بعد تخرجها من المدرسة العليا للتجارة والتسيير في المغرب، اختارت سلمى الالتحاق بإحدى الجامعات في فرنسا لإتمام دراستها العليا هناك، إلا أنها فشلت في ذلك لعدم توفر شرط من بين أهم الشروط، إتقان اللغة الإنجليزية.

أخبار ذات صلة

المغرب يعتزم استقطاب كفاءاته في الخارج.. والهدف "أخضر"

تقول الشابة البالغة من العمر 24 عاما: " لقد أهدرت فرصة العمر بسبب رسوبي في امتحان اللغة، وهو الذي كان سيمكنني من الالتحاق بإحدى جامعات ديجون الفرنسية، إنه حلم طالما راودني من أجل إتمام دراستي العليا خارج المغرب".

تضيف سلمى في تصريح لـ"سكاي نيوز عربية": " لم أبدأ تلقي دروس الإنجليزية سوى في المستوى الإعدادي، وكان التركيز أكثر على الفرنسية، وهو ما لم يساعد على تعلم الإنجليزية، وحاليا التحقت بمعهد خاص من أجل ذلك، حتى لا تضيع مني فرص أخرى في قادم الأيام".

وتعتبر سلمى أن الإلمام باللغة الإنجليزية، يفتح آفاقا واسعة أمام الشباب المغربي، سواء في المسار الدراسي أو في تعزيز فرص الحصول على وظيفة داخل المغرب أو خارجه.

وتضم سلمى صوتها إلى أصوات الكثير من الشباب اللذين يعتقدون أن الإنجليزية تعد رهان المغرب في المستقبل، حيث كشفت دراسة أنجزها المجلس الثقافي البريطاني أن أغلب المشاركين أبدوا رغبتهم في تعلم هذه اللغة.

وعبر أزيد من ثلث الشباب المغاربة الذين شملتهم الدارسة، عن اقتناعهم التام بأن اللغة الانجليزية ستتمكن وفي غضون الخمس سنوات القادمة، في أخذ مكان اللغة الفرنسية بوصفها اللغة الأجنبية الأولى في المغرب.

كما اعتبر 74 في المائة من المستجوبين أن الانتقال إلى اللغة الإنجليزية سيخدم طموحات المغرب، بصفته محورا تجاريا وسياحيا على المستوى الدولي.

استعمال اللهجة الدارجة في المناهج يثير جدلا في المغرب

 

أخبار ذات صلة

تدريس اللغة العبرية يجد مجالا واسعا في المغرب

لغة المستقبل

وبين لغة موليير التي تفرض نفسها بقوة في الاقتصاد والإدارة والإعلام، ولغة شكسبير التي ما فتئت تعزز تواجدها في المغرب، يرى المتخصصون في الشأن التربوي، أن اللغة الإنجليزية، تعد الأنسب لتدريس العلوم والتكنولوجيا والطب باعتبارها لغة البحث العلمي والمعرفي، ومن شأنها أن تقدم خيارات أوسع للمغاربة.

وتدرس اللغة الإنجليزية انطلاقا من السنة الثالثة في المرحلة الإعدادية في المدارس العامة في المغرب، ويتم التركيز خلال السنة الأولى على وسائل بيداغوجية بسيطة، فيما يعتمد في السنوات الموالية على الاستعمال الوظيفي للغة والتمرن على التواصل بها.

يقول الباحث والخبير التربوي امحمد عليلوش، إن المصلحة العامة ومتطلبات سوق العمل المغربي، أضحت تفرض على المغرب اللغة الإنجليزية، التي تحولت إلى منافس قوي للغة الفرنسية المهيمنة على مجموعة من القطاعات في البلاد، بحكم العلاقات التاريخية التي تجمع المغرب بفرنسا.

وفي حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية"، يعتبر عليلوش أن الإنجليزية باتت تفرض نفسها كلغة المستقبل في المغرب، وهو ما بات يستدعي تعميمها وجعلها اللغة الأولى في النظام التعليمي المغربي. 

ويشير الباحث التربوي، إلى أن هناك توجها في المغرب من أجل الانفتاح على العديد من اللغات الأجنبية وخاصة اللغة الإنجليزية، غير أن ذلك التوجه لا تواكبه خطط واضحة على أرض الواقع.

ويرصد عليلوش مجموعة من العوائق التي تقف أمام تحقيق هذا الهدف، من أبرزها نقص الموارد البشرية والكفاءات المدربة القادرة على إنجاح هذه العملية، التي تكتسي أهمية كبيرة بالنسبة لمستقبل المغاربة.

ولتجاوز هذا الإشكال يؤكد عليلوش، على أهمية تنزيل التوصيات التي جاءت في الميثاق الوطني للتربية والتكوين (منظومة إصلاحية لتغير النظام التعليمي)، والتي تنص على إدراج اللغة الانجليزية بشكل تدريجي في المستوى الابتدائي، قبل جعلها الزامية في المستويين الإعدادي والثانوي.

خطة مغربية لدمج وسائل الاتصال الحديثة بالعملية التعليمية

معاهد لتدريس الإنجليزية

أخبار ذات صلة

بدون أساتذة.. مدرسة فريدة من نوعها لتخريج "النوابغ" بالمغرب

وفي ظل الحضور المحتشم للغة الإنجليزية ضمن النظام التعليمي المغربي، واصطدام الخريجين الجدد بمتطلبات سوق الشغل التي تستوجب اتقان اللغة الإنجليزية، فقد أضحى لزاما على عدد منهم الالتحاق بمراكز ومعاهد لغوية خاصة من أجل تحسين مستواهم اللغوي.

ويعتبر الباحث التربوي، أن "محدودية المقاعد المخصصة لشعبة اللغة الإنجليزية داخل الجامعات المغربية، تدفع العديد من الطلبة إلى التوجه للبحث عن معاهد خاصة، والتي تزايد الطلب عليها بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة".

وقد ساهم الإقبال على هذه المعاهد المتخصصة في تدريس اللغة الإنجليزية، حسب المتحدث، في تناسلها وخاصة في المدن الكبرى من المملكة.

ويلفت عليلوش، إلى أن " الظروف المادية لعدد من الأشخاص لا تسمح لهم بالولوج إلى هذه المعاهد، أمام ارتفاع تكلفتها التي لا تأخذ بعين الاعتبار القدرة الشرائية لجميع الأسر المغربية". 

لغة المال والأعمال

ويرى عدد من المهتمين بالشأن الاقتصادي، أن انفتاح المغرب على أفريقيا والدول الناطقة بالإنجليزية، إلى جانب تواجد شركات عالمية تعتمد اللغة الإنجليزية أيضا، أضحى يفرض اليوم تعزيز حضور لغة شكسبير ضمن النظام التعليمي.

ويعتبر اليوم اتقان اللغة الإنجليزية أحد شروط التوظيف التي تفرضها عدد من الشركات المغربية والدولية، فيما تتجه أخرى إلى تمكين موظفيها من دورات تكوينية في هذه اللغة التي تفتح لهم أفاقا مهنية واعدة.   

 يقول الخبير الاقتصادي والمالي، الطيب أعيس، إن المغاربة أصبحوا أكثر وعيا بأهمية اللغة الإنجليزية في مجالي الاقتصاد والبحث العلمي، وهو ما يستدعي الاهتمام أكثر بالنموذج الأنجلوساكسوني في المنظومة التعليمية بالبلاد. 

يستطرد أعيس في تصريح لـ"سكاي نيوز عربية" قائلا: "لا يمكنك اليوم ولوج عالم المال الأعمال وأنت لا تتقن الانجليزية، وكل المغاربة الذين استطاعوا التألق على المستوى الدولي، تمكنوا من ذلك بفضل اعتمادهم على مناهج أنجلوساكسونية نظرا لنجاعتها والآفاق الواسعة التي تتيحها".

البرلمان المغربي يقر قانون تنويع لغات التدريس

الانفتاح على الأسواق الأنجلوساكسونية

أخبار ذات صلة

المغرب.. اكتساح الإناث لنتائج مباراة للتعليم يثير الجدل

يعتبر الخبير الاقتصادي، أن الإنجليزية كانت تقف حجر عثرة أمام ولوج المغرب إلى الأسواق الإفريقية، حيث كان يقتصر في علاقاته الاقتصادية السابقة على الدول الفرنكفونية، قبل أن ينفتح خلال السنوات الأخيرة على بلدان أخرى ناطقة بالإنجليزية، وهو المكسب الذي مكن المغرب من الاستثمار في مشاريع ضخمة في تلك البلدان.

ويعتبر أعيس أن اعتماد الإنجليزية كلغة أجنبية أولى في المغرب، من شأنه أن يعزز من تموقعه كعنصر نشيط وفعال في السوق البريطانية، خاصة بعد انفصال الأخيرة عن الاتحاد الأوروبي بموجب اتفاق "بريكست" وتوقيعها اتفاقية شراكة استراتيجية مع المغرب بهدف تطوير العلاقات التجارية والاقتصادية.

ويلفت الخبير الاقتصادي كذلك إلى أهمية العلاقة الاقتصادية القوية التي تربط المغرب بالولايات المتحدة. ويرى أعيس أن المغرب كان بإمكانه الاستفادة أكثر من الاتفاقيات المبرمة مع الولايات المتحدة وعلى رأسها اتفاقية التبادل الحر، لو كان يعتمد منهجا تعليميا يساهم في تعزز حضور الإنجليزية في مختلف القطاعات داخل البلاد.

خطة مغربية لتعميم التعليم في المرحلة الابتدائية