أثارت تصريحات أدلى بها ياسر العطا عضو مجلس السيادة الانتقالي في السودان بأن بلاده لن تنازل عن مناطق الفشقة القريبة من الحدود الاثيوبية بوصفها أراضي سودانية، جدلا كبيرا حول ما إذا كانت تلك التصريحات تدرج تحت نهج تكتيكي مرحلي ام مؤشر لبداية لتصعيد محتمل.

وفتحت تصريحات العطا الأخيرة أيضا الباب واسعا أمام الحديث عن دور المؤسسة العسكرية في الفترة الانتقالية المتعثرة في السودان والكيفية التي تتعامل بها مع ملف الاحتلال الإثيوبي لأراضي الفشقة في شرق السودان منذ أكثر من 25 عاما.

تصاعد التوتر في منطقة الفشقة خلال الأشهر الأربع الماضية ووصل إلى حد المواجهات المسلحة المحدودة التي راح ضحيتها أكثر من 10 جنود ومدنيين من الجانبين.

ومنذ نوفمبر الماضي، تشهد منطقة الحدود المشتركة بين السودان وإثيوبيا توترا حيث أعاد الجيش السوداني سيطرته على العديد من المواقع والنقاط في منطقة الفشقة، وهو ما اعتبرته أديس أبابا محاولة لاستغلال نزاعها الداخلي في إقليم التيغراي.

وتأزم الموقف أكثر بعدما لجأ نحو 60 ألف إثيوبي إلى الأراضي السودانية هرباً من المعارك التي اندلعت في إقليم تيغراي بين القوات الإثيوبية وجبهة تحرير شعب تيغراي التي كانت تهيمن على الإقليم.

ويقول السودان إن هنالك معاهدات وخرائط تثبت حقه في أراضيه، لكن تبرز العديد من التعقيدات التي تحيط بالأزمة خصوصا في ظل محاولة إثيوبيا إرضاء الأمهرة على حساب الأراضي السودانية.

وأكد السودان في عدة مناسبات تمسكه بكامل أراضيه المحددة في خرائط ووثائق اتفاق 1902 الموقعة بين بريطانيا وإمبراطور إثيوبيا آنذاك منليك الثاني، لكن السفير الإثيوبي في الخرطوم، قال في نهاية ديسمبر الماضي إن بريطانيا تحاملت على بلاده، في حين تقول الخرطوم إن الوثائق التاريخية تؤكد أن تخطيط الحدود بين البلدين تم باتفاق كامل بين حكومة بريطانيا ومنليك.

أخبار ذات صلة

البرهان لإثيوبيا: لن تتفاوض بشأن الحدود.. "الفشقة أولا"
بعد الفشقة وسد النهضة.. إثيوبيا تغضب السودان بملف ثالث
الاتفاقية العسكرية المصرية السودانية.. "كفى يا إثيوبيا"
إثيوبيا: الحوار الحل الأنسب لقضية الحدود مع السودان

 تكتيك مرحلي

وتنقسم الآراء حول رؤية المجلس السيادي إذ يرى البعض انها قد تكون تكتيكية او مرحلية في حين يقول البعض انها ربما تندرج ضمن التحليل الذي يشير إلى ان الجيش السوداني بات اقل تحمسا للاتجاه التفاوضي، وذلك نظرا للمكاسب الداخلية التي حققها من التصعيد الأخير والذي تزامن مع حالة من الارتباك السياسي في السودان والخلافات الظاهرة بين المكونين المدني والعسكري والرفض الواسع في الشارع السوداني لهيمنة القوات الأمنية على الحصة الأكبر من الشركات العامة المؤثرة في الاقتصاد السوداني.

وقال العطا أمام مجموعة من منسوبي القوات المسلحة في شمال السودان الأحد "لا نريد الدخول في حرب، وإذا فرضت علينا سننتصر لأننا على حق". واكد العطا أن الخرطوم لن تتنازل عن مناطق الفشقة على الحدود مع اثيوبيا.

وفي هذا الإطار يرى وزير الخارجية السوداني الأسبق إبراهيم طه أيوب أن حديث العطا هو جزء من جولات التنوير التي يقوم بها القادة العسكريون إلى الوحدات المختلفة المكونة للقوات المسلحة بقصد الإيعاز إلى منسوبيها بأن العسكر هم من يمسكون بزمام الأمر.

ويقول أيوب لموقع "سكاي نيوز عربية" إن من المفارقات أن يشير العطا في حديثه إلى عدم التنازل عن الفشقة دون الحديث عن مثلث حلايب أو احتلال أفريقيا الوسطى لمنطقة بحيرة أم دافوق في غرب البلاد.

ونشر السودان في ديسمبر تعزيزات عسكرية في الفشقة عقب اتهامه قوات إثيوبية "بنصب كمين لقوات سودانية" فيها ما أدّى إلى مقتل أربعة من جنوده. ومع انّ أثيوبيا قلّلت في حينه من خطورة الحادث، إلاّ أنّ التوتّر تصاعد بين البلدين لتندلع اشتباكات دامية بينهما اتّهم كلّ طرف الطرف الآخر بأنه البادئ فيها.

أخبار ذات صلة

السودان يتمسك بالفشقة ويبدي موقفه من الحرب
مباحثات أميركية سودانية حول التوتر الحدودي مع إثيوبيا
السودان يطالب إثيوبيا بالكف عن "ادعاءات بلا حقائق"
أزمة الحدود.. السودان يستدعي سفيره في إثيوبيا

 استبعاد الحرب الشاملة

على الرغم من ان البعض يرى أنه في ظل حالة الاستقطاب الداخلي في السودان وإثيوبيا، والتصعيد المتبادل بين البلدين وغياب مبادرات وساطة حقيقية مقبولة من الطرفين يمكن أن يكون خيار الحرب الشاملة هو المتاح.

 لكن المحلل الاستراتيجي أمين إسماعيل مجذوب يقول لموقع "سكاي نيوز عربية" إن مسرح العمليات غير مهيا بسبب المشكلات والازمات السياسية والأمنية والاقتصادية الداخلية المعقدة في البلدين.

ويشير مجذوب إلى أن التصريحات التصعيدية التي تظهر من وقت إلى آخر تأتي في خانة تبادل الأدوار ومحاولات تعزيز النفوذ.

كما يستبعد خالد عمار الباحث في الشؤون الأفريقية هذا الخيار ايضا، وينبه إلى أن المجتمع الدولي وخصوصا البلدان الأوروبية ستعارض نشوب أي حرب في المنطقة قد تشكل تهديدا لمصالحها الأمنية والاقتصادية وتزيد من موجات الهجرة غير الشرعية التي يعتبر السودانيون والإثيوبيون والإريتريون من أكبر المنفذين لها في المنطقة.

ويتوقع عمار أن يسعى المجتمع الدولي لاستخدام نفوذه لدى عدد من الدول المؤثرة في الاتحاد الإفريقي، خصوصا تلك الأعضاء في منظمة "الكومنولث"، للضغط على إثيوبيا وحثها على الجلوس إلى طاولة التفاوض واستخدام القنوات الدبلوماسية والسلمية. لكن في الجانب الآخر يشير عمار إلى أن إثيوبيا تواجه صعوبة كبيرة في إقناع حليفها المرحلي المتمثل في إثنية الأمهرة بالتخلي عن طموحها في السيطرة على منطقة الفشقة ذات الأراضي الزراعية الخصبة والتي تؤكد وثائق وخرائط 1902 تبعيتها للسودان.