منذ ظهور وباء كورونا، شهد قطاع التعليم في تونس تذبذبا مستمرا، يقدر الخبراء تأثير سلبي على تحصيل الطلبة العلمي، وحتى على سلامتهم النفسية.
وقررت الحكومة التونسية تعليق الدروس في كافة المدارس والمعاهد الثانوية واعتماد نظام التعليم عن بعد في الجامعات، من أجل مكافحة تفشي فيروس كورونا، ابتداءا من 18 من أبريل وحتى نهاية الشهر.
وجاء القرار بعد أن شهدت البلاد موجة ثالثة وعنيفة من انتشار الفيروس، وقدر الأطباء الوضع بالخطير خاصة أمام ضعف الإمكانيات داخل المشافي التي بلغ عدد منها أقصى طاقة استيعابه.
وكانت نقابة التعليم قد طالبت قبل أيام بإيقاف الدروس 10 أيام لكسر حلقات العدوى، خاصة بعد تسجيل مئات الإصابات بالسلالة البريطانية للفيروس في صفوف التلاميذ والعاملين.
وتبين إحصاءات وزارة التربية تسجيل 9783 إصابة و44 وفاة بين التلاميذ وموظفي قطاع التعليم منذ بداية العام الدراسي.
كما دعت النقابة إلى مرافقة إجراءات وقف الدروس برصد الإمكانات المادية واللوجستية لتعقيم المؤسسات التعليمية، إلى جانب منح الأولوية للمدرسين في تلقي التطعيم.
وقال كاتب عام الجامعة العامة للتعليم الأساسي نبيل الهواشي في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن إعتماد قرار وقف الدروس يعني أن الوضع بات خطيرا إلى أبعد الحدود، و"يجب كسر سلسلة العدوى داخل الوسط المدرسي خاصة بعد تسجيل إصابات ووفيات في صفوف التلاميذ والمدرسين".
وأكد الهواشي أن التعلم تأثر بفعل كورونا، وخسر التلاميذ نصف المناهج بسبب نظام الدراسة عبر الأفواج، غير أن الإغلاق المؤقت قرار صائب حيث يمكن تدارك هذه الثغرات، داعيا إلى تشكيل لجنة وطنية لدراسة سبل إتمام المناهج.
واتخذت وزارة التربية والتعليم في تعاملها مع انتشار الفيروس في البلاد قرارات مختلفة، تنوعت بين الدراسة عبر نظام الأفواج يوما بيوم، أو وقف الدروس بشكل تام كلما زادت سرعة انتشار الفيروس، أو اللجوء للتخفيف من البرامج الدراسية بالحذف أو التعديل.
كما حاولت الوزارة تأمين الدروس عن بعد، لكن التجربة لم تحظ بالنجاح بسبب ضعف الربط بالإنترنيت في عدد من مناطق البلاد، فضلا عن افتقار أكثر من 51 بالمئة من تلاميذ الإعدادي والثانوي للأجهزة الإلكترونية المتصلة بالإنترنت، وترتفع النسبة إلى 70 بالمئة لدى تلاميذ السنوات الابتدائية، بحسب أرقام وزارة التربية.
واعتبرت أستاذة التعليم الثانوي نورة اليزيدي، أن نظام الأفواج أضر كثيرا بمسار الدروس، وأثر سلبا على التحصيل العلمي للتلاميذ بسب عدم انتظام حضورهم يوميا في الفصول المدرسية.
فيما رأى أستاذ اللغة العربية لطفي حسين أن التلاميذ لم يستفيدوا كثيرا من نظام الدراسة عبر المجموعات، الذي كان هدفه تطبيق مبدأ التباعد الجسدي، غير أن الأطفال ظلوا يلتقون في ساحات المدارس وفي وسائل النقل العمومي وبقيت إمكانية العدوى بالفيروس قائمة، وفي نفس الوقت صعب على المدرسين استكمال البرنامج الدراسي.
وأضاف: "يمكن القول إنه خلال السنتين الدراسيتين الماضية والحالية تحصل التلميذ على 40 بالمئة فقط من المنهج الدراسي، مما أثر على مستواه المعرفي".
أما منى الشيخ، وهي ولية أمر أحد التلاميذ، فقد رأت أن "مكوث الطلبة في ديارهم من دون أي شكل من أشكال التعليم، لا عن بعد ولا عن طريق الإعلام التربوي، عار على دولة رأس مالها الموارد البشرية".
وقالت إن "هذه الانقطاعات من حين لآخر تهدد الذاكرة وتربك المسارات التربوية، إلى جانب المخاطر التي تهدد التلميذ خلال إقامته بمواقع التواصل الاجتماعي دون آليات وقائية".
لكن مريم صولة، وهي ولية أمر أخرى لتلميذ في المرحلة الابتدائية، لا تتفق مع هذا الرأي، حيث تحدثت لموقع "سكاي نيوز عربية" عن مخاوفها من إصابة ابنها بالعدوى كلما ذهب إلى المدرسة، واعتبرت قرار وقف الدروس صائبا، حيث "بالإمكان تعويض المناهج في البيت من طرف ولي الأمر أو من المدرسة عندما تعود الحياة إلى طبيعتها".
وانتقد رئيس جمعية الأولياء والتلاميذ رضا الزهروني خيارات الوزارة لتسيير السنة التعلمية الحالية، ووصفها بالارتجالية.
وقال في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن "نظام الدراسة عبر الأفواج عطل السير العادي للدروس من دون أن يساهم في تحسن الوضع الصحي بالبلاد".
وأشار الزهروني إلى أنه "فيما يتعلق بالجانب المعرفي، خسر التلاميذ ما يعادل سنة دراسية كاملة منذ بدء ظهور فيروس كورونا في تونس، بينما فشلت الدولة في تعميم التعليم عن بعد بسبب الضعف اللوجستي وتوسع الهوة في البلاد بين العائلات الميسورة والفقيرة التي لا تقدر على توفير الأجهزة الإلكترونية لأبنائها".
ودعا الدولة إلى التفكير في حلول جذرية لإنقاذ نظام التعلم الذي تضرر خاصة بفعل الجائحة، مشيرا إلى أن الحلول تتجاوز وزارة التربية لأن "التعلم شأن وطني وأسري في بلد تستثمر فيه العائلات في دراسة أبنائها".
يذكر أن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي أعلنت عن عدد من الإجراءات استكمالا لقرار تعليق الدروس الحضورية في الجامعات وتأمين التواصل عن بعد، ومنها إجراء مختلف الامتحانات بصفة حضورية وتوفير فضاءات داخل الجامعات لفائدة الطلبة الذين ليس باستطاعتهم النفاذ إلى التواصل عن بعد، وفتح المبيتات والمطاعم الجامعية للطلبة الراغبين في مواصلة الانتفاع بالسكن ووجبات الإفطار.