ما زالت تتفاعل فاجعة احتراق وانفجار اسطوانات الأوكسجين، في مستشفى ابن الخطيب في بغداد، والخاص بمعالجة مرضى كورونا، حيث ترتفع حصيلة الضحايا كون حالات الكثير من الجرحى والمصابين حرجة، بما يجعل حصيلة القتلى مرشحة للارتفاع.
ورغم إعلان الحداد الوطني وتوقيف مجموعة مسؤولين عن العمل واحالتهم للتحقيق، على رأسهم وزير الصحة والبيئة، لكن موجة الغضب العارم الشعبية لا زالت متصاعدة، حيث يرى الناس أن هذه الاجراءات لا تفي بالغرض، ولا ترقى لهول الكارثة وفظاعتها، وأن من العار أن بلدا كبيرا وثريا كالعراق، يسبح على بحر من الثروات المهولة، لكن المواطنين يموتون فيه بسبب تفشي الفساد والنهب، وتخلف القطاعات الخدمية الحيوية.
وتتداول وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي العراقية، قصص مرعبة ومؤثرة عن لحظات الموت والاختناق التي أعقبت الانفجار، حيث مرضى لا حول ولا قوة لهم، ملقون على أسرتهم يواجهون الموت، ليس بفعل كورونا، إنما بسبب الحريق، بينما يحاول الأهالي إنقاذهم وإخراجهم، من دائرة النار دون جدوى.
فقد راحت عائلات وأسر بأكملها ضحية الحريق، وقس على ذلك حجم المأساة التي خلفتها، هذه الفاجعة.
والمفارقة أن هؤلاء المرضى ممن أنهكهم الفيروس الفتاك، قضوا في المحصلة نتيجة حادثة ناجمة عن الإهمال والفوضى، وغياب المراقبة والمحاسبة، وتخلف البنى التحتية الصحية في العراق، وانعدام المعايير الطبية المتقدمة والناظمة لعمل المرافق الصحية وضمان سلامتها، لدرجة انعدام نظام استشعار الحرائق وإطفائها، في المستشفى المنكوب.
ويرى مراقبون عراقيون أن الفساد، بات غولا يلتهم الأخضر واليابس في البلاد، ويستشري في مختلف مفاصل المؤسسات الحكومية والإدارية.
يقول فارس البريفكاني نائب رئيس لجنة الصحة والبيئة، في مجلس النواب العراقي (البرلمان) في حوار مع "سكاي نيوز عربية" :"الفاجعة المروعة في مستشفى ابن الخطيب الخاص بمرضى كورونا، هي حدث جلل آلمت كل العراقيين، فالراقدون في المستشفى كانوا، يبتغون تخفيف أوجاعهم ومداواتهم خاصة وأنهم جميعهم كانوا، ممن وصلوا لمراحل حرجة متقدمة جراء الإصابة بفيروس كورونا، ممن هم بحاجة ماسة للعناية التنفسية المركزة، فمن كان راقدا هناك كان أمله والحال هذه، إنقاذ حياته لكن العكس حصل مع الأسف".
وتابع :"الكل مصدوم من هذه الفاجعة الرهيبة، والتي في مقدمة أسبابها تخلف البنى التحتية الصحية العراقية، من مؤسسات ومستشفيات ومرافق، فضلا عن أن النظام الصحي العراقي عامة، هو هش وضعيف ولا يرقى لحجم التحديات الصحية، وتلبية حاجة المواطنين ومتطلباتهم المتزايدة والمتعاظمة على الخدمات الصحية، وما زاد الطين بلة الفساد الإداري الموجود، في مختلف دوائر الصحة، حيث لطالما طالبنا بإقالة وتغيير المدراء العامين والمسؤولين الصحيين غير المؤهلين، ممن مرت سنوات على تواجدهم في مناصبهم، دون أي ارتقاء في إطار عملهم وتطوير للدوائر التي يشرفون عليها، حيث هناك دماء شابة وكفاءات جديدة، ينبغي أن تأخذ حقها ودورها في رسم السياسة الصحية، وفي الاسهام في تطوير القطاع الصحي والطبي المتخلف في البلاد".
ويتابع البرلماني العراقي: "هناك سبب آخر لكنه ثانوي طبعا، ولا يبرر ما حصل وهو تزايد عدد المرضى المصابين بالفيروس، والذين تجاوز عددهم المليون إصابة.. ولطالما شددنا على ضرورة مراعاة الإجراءات الوقائية، والتعليمات الصحية والتباعد الاجتماعي، والالتزام بأخذ اللقاحات، لكن الثقافة الصحية في مجتمعنا مع الأسف، لم تكن داعمة لنداءاتنا تلك، حيث لا يلتزم الناس بالتلقيح كما يجب ويوغلون في مخالفة قواعد الصحة العامة، عبر التجمع في الأماكن المزدحمة، وحضور المناسبات الدينية والاجتماعية، ما فاقم عدد الاصابات ورفع نسبة الحالات الخطرة منها، التي بحاجة للرقود والتنويم في المستشفيات".
ويضيف: "السبب الأكبر في تكرار هكذا حوادث كارثية هو إفلات المقصرين والفاسدين من العقاب، حيث كثيرا ما نسمع عن مجالس وهيئات التحقيق في الكوارث المشابهة، في كافة الوزارات من الداخلية إلى الصحة، فالتعليم العالي فالتربية إلى الدفاع وهلم جرا، لكن نتائج هذه التحقيقات تذهب أدراج الرياح، وتبقى حبيسة أروقة المكاتب وعلى رفوفها، ولا يطلع الرأي العام عليها، ولا يتم اتخاذ عقوبات صارمة بحق المخالفين والفاسدين."
واختتم حديثه: "جميعنا على المحك لهذا ندعو رئيس الحكومة، لإعادة النظر في الطاقم الحكومي عامة، والصحي خاصة، واستبعاد من هو غير مناسب سواء كان وزيرا أو وكيل وزير أو مدير".