وجهت مخرجات الجلسة المغلقة التي عقدها مجلس الأمن الدولي، الأربعاء، بشأن نزاع الصحراء المغربية، "ضربة موجعة" لجبهة البوليساريو التي سارعت إلى التعبير عن خيبة أملها.
وجاء في بلاغ صدر عن مسؤول بالجبهة مباشرة بعد انتهاء الجلسة المنتظرة، أنه "من المؤسف أن مجلس الأمن الدولي قد أضاع فرصة أخرى لوضع الأمور في نصابها الصحيح".
في المقابل، يرى خبراء مغاربة، أن الجلسة، وعلى الرغم من أنها لم تتوج بإصدار أي بيان، إلا أنها "انتصرت" للجانب المغربي خاصة فيما يتعلق بـ"تفنيد مزاعم" جبهة البوليساريو بوجود حرب في منطقة الصحراء.
ولم يوافق مجلس الأمن في هذا الاجتماع التشاوري نصف السنوي حول الصحراء، على مشروع إعلان مشترك صاغته الولايات المتحدة يدعو إلى "تجنب التصعيد" في النزاع بالصحراء.
وبحسب مصادر دبلوماسية في نيويورك، فإن أعضاء مجلس الأمن تتبعوا إحاطة قدمها الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للصحراء كولين ستيوارت بشأن الوضع على الأرض، خاصة ما يتعلق بالعراقيل التي تواجهها بعثة المينورسو في القيام بمهامها المتعلقة بالإشراف على وقف إطلاق النار.
كما تم التطرق للعملية السياسية التي يعيقها التأخر في تعيين مبعوث دولي جديد للصحراء، وهو المنصب الشاغر منذ سنتين.
وقد جدد أعضاء مجلس الأمن تأكيد دعمهم لعملية الأمم المتحدة الحصرية الهادفة إلى التوصل إلى حل سياسي بشأن النزاع المستمر منذ عقود، كما دعوا إلى ضرورة استئناف عملية المفاوضات عبر العودة إلى الدوائر المستديرة.
ماذا ربح المغرب؟
ويؤكد الباحث المغربي المتخصص في قضية الصحراء عبد الفتاح الفاتحي أن المغرب ربح الكثير من مخرجات الجلسة المغلقة لمجلس الأمن الدولي، موضحا أن المجلس لم يعترف بوجود حرب في منطقة الصحراء حين لم يوافق على مشروع الإعلان المشترك الذي يدعو إلى تجنب التصعيد في النزاع بالمنطقة.
وبهذه الخطوة يكون المجلس، بحسب الخبير المغربي، قد وجه ضربة لجبهة البوليساريو التي تسعى، منذ أحداث معبر الكركرات في نوفمبر الماضي، إلى إنتزاع اعتراف المنتظم الدولي بخرق الجانب المغربي لوقف إطلاق النار.
وفي تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية" يضيف الفاتحي أن المغرب كسب أيضا تأكيد مجلس الأمن بأن ملف قضية الصحراء يجب أن يظل تحت راية الأمم المتحدة بشكل حصري، وهو ما يقوض جهود باقي أطراف النزاع التي حاولت أكثر من مرة تحويل الملف إلى الإتحاد الإفريقي.
ويؤكد الخبير المغربي أن دعوة أعضاء مجلس الأمن إلى الإسراع بتسمية مبعوث دولي جديد من أجل إعادة إطلاق العملية السياسية برعاية الأمم المتحدة، هو حل يتماشى مع مقترح الحكم الذاتي الذي يقدمه المغرب، في إطار قرارات منظمة الأمم المتحدة ذات الصلة.
ثبات الموقف الأميركي من مغربية الصحراء
ويرى الفاتحي، مدير مركز الصحراء وإفريقيا للدراسات الاستراتيجية، أن الرباط كسبت خلال الجلسة، اختبار ثبات الموقف الأميركي بشأن الاعتراف بمغربية الصحراء.
ويؤكد أن عدم تطرق واشنطن إلى هذه المسألة خلال الاجتماع نصف السنوي، يعني أن القرار لا يزال ساريا.
وكانت جبهة البوليساريو تراهن على تغيير في الموقف الأميركي، الذي تبناه الرئيس السابق دونالد ترامب، خاصة وأن هذه الجلسة المغلقة لمجلس الأمن الدولي حول الصحراء، تعد الأولى من نوعها في عهد الإدارة الجديدة برئاسة جو بايدن.
ويعتبر الباحث في قضية الصحراء، أن جبهة البوليساريو والأطراف التي تدعمها في النزاع، كانت تنتظر نتائج التحركات والمراسلات والضغوط التي مارستها تجاه الإدارة الأميركية الجديدة لإقناعها بسحب الإعتراف بمغربية الصحراء.
من جهتها تعتبر ياسمين حسناوي الخبيرة في ملف الصحراء المغربية، أن ثبات الموقف الأميركي يعكس قوة التوجه المغربي الجديد الذي يقوم على نهج الدبلوماسية، والذي جاء بنتائج إيجابية تتمثل في الإعتراف المتزايد بمغربية الصحراء وإقامة تمثيليات دبلوماسية لعشرات الدول بالأقاليم الجنوبية للمغرب.
وفي تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية" تؤكد الخبيرة المغربية أن الرباط تمكنت من الحصول على عدد من الحلفاء من خلال الانفتاح الدبلوماسي "العابر للقارات".
خيبة أمل البوليساريو
ومباشرة بعد انتهاء الاجتماع نصف السنوي لمجلس الأمن الدولي حول التطورات في الصحراء، أصدر مسؤول في جبهة البوليساريو بيانا حمل عنوان "تقاعس مجلس الأمن يقوض آفاق الحل السلمي ويترك الباب مفتوحا أمام تصعيد الحرب الجارية".
وفي تعليقه على البيان، يرى عبد الفتاح الفاتحي الباحث المختص في شؤون الصحراء أن الجبهة كانت تتوقع هذه "الانتكاسة" لكنها كانت تحتفظ ببعض "الآمال" بتغيير الموقف الأميركي بشأن الاعتراف بمغربية الصحراء.
ويتابع المتحدث بالقول إن خيبة أمل الجبهة، تنبع أيضا من كونها "كلفت نفسها حملة دعائية واسعة" حاولت من خلالها التسويق لوجود حرب بقيادة المغرب في الصحراء، مبرزا أن الهدف من الحملة كان هو الضغط على المجتمع الدولي بورقة تهديد الأمن والسلم الدوليين".
وفي مستوى ثالث، يتحدث الخبير المغربي عن ضربة أخرى وجهها مجلس الأمن الدولي للبوليساريو، تمثلت في تجديد أعضاءه التأكيد على أن مهمة بعثة المينورسو هي مراقبة وقف إطلاق النار وهو ما "ينسف تطلعات" الجبهة إلى إعلان دولي بشأن تنظيم استفتاء لتقرير المصير في الصحراء.
تأخر تعيين مبعوث خاص
وفي الإحاطة التي قدمها الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للصحراء، كولين ستيوارت، أمام أعضاء مجلس الأمن الدولي تم التطرق للعملية السياسية التي تعرف شللا مع إخفاق الأمم المتحدة في تعيين مبعوث خاص إلى الصحراء، وهو المنصب الذي ظل شاغرا منذ عام 2019.
وكانت جبهة البوليساريو، قد اعترضت مؤخرا على تعيين مبعوثين اقترحهما الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتريش، وهما رئيس الوزراء الروماني السابق بيتر رومان وزير شؤون خارجية البرتغال السابق لويس أمادو.
ويرى مراقبون أن موافقة المغرب على الاسمين، هو سبب كاف لعدم إبداء جبهة البوليساريو موافقتها.
فيما يرى عبد الفتاح الفاتحي أن الجبهة الإنفصالية تتعمد الرفض بهدف إظهار فشل الأمم المتحدة في تدبير الملف وبالتالي الضغط في اتجاه نقله إلى الاتحاد الإفريقي.