاوف
وتتخوف الولايات المتحدة من أن تؤدي الخلافات الحالية بين السودان وإثيوبيا ومصر حول سد النهضة إلى تأجيج نزاعات المياه في المنطقة.
يشار إلى أن إثيوبيا أعلنت في مناسبات عدة عدم ممانعتها تبادل معلومات الملء والتشغيل مع السودان، لكنها ترفض التوقيع على اتفاق ملزم بهذا الشأن.
ومن جانبه يقول السودان إنه يسعى للتوصل إلى اتفاق ملزم يقلل المخاطر المتعلقة بالجوانب البيئية، أو تلك التي تتصل بسلامة سد الروصيرص الذي يبعد نحو 100 كيلومترا من السد الإثيوبي.
ويتمسك السودان بضرورة التوصل لآلية تنسيق محكمة تضمن عدم حدوث أي أضرار لسدوده الواقعة على النيل الأزرق، في حال الملء والتشغيل الأحادي لسد النهضة.