لم تتبق سوى ساعات قليلة فقط، حتى تشهد مصر انطلاق موكب المومياوات الملكية، من المتحف المصري في التحرير، إلى مكان عرضها الدائم بالمتحف القومي للحضارة المصرية بالفسطاط، مع غروب شمس السبت، في مسيرة تترقبها عيون الملايين في العالم.

وثمة أسرار وخفايا في هذا الموكب المهيب، الذي يضم 22 مومياء لجثامين ملوك وملكات لواحدة من أعرق الحضارات التي أشرقت في شمس التاريخ البشري، ونستعرض هذه الجوانب بالرجوع إلى فريق عمل هذا المشروع الفريد الذي أقيم بجهود مصرية خالصة، على الصعيدين العلمي والتنظيمي.

الحدث يحظى بمتابعة واسعة

مئات الأسرار لم يُكشَف عنها بعد

في تصريحاته لموقع "سكاي نيوز عربية"، يؤكد الدكتور زاهي حواس، عالم المصريات ووزير السياحة الأسبق، أن هذا المشروع العريق أزاح الستار عن عشرات، بل مئات الأسرار والخبايا التي أرَّقت العلماء، لافتًا النظر إلى أن معظم النتائج التي توصل إليها الفريق لا تزال قيد النشر العلمي المُحكم، ولم تخرج للأوساط الإعلامية بعدُ.

الفرعون الشهيد والغزو الهكسوسي

منذ أن أزيح الستار عن مومياء الملك سقنن رع تاعا الثاني، عقب الكشف عنها في خبيئة الدير البحري عام 1986، برز اسمه من بين عشرات المومياوات المكتشفة، بعدما لقَّبه العلماء بـالفرعون الشهيد؛ لكونه راح صريعًا على إثر مجابهته للغزو الهكسوس لمصر، لكن سيناريو قتله ظل سرًّا أرق العلماء؛ نظرًا لعدم وروده في أي جداريات أو سجلات ملكية.

المومياوات ما زالت تثير فضول العلماء

العلم يعيدنا إلى تفاصيل المشهد

ويؤكد الدكتور زاهي، في تصريحاته لموقع "سكاي نيوز عربية"، أنه "بفضل تضافر العلوم وجهود الأبحاث والنظريات المصرية الخالصة، استطاع استعادة تفاصيل مشهد قتل الفرعون الشهيد؛ إذ تبيَّن من خلال فحص جثمانه بالمسح المقطعي، وتحليل الـDNA ثم مقارنة هذه النتائج بشواهد تاريخية متعلقة بمُكتشفات الحقبة الهكسوسية، أنه تلقي سبع ضربات في رأسه، بأسلحة هكسوسية، وأنهم كبَّلوا يدَيْه، وهو ما يدل على أنه أُسر في أجواء احتفالية".

مؤامرة في قصر رمسيس الثالث

توصل العلم كذلك إلى تفاصيل مؤامرة اغتيال رمسيس الثالث، في قصره؛ إذ تؤكد الدكتورة سحر سليم، أستاذ الأشعة بكلية طب جامعة القاهرة، وأحد أعضاء فريق العمل في مشروع المومياوات الملكية في تصريحاتها لسكاي نيوز، "أن العلم كشف كواليس المؤامرة التي تعرَّض لها الملك رمسيس الثالث، الذي تبين أن عدة متآمرين قد اغتالوه في قصره؛ إذ هجم عليه أحدهم بخنجر من الخلف، فأصابه بجرح قطعي مميت في رقبته، بينما داهمه آخر من الأمام ببلطة، فأحدث بترًا في ساقه اليسرى".

وتضيف سليم في تصريحاتها لموقع "سكاي نيوز عرببة"، أن النتائج العلمية للمسح المقطعي للمومياوات تعيد كتابة التاريخ؛ فمن المعروف من بردية المحاكمة الموجودة حاليًّا بمتحف تورينتو بإيطاليا، أن أكثر من 30 فردًا من كبار الشخصيات في البلاط الملكي لقصر رمسيس الثالث، وبينهم حريم الملك، تآمروا على قتله، بالاتفاق مع زوجته الثانوية تيا، للاستيلاء على العرش، وتولية نجلها بنتاؤر بدلًا من الوريث الشرعي رمسيس الرابع، فيما يُعرف بمؤامرة الحريم. إلا أن البردية لم تذكر مصير الملك، وهل نجا أم لا، حتى أثبت العلم الحديث أن الملك قد اغتيل وذُبح".

أخبار ذات صلة

مصر تتأهب للموكب الملكي.. ونجومها يظهرون بفيديو "خاص جدا"

وتضيف: رغم جهود المُحنِّط الذي أخفى الجروح القطعية في رقبة رمسيس الثالث وجسده، عبر لفها بمواد راتنجية لاصقة مستخلصة من لحاء الأشجار، فإن الأشعة المقطعية كشفت تفاصيلها".

خفايا التمائم والمجوهرات الملكية

وتضيف كذلك لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن المسح المقطعي كشف خفايا وأسرار تتعلق بدلائل التمائم والمجوهرات التي وضعها المحنِّطون في المومياوات؛ كتميمة عين حورس التي وُضعت فوق الجروح القطعية بجسد رمسيس الثالث؛ اعتقادًا من المحنِّط أنه ستساعد جسده على التداوي عقب بعثه؛ والجعران الذي عُثر عليه في تجويف ليُؤمِّن له البعث والحياة الأبدية".

عمليات تجميلية وأطراف تعويضية بورش التحنيط

وتتابع قائلة: "شهدت ورش التحنيط، خاصةً في المملكة الحديثة؛ عمليات تجميلية مُتقنة أجراها الأطباء والكهنة؛ كالحفاظ على جمال الجسد عبر ملء فراغات بحشوات متخصصة تحت الجلد؛ كما صُنع الحنط من لفائف ساق تعويضية لمومياء رمسيس الثالث عوضًا عن التي بترها المتآمرون؛ لتحتفظ بجمال جسده حين يلقى أوزوريس في العالم الأبدي".

 5 أعوام من الجهد

من جانبه، أكد الدكتور مصطفى إسماعيل، رئيس معمل صيانة المومياوات بمتحف الحضارة، لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن هذا المشروع العملاق نِتاجُ خمسة أعوام من الجهد المتواصل لفريق العمل، الذي لا يزال يعمل 16 ساعة يوميًّا.

أخبار ذات صلة

الفسطاط.. "عاصمة مصر القديمة" تتأهب لاستقبال "الملوك"

وأشار إسماعيل إلى أنه "شرُف بالمشاركة في هذا الحدث التاريخي، عبر استحداث طريقة علمية لنقل المومياوات داخل كبسولة نيتروجينية؛ إذ يضمن نقل المومياوات داخل هذا الغاز الخامل إيقاف النشاط البكتيري، وعدم تعرضها لأي ضرر".