تمر الأحزاب في الجزائر وخاصة أحزاب المعارضة هذه الأيام بمنعرجات حاسمة في مسارها السياسي، سواء في مواقفها تجاه خيارات السلطة أو علاقتها بالشعب في ظل استمرار المسيرات المعارضة.
ويقف في واجهة الرافضين للمسار الانتخابي، اليوم، أحزاب تصنف في خانة المعارضة، وهي جبهة القوى الاشتراكية "الأفافاس"، والتجمع من أجل الثقافة والديموقراطية وحزب العمال "الأرسيدي"، وحزب العمال.
فبعد حالة من عدم اليقين لدى الأوساط السياسية، أعلن "الأفافاس" أن شروط تنظيم الانتخابات التشريعية غير متوفرة وهذا ما دفع بقيادته للتصويت على خيار المقاطعة في اجتماعهم الأخير.
وقد جاء قرار هذا الحزب (يصنف في خانة أقدم حزب معارض في الجزائر)، في الوقت بدل الضائع وذلك بعدما علقت السلطة آمال كبيرة في أن تفتك من قيادته الحالية نصراً تاريخياً بإعلان مشاركة الحزب لأول مرة في تشريعيات 12 يونيو 2021، خاصة بعدما استقبل رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون وفدا ممثلا للحزب بمقر الرئاسة.
والأمر نفسه بالنسبة للحزبين الآخرين "الأرسيدي" و"العمال"، وقد كانا أول الأحزاب التي أعلنت مقاطعتها للأسباب ذاتها، وقد ذهب زعيمة حزب العمال لويزة حنون إلى أبعد من ذلك وقالت: "إن الانتخابات المقبلة، أخطر من انتخابات التسعينيات، التي أشعلت نار العشرية السوداء، واصفة إياها بحمالة العنف والخطر على الأمن القومي".
إلى ذلك أعلنت السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، عن سحب 2500 قائمة، لاستمارات الترشح لانتخابات البرلمانية، منها 1250 قائمة مستقلة غير متحزبة، من شخصيات وكفاءات في المجتمع المدني.
وقال رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، محمد شرفي، إن عدد الأحزاب التي أبدت رغبتها في المشاركة في هذه الاستحقاقات بلغ 53 حزبا لغاية الآن، وأن عدد المواطنين المسجلين في القوائم الانتخابية بلغ أزيد من 23 مليون ناخب.
هكذا تتجه كل الأنظار في الجزائر إلى الانتخابات التشريعية وسط استمرار المسيرات المعارضة للنظام، ويرى مؤيدو الانتخابات أن مسألة التغيير من الداخل يجب أن تمر عبر الصندوق، في ظل عدم توفر العديد من الحلول المقترحة من طرف المعارضة وخاصة مسيرات الحراك.
جدل التطمينات قائم
ويطالب الشارع الجزائري بتطبيق المادتين السابعة والثامنة من الدستور والتي تنص على أن السلطة للشعب، كما يرفع شعار "دولة مدنية وليست عسكرية".
ويقسم الحراك الأحزاب السياسية في الجزائر إلى قسمين، "أحزاب السلطة" وفي مقدمتها "حزب جبهة التحرير الوطني" و"حزب التجمع الوطني الديموقراطي"، وعلى الأغلب سيتوجه أنصارها للترشح في قوائم حرة، لتشتيت أنظار الحراك.
وأحزاب تقول إنها معارضة للسلطة "الأرسيدي" و"حزب العمال" تحديدا، وما يحسب عليها أنها شاركت في العديد من الانتخابات في عهد النظام السابق وحازت على مقاعد في البرلمان لأكثر من عهدة، وهي الأحزاب التي أعلنت اليوم مقاطعتها للانتخابات بحجة عدم توفر الشروط الملائمة لتنظمها.
وقد استبق الرئيس عبد المجيد تبون قرار تنظيم الانتخابات التشريعية، بعقد جلسات مع العديد من قادة الأحزاب السياسية، وأبرزهم رئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري، ورئيس حركة البناء الوطني عبد القادر بن قرينة، ورئيس جبهة المستقبل بلعيد عبد العزيز، ورئيس حزب جيل جديد جيلالي سفيان، وهم أحزاب تدعم بشدة قرار تنظيم الانتخابات كحل للأزمة السياسية.
اللقاءات اعتبرها مؤيدي الانتخابات بمثابة التطمينات على نزاهة الانتخابات ومن شأنه قطع الطريق أمام سياسية التعيينات التي كان ينتهجها النظام السابق وفق قاعدة الولاء والانتماء.
هذه الحالة جعلت من الأحزاب المعارضة تتخبط من الداخل، خاصة حزب العمال الذي شهد محاولة انقلابية على الأمينة العامة للحزب لويزة حنون، كما أن قرارات "الأفافاس" الأخيرة خلقت نوعاً من التصدع داخل الحزب بين أعضائه بسبب قرار مقاطعة الانتخابات.
ويستذكر معظم المحللين السياسيين، تلك العبارة الشهيرة التي قالها يوما المناضل الجزائري الراحل عبد الحميد مهري: "سيأتي اليوم الذي تبحث فيه السلطة عن معارضة نزيهة ومسؤولة لتخمد بها أي غضب شعبي ولن تجدها".
في هذا الصدد يقول الناشط السياسي حسان بن نعمان لـ"سكاي نيوز عربية": ما هو متوفر الآن من حلول هو كل ما تقترحه السلطة عبر الدعوة للانتخابات".
وأضاف: "مسيرات الجمعة هي جزء بسيط من الإرادة الشعبية حاليا ولا تعكس الإرادة الشاملة، حيث يوجد عدد كبير من الأحزاب والتيارات السياسية والنشطاء الذين اعتزلوا المسيرات وقرروا التوجه إلى خيار الانتخابات".
وبينما تصر السلطة ومن يدور في فلكها على أن حل الأزمة السياسية لن يتحقق أبدا بمقاطعة الانتخابات، يقول معارضو الانتخابات أن السلطة قفزت على جميع المقترحات التي قدمتها المعارضة، وأبرزها إطلاق مسار حوار سياسي، وحوار جاد، ومسؤول والشفاف الرامي لبناء إجماع وطني، قبل التوجه إلى أي إنتخابات وسط مخاطر العزوف الشعبي خاصة في منطقة القبائل.
وهذا "التعليل" يصفه بن نعمان بـ"الفضفاض" وقال: "هذه الأحزاب لا تمتلك قاعدة شعبية تمكنها من الفوز بالأغلبية في أي انتخابات وقد دخلت البرلمان عن طريق الكوتة وهذه الأحزاب تنظر إلى الانتخابات وفق قاعدة الخسارة والربح".
ويرى الأستاذ في العلوم السياسية والعلاقات الدولية رضوان بوهديل أن الانتخابات اليوم أصبحت رهان الطبقة السياسية وخاصة الأحرار لأنها تعتبر الألية الوحيدة لإحداث التغيير المنشود.
وقال بوهديل لـ"سكاي نيوز عربية": الأكيد هناك مطالب مشروعة في المسيرات ولكننا اليوم تجاوزنا مرحلة الشعارات إلى مرحلة العمل السياسي الميداني لإحداث التغيير المنشود، والصندوق هو الأقدر على تقديم قراءة شاملة للوضع السياسي والمعارضون يخافون من أن يتم تقزيمهم عن طريق الصندوق".
وأمام حالة الركود السياسي، اتجهت السلطة لمنح الاعتماد لعدد من الأحزاب الجديدة لخلق متنفس جديد، ومن بين هذه الأحزاب التي منحت لها الاعتماد مؤخرا "حزب الوطنيين الديموقراطيين".
وقال عضو المكتب الوطني للحزب كريم بن عيسى لـ"سكاي نيوز عربية": "نحن على أبواب استحقاقات مهمة وعلي الأحزاب السياسية الحديثة فتح صفحة جديدة بوجوه جديدة تمارس سياسية حقيقية بكل ديمقراطية وشفافية ترجع ثقة المواطن الجزائري واستقطابه لممارسة للولوج لعالم السياسة".
وعن مقاطعة الانتخابات قال: “المعارضة الحقيقية تكون بانخراط الحراكيين الحقيقيين في الأحزاب السياسية وتقديم مقترحات ومخرجات للخروج من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية".