وجهت أحزاب المعارضة في المغرب انتقادات حادة للحكومة التي يقودها سعد الدين العثماني قبيل حلول موعد الانتخابات، مما يؤشر بحسب متابعين على تصاعد حدة الجدل السياسي في البلاد.
وفي بيان مشترك صدر مؤخرا، أكدت أحزاب الأصالة والمعاصرة، والاستقلال، والتقدم والاشتراكية، أن الظرف الذي يمر به المغرب يحتاج إلى "دينامية سياسية جديدة، ورجة إصلاحية كبرى قادرة على إفراز حكومة قوية متضامنة ومنسجمة ومسؤولة"، داعية إلى تجاوز "اختلالات التدبير الحكومي الحالي، والعجز الواضح للحكومة في مباشرة الإصلاحات الضرورية".
وفيما وجه الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية نبيل بنعبد الله، انتقادات قوية لحكومة العدالة والتنمية، الاثنين، معتبرا أن "حصيلتها كانت ستكون لا شيء لولا الورش الملكي لتعميم الحماية الاجتماعية"، اعتبر مراقبون أن ذلك الجدل يدل على اقتراب انفراط التحالف الحكومي، خصوصا في ظل الحصيلة الحكومية التي وصفت بـ"الهزيلة".
حصيلة اجتماعية ضعيفة
ومن المتوقع أن تزداد حدة التجاذبات السياسية في المغرب مع قرب موعد الانتخابات، خصوصا في ظل إقرار القاسم الانتخابي الجديد الذي يعتمد على أعداد المسجلين في اللوائح الانتخابية، مما يضع فرص العدالة والتنمية في تصدر المشهد الانتخابي من جديد على المحك.
وفي الوقت الذي تتجه به الأنظار نحو "العمل الخيري" تزامنا مع شهر رمضان، وظروف الإغلاق الجزئي الذي تم إقراره قبل أسبوعين، بادرت أحزاب من المعارضة إلى استنكار استخدام ما اعتبرته "حملة سابقة لأوانها عبر التأثير على الفئات الفقيرة من خلال تقديم الدعم الغذائي".
واعتبر الباحث في العلوم السياسية أحمد صلحي، أن "استمالة الناخبين عبر المساعدات الغذائية سلوك ينتمي إلى عقود خلت، ولم يعد له مكانه اليوم في ظل منظومة الحقوق الاجتماعية التي تمكن المغرب من تكريسها، وفي مقدمتها مضامين الثورة الاجتماعية التي أطلقها الملك قبل أيام".
وأضاف صلحي في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "الأحزاب التي ما تزال تستعمل تلك الوسائل، هي في الحقيقة غير مواكبة لما يقتضيه تأهيل الحقل السياسي المغربي"، منبها إلى أن "أدوات صناعة الخرائط الانتخابية في المرحلة القادمة بات يؤطرها القانون، لا من حيث تقنيات ضمان التوازن بين حظوظ الأحزاب السياسية في التنافس الانتخابي، ولا من حيث تقوية الرقابة على نزاهة العملية الانتخابية".
وفيما يدافع حزب العدالة والتنمية عن حصيلة حكومته الثانية، التي تم اعتمادها خلال أكتوبر 2019 بعد تقليص عدد وزرائها من 39 إلى 24 فقط، يرى صلحي أن "الحصيلة هزيلة، ليس قياسا إلى ما يقوله أعضاء الحكومة عن حصيلتهم، لكن قياسا إلى المشاكل والاحتجاجات الناجمة عن سياسات هذه الحكومة"، في إشارة إلى الاحتجاجات العارمة التي شهدتها البلاد طيلة الأيام الماضية من طرف ما بات يعرف في المغرب بـ"أساتذة التعاقد".
انفراط التحالف الحكومي
وبحسب متابعين للشأن السياسي المغربي، فإن الجدل الدائر بين مكونات الأغلبية الحكومية في المغرب يعبر عن التناقض بين العمل الحكومي التضامني، وبين حق تلك الأحزاب في التطلع نحو الانتخابات القادمة لملء خزاناتها الانتخابية، خصوصا في ظل الانقسام الذي شهده برلمان البلاد خلال جلسة التصويت على القاسم الانتخابي الجديد، حيث صوتت جميع أحزاب الأغلبية لصالح اعتماده، فيما انفرد العدالة والتنمية بالتصويت ضده.
وكان الأمين العام لحزب التجمع الوطني للأحرار عزيز أخنوش، قد أوضح، في تصريحات إعلامية خلال شهر مارس 2018، أن سعي أحزاب الأغلبية نحو الظفر بأعلى الأصوات في الانتخابات المقبلة لا يعني مطلقا أنها تطعن في أداء التحالف الحكومي الذي تنتمي إليه، مما اعتبره البعض في حينه نوعا من عدم الانسجام بين مكونات حكومة العثماني.
ويؤكد الباحث والمحلل السياسي لحسن بوشمامة لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "التحالف الحكومي كان هشا منذ بدايته، وزادت هشاشته مع مرور الوقت بسبب ضعف الثقافة السياسية لدى النخب".
واعتبر أن "تقليص عدد وزراء الحكومة خلال هذه العهدة قد قضى فعلا على منطق الترضيات الذي كان يتسبب في إحداث وزارات لا حاجة لها، لكن لغة ومنطق العمل الحزبي ما زال ضعيفا".
مغرب السرعتين
من جانب آخر، قال الباحث والكاتب السياسي أيمن مرابط إن "المغرب يعرف سرعتين، تتمثل الأولى في الرؤى الاستراتيجية والمبادرات الكبرى التي تنتهجها المؤسسة الملكية، وهي تحظى بثقة كبيرة من المواطنين وسرعة بطيئة هي سمة عمل الأحزاب والحكومات، بسبب تفضيل نخبها للطموح نحو الظفر بالمناصب والنتائج الانتخابية على مواكبة السرعة الأولى".
وأضاف مرابط، الذي أصدر قبل فترة دراسة حول "الإسلاميين التقدميين"، أن "المشكلة تكمن في أن حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة مازال لم ينعطف فكره نحو بناء أطروحة اجتماعية حقيقية، تستجيب لاحتياجات المجتمع، وتجنب المغرب المزيد من تصاعد الاحتجاجات".
ونبه إلى "خطورة أن تبقى الأحزاب رهينة التنافس الانتخابي، تتملكها هواجس من سيتصدر النتائج، كما رأينا في تمسك العدالة والتنمية بالقاسم الانتخابي القديم، لأن ذلك المنطق لن يتسبب في انفراط التحالف الحكومي الحالي فقط، بل قد يضع المشهد الحزبي والانتخابي على حافة انفراط منطق العمل السياسي".