صفقة جديدة أبرمتها القوات المسلحة المصرية، ضمن استراتيجيتها المستمرة لتحديث ورفع كفاءة أنظمتها العسكرية، تتضمن توقيع عقد مع فرنسا لتوريد 30 طائرة من طراز "رافال" متعددة المهام.
كانت القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية أعلنت الاثنين، أن مصر وفرنسا وقعتا عقد توريد 30 طائرة طراز وذلك من خلال القوات المسلحة المصرية وشركة "داسو أفياسيون" الفرنسية على أن يتم تمويل العقد المبرم من خلال قرض تمويلي يصل مدته كحد أدنى 10 سنوات.
وأشاد خبراء عسكريون ومحللون مصريون في تصريحات خاصة لـ"سكاي نيوز عربية"، بالصفقة العسكرية الجديدة، وبقدرات الطائرات الرافال التي تتميز بقدرات قتالية عالية تشمل القدرة على تنفيذ المهام بعيدة المدى.
استراتيجية الردع
وقال رئيس جهاز الاستطلاع الأسبق والمستشار بأكاديمية ناصر العسكرية اللواء نصر سالم، إن إضافة الـ 30 طائرة رافال سوف يزيد من القدرة القتالية للقوات الجوية المصرية، وبالتالي زيادة قدرات الدولة الشاملة لتحقيق استراتيجية الردع التي تضمن تأمين مقدرات الدولة والحفاظ على الأمن القومي، دون الاضطرار للدخول في الحروب التقليدية.
وأضاف "سالم"، أن مصر "دولة تحمي ولا تهدد، تصون ولا تبدد"، ومن ثمَّ تتخذ استراتيجية الردع كاستراتيجية ثابتة للحفاظ على أمنها القومي.
وأوضح أن استراتيجية الردع تعني امتلاك قدرات أكبر من قدرات العدو، سواءً أكانت عسكرية أو اقتصادية أو علمية أي القدرات الشاملة، وبالتالي فهذه القدرات هي التي تقنع العدو أن أي محاولة للاعتداء سوف تبوء بالفشل وتكون خسائره أكبر من أرباحه.
وأشار إلى أنه في هذا الإطار فمصر تنمي اقتصادها وكتلتها الحيوية، وكذلك قدراتها العسكرية بالشكل الذي يردع العدو عن التفكير في الإضرار بمصالحها أو الطمع في مقدراتها، أو تهديد الأمن القومي المصري، ويجري رفع كفاءة وتحديث مستمر لمنظومة التسليح بالقوات المسلحة على كافة المستويات سواء القوات الجوية أو البحرية أو البرية.
وأشار إلى صفقات التسليح الحديثة تأتي لمواجهة المخاطر التي تحيط بالدولة المصرية، والتي من بينها التهديدات التي تتعرض لها وعلى سبيل المثال ما يحدث في أزمة سد النهضة.
وهذا ما أكده الخبير العسكري وعضو لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب سابقًا، اللواء حمدي بخيت، والذي أشار إلى ما تمثله هذه الصفقة من "قوة ردع كبيرة" لكل شخص يفكر في تهديد مصر.
التحديث ضرورة
وأضاف بخيت أن الصفقة مهمة للغاية لأنها تزيد من قدرات القوات الجوية في ظل التهديدات التي تموج بها المنطقة ووسط حالة من عدم الاستقرار الإقليمي، كما تؤكد قدرة مصر على مواجهة كافة التهديدات التي تحيط بها، إذ أن لمصر اتجاهات استراتيجية متعددة شمالا وجنوبا وغربا وحتى في الشرق.
وشدد الخبير العسكري المصري على أن تحديث أنظمة التسليح بالقوات المسلحة أمر مهم للغاية، بجانب زيادة القدرات العسكرية خاصة القوات التي تمثل قدرة عالية على التصدي للتهديدات مثل القوات الجوية والبحرية والخاصة، لأنها تمثل الذراع الطولى لتأمين الحدود ومصادر الثروة والبحار والاتجاهات الاستراتيجية المختلفة.
مميزات الرافال
وهذه الصفقة ليست الأولى من نوعها بالنسبة للقوات المسلحة المصرية، إذ أبرمت مصر وفرنسا عام 2015، عقدا لتوريد 24 طائرة طراز رافال لصالح القوات الجوية المصرية.
وبحسب المتحدث العسكري المصري، فإن الطائرات طراز رافال تتميز بقدرات قتالية عالية تشمل القدرة على تنفيذ المهام بعيدة المدى، فضلاً على امتلاكها لمنظومة تسليح متطورة، وقدرة عالية على المناورة، وتعدد أنظمة التسليح بها، بالإضافة إلى تميزها بمنظومة حرب إلكترونية متطورة تمكنها من القدرة على تنفيذ كافة المهام التي توكل إليها بكفاءة واقتدار.
وأكد اللواء نصر سالم أن طائرات "الرافال" سلاح ردع قوي، ولها إمكانيات فنية تجعلها في مصاف الطائرات الأولى متعددة المهام على مستوى العالم من حيث المدى أو التسلح أو قدراتها على المناورة أو القدرات الإليكترونية.
كما أشار اللواء حمدي بخيت إلى أن الرافال طائرات قتالية هجومية لديها القدرة على مهاجمة العديد من الأهداف سواءً الأرضية أو القتال جوًا، وهي من الطائرات القتالية متعددة المهام التي تلاقي انتشارًا كبيرًا، وتعطي فرصة في التخطيط واستخدام أكبر عدد منها في اتجاهات متعددة حسب طبيعة التهديد.
شراكة استراتيجية مع فرنسا
وفي نظر الباحث بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، محمد حسن، فإن أهمية صفقة مقاتلات الرافال الجديدة لمصر تكمن في ثلاثة نقاط، أولها أنها تؤشر على عمق الشراكة الاستراتيجية بين القاهرة وباريس في مختلف المجالات وخاصة في الشق الدفاعي والتكنولوجيا العسكرية، إذ تعتبر فرنسا من أبرز موردي السلاح لمصر في الفترة بين عامي 2013 وحتى 2017.
الأمر الثاني بحسب "حسن" أنها تعزز أسطول المقاتلات الفرنسية العاملة بترسانة سلاح الجوي المصري، إذ يبلغ عدد مقاتلات الرافال حتي هذا العقد الموقع الأخيرة حوالي 54 مقاتلة، ما يمنح سلاح الجو المصري قدرة مضاعفة في عمليات الضرب الجراحي الدقيق واختراق العمق المُعادي، ما يعزز من قدرات فرض السيادة الجوية وتباعاً تدعيم منظومة الردع المصرية.
أما الثالث فإن صفقة الرافال الأخيرة توسع من المدى العملياتي لسلاح الجو المصري، لأنها من مقاتلات الجيل الرابع ونصف، ولها قدرات هائلة في الحرب الالكترونية، ومهام التحريم الجوي، والاستطلاع والدعم الجوي القريب، والتهديف الديناميكي أو"ضرب الأهداف التي يتم تعريفها في وقت متأخر جداً أو تلك التي لم يتم تضمينها مع باقي الأهداف المحددة سلفاً" فضلاً عن عمليات الهجوم البحري وفرض مناطق الحظر الجوي.
كما يبلغ مدى "الرافال" العملياتي 1850 كم، ما يمنح الجيش المصري ذراعاً تطال مختلف التهديدات والتحديات داخل مجال مصر الاستراتيجي.
دلالة التوقيت
وبشأن دلالة توقيت إتمام الصفقة، قال الباحث المصري إن الصفقة التي تبلغ نحو 3.75 مليار يورو، تتم في وقت تتشابك فيه المصالح المصرية الفرنسية في عدد من الإحداثيات في شرق المتوسط وليبيا والساحل والصحراء، فضلاً عن مواجهة كل من مصر وفرنسا للتطرف وشبكاته في الداخل.
وأوضح أن الصفقة تؤشر على صدقية الشراكة الاستراتيجية المصرية الفرنسية ككل، وأنها لا تنحصر فقط في الأمور التقنية العسكرية ولكن تشمل جوانب مواجهة الفكر المتطرف، وصياغة أساليب وطرق مواجهته بما يحقق للمجتمع العيش في أمان من النشاطات الخبيثة لهذه التنظيمات عبر وكلائها من المؤسسات الثقافية والاجتماعية والدينية.
وشدد "حسن" على أن الصفقة تأتي في ظل توافق في وجهات النظر المصرية والفرنسية في ملفات شرق المتوسط وليبيا، إذ انضمت فرنسا لمنظمة غاز شرق المتوسط الإقليمية "مقرها القاهرة"، في مارس الماضي بصفة مراقب، كما دعمت فرنسا إعلان القاهرة في يونيو 2020 والذي أسس لعملية التسوية السياسية الشاملة التي تشهدها ليبيا بعدما دفع الإعلان بتثبيت اتفاق وقف اطلاق النار، وكبح حركة القوات المتحاربة عن خط "سرت - الجفرة".