بادرت مصر ومالطا والولايات المتحدة ثم فرنسا، إلى الإعلان عن إعادة فتح سفاراتها في ليبيا، كمؤشر على الاستقرار السياسي والأمني بعد سنوات الصراع، وكثمرة مبشرة لتولي حكومة عبد الحميد دبيبة المسؤولية، واستعدادها لتنظيم الانتخابات في ديسمبر المقبل.
زخم دبلوماسي
ويقول مصطفى أبو زيد، مدير مركز مصر للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، إن ليبيا شهدت انتعاشا على مستوى العلاقات الدبلوماسية بعد تولى حكومة الوحدة الوطنية، وبادرت دول أوروبية والولايات المتحدة ومصر إلى إعادة فتح سفاراتها بعد سنوات من الإغلاق أثناء عمل حكومة فايز السراج التي أدخلت ليبيا في نفق مظلم.
وأوضح "أبو زيد" في حديث لـ"سكاي نيوز عربية" أن عدم وحدة الصف الليبي أثناء حكم "السراج" منح الفرصة لتدخل أطراف خارجية في الشأن الليبي، لكن الحكومة الجديدة وبدعم من مصر تسعى لتوحيد مؤسساتها والمساهمة في أمن المنطقة، ومن هنا كانت أول زيارة خارجية لـعبد الحميد البيبة إلى القاهرة ومباحثاته مع الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وأضاف مدير مركز مصر للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، أنه يتوقع إعادة فتح معظم الدول لسفاراتها في ليبيا تباعاً، خصوصا الدول الكبرى مثل الصين وألمانيا، بما يمثله ذلك من أهمية اقتصادية تدعم الاستقرار السياسي وتبشر بعودة الاستثمارات الأجنبية التي خرجت بسبب الفوضى والإرهاب.
أول العائدين
وفتحت حالة الاستقرار الأمني والسياسي شهية أشقاء وجيران ليبيا لدعم الأوضاع الجديدة في البلاد، فجاءت المبادرة من اليونان، في 6 فبراير الماضي، بالإعلان عن إعادة فتح سفارة بلادها في طرابلس وفتح قنصلية في بنغازي، مطلع فبراير الماضي.
وكانت مصر أول دول الجوار الليبي والأولى عربيا التي أعلنت إعادة فتح سفارتها بليبيا، وأعلنت القاهرة في فبراير 2021، عزمها إعادة افتتاح السفارة، وزار وفد دبلوماسي مصري رفيع العاصمة طرابلس، وبحث مع المسؤولين الليبيين ترتيبات إعادة افتتاح السفارة المصرية بطرابلس والقنصلية ببنغازي.
وأعلن حينها الوفد المصري بدء خطوات عملية لإعادة افتتاح السفارة لتعزيز علاقات البلدين الشقيقين، خاصة في مجال تقديم الخدمات والتسهيلات القنصلية على المواطنين في البلدين، وتفقد الوفد المصري مبنى السفارة من أجل تقييم الوضع داخل المبنى وإطلاق عملية الترميم.
وتعد إيطاليا الدولة الغربية الوحيدة التي أبقت على سفارتها في العاصمة الليبية.
الدبلوماسية تدعم الاقتصاد
ويلفت الخبير المصري في الشأن الليبي إلى أهمية عودة الدبلوماسية لدعم الاقتصاد الليبي، ويقول إنه من الضروري أن تحرص حكومة الدبيبة على تنويع الهيكل الاقتصادى، عبر جذب استثمارات أجنبية، لا سيما أن الاقتصاد الليبي قائم في أكثر من 95 في المئة منه على إيرادات قطاع النفط.
ويتابع قائلا إن قطاع النفط تأثر كثيرا في سنوات الصراع، مما أدى لخفض الموازنة العامة الليبية لعام 2020 من 75 مليار دولار إلى 38 مليار فقط، وضعف قدرة الدولة على ضخ استثمارات حكومية لتحسين الخدمات المواطنيين من بناء مستشفيات ومدارس وبنية تحتية.
ويوضح مدير "مصر للدراسات الاقتصادية" أن "توقف قطاع النفط أدى إلى ارتفاع نسبة الدين العام للناتج المحلى الإجمالي إلى 150 في المئة وارتفاع التضخم والضغط على الاحتياطي النقدي الليبي وارتفاع نسبة البطالة ".
وبعد استقرار ليبيا وعودة الدبلوماسية المهاجرة إليها تُعقد الآمال، حسب أبوزيد، على انتشال الاقتصاد الليبى من كبوته، من الدعم العربي والدولي لبرنامج إصلاحي يهدف لإعادة صياغة الأوضاع المالية العامة والسيطرة على ارتفاع الدين العام للناتج المحلي الإجمالي وجذب استثمارات أجنبية تخلق فرص عمل".
آخر العائدين
وكانت فرنسا آخر الدول التي أعلنت في 29 مارس الماضي، عن إعادة فتح سفارتها في العاصمة الليبية طرابلس بعد إغلاقها عام 2014، وخلال فترة إغلاق السفارة الفرنسية إثر تعرضها لهجوم في 2013 واصلت باريس وجودها الدبلوماسي من فندق في العاصمة قبل أن تغادر البلاد في يوليو 2014 لتستقر في تونس المجاورة على غرار أغلب التمثيليات الأجنبية.
وقبل فرنسا، أعلنت الولايات المتحدة على لسان نائبة المتحدث باسم الخارجية الأميركية، جالينا بورتر، في 23 مارس الماضي، عزم بلادها استئناف عمل السفارة الأميركية في ليبيا في أقرب فرصة تسمح بها الظروف الأمنية.
وكانت السفارة الأميركية هي الأخرى قد علقت عملها في ليبيا، مثل فرنسا، منذ 2014، مع استمرار عمل سفيرها ريتشارد نورلاند من تونس.
مالطا هي الأخرى بادرت، خلال مارس الماضي، إلى التحضير لعودة القنصلية والسفارة المالطية في ليبيا إلى عملها، وتعهدت بأن يتم ذلك خلال أسابيع قليلة.
خطوات لتثبيت الاستقرار
ويقول رخا أحمد حسن، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية ومساعد وزير الخارجية الأسبق، إن الدعم الدولي والعربي خاصة من مصر للحكومة الجديدة في ليبيا أسهم في اعتراف القوى الإقليمية والدولية بحكومة الدبيبة، ومن المنتظر أن تكون تلك القوى الدولية دافعة ومحفزة لإجراء الانتخابات في موعدها تأكيدا لدعم الاستقرار.
وأضاف في تصريحات لـ"سكاي نيوز عربية" أن "هناك إجماعا دوليا على تقديم مزيد من الدعم للحكومة الليبية واستقرار الأمن ووقف إطلاق النار، والدفع بتركيا والدول الأخرى لإخراج المرتزقة، وتبقى الرغبة في عودة الدبلوماسية تدريجيا إلى ليبيا، لا سيما أن الانتخابات البرلمانية الرئاسية في 24 ديسمبر 2021".
وتابع رخا قائلاً "هناك رغبة دولية لإنهاء الحرب وإعادة الإعمار في ليبيا، والدول تتطلع للمشاركة في مشروعات الإعمار، من خلال دعم الحكومة الجديدة واستعادة العلاقات الدبلوماسية معها".