خيام بلاستيكة، وأفرشة كارطونية، وأغطية مهترئة، هي كل ما يأخذه معهم المهاجرون الأفارقة غير الشرعيين، كلما شرعت السلطات المحلية في الدار البيضاء في عملية تفكيك مخيماتهم، وهي ذات الأمتعة التي يعودون بها لاحتلال محيط محطة أولاد زيان، أكبر المحطات الطرقية للنقل البري في المغرب.
ويقف السكان المجاورون لهذه للمحطة، بين الفينة و الأخرى على تدخلات أمنية، بغرض تفكيك المخيمات العشوائية التي ينصبها بشكل غير قانوني المهاجرون القادمون من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، والمقيمون في المغرب بشكل غير نظامي.
وتعمل السلطات الأمنية على استتباب الأمن في المنطقة، ومنع وقوع أي مناوشات بين السكان والمهاجرين، كما تسعى إلى التصدي المسبق لأي انفلات أمني قد تفرزه التجمعات الكبيرة والمخيمات العشوائية.
معاناة الساكنة المجاورة للمحطة
ورغم المجهودات التي تبذلها السلطات المحلية في الدار البيضاء، من أجل إجلاء المهاجرين غير الشرعين، إلا أنهم يعودون في كل مرة للتجمع في نفس المكان، وهو ما يخلق نوعا من الفوضى بمحيط المحطة الطرقية وفي بعض الأحياء المجاورة، وتتزايد معه شكاوى المواطنين.
وتبقى أكثر الأحياء تضررا، حي أولاد زيان وحي درب الكبير، على الرغم من إقدام السكان في أكثر من مناسبة على تقديم شكايات إلى السلطات المسؤولة، تشير إلى تضررهم الكبير من المهاجرين غير الشرعيين.
وعبر عدد من السكان ممن التقت بهم "سكاي نيوز عربية"، عن غضبهم ورفضهم لتواجد تجمعات عشوائية لمهاجرين على أمتار قليلة عن محلات سكناهم، وما يشكله ذلك من تهديد لأمنهم، ما لم يتم إبعادهم بشكل نهائي عن التجمعات السكنية.
ويشير السكان إلى أن "السلطات غالبا ما تحجز أسلحة بيضاء من الحجم الكبير وعصي حديدية، خلال عملية تفريق التجمعات، وهو ما يمس بأمن وسلامة السكان المجاورين للمحطة أو المارة خاصة خلال الليل".
فيما اشتكى آخرون من خطورة المناوشات التي تحدث من فترة لأخرى، بين المهاجرين وشباب مراهقين، وطالبوا بضرورة العمل لإيجاد حل نهائي لهذا الإشكال، في انتظار تسوية وضعيتهم القانونية أو ترحيلهم.
توتر وتضامن
ويعود آخر تدخل للسلطات المحلية والأمنية لتفريق المهاجرين ولتحرير محيط المحطة الطرقية، إلى أسابيع قليلة، حينما هاجم مهاجرون على أحد المحسنين الذي كان يوزع طعاما على أشخاص في وضعية الشارع من الأفارقة والمغاربة، وتسببوا له في كسور متفرقة.
يقول ممادو وهو مهاجر من مالي يبيت بجوار محطة أولاد زيان: "غالبا ما يتم استفزازنا من طرف بعض الأشخاص ورمينا باتهامات لا أساس لها من الصحة، كالنشل وإحداث الفوضى، وعلى عكس ذلك فنحن من نخشى من سرقة أغراضنا الخاصة كوننا ننام في العراء".
يضيف ممادو، البالغ من العمر 24 سنة، والذي التقته "سكاي نيوز عربية"، بأحد الأزقة القريبة من المحطة: "نحن نعيش على المساعدات التي تقدمها لنا الساكنة، فالمغاربة أشخاص كرماء، وبالرغم من العلاقة المتوترة مع فئة قليلة، غير أن غالبية السكان يتضامنون ويتعاطفون معنا بشكل كبير".
وتعمل العديد من الجمعيات المدنية في المغرب على قضايا تخص المهاجرين من دول جنوب الصحراء، حيث تقدم لهم الدعم اللازم من أجل الاندماج وسط المجتمع المغربي، مع توفير الخدمات الصحية الأساسية.
في هذا الصدد، يقول غويك باييت، رئيس جمعية بنك التضامن، وهي جمعية تهتم بقضايا المهاجر واللاجئ، إن المهاجرين وبعد إزالة المخيم الذي كانوا يستقرون داخله بشكل عشوائي، وكان بعضهم يبيت في جنبات المقاهي أو وراء أسوار بعض المؤسسات التعليمية، للتواري عن أعين الشرطة، قد تم إبعادهم مؤخرا عن محيط محطة أولاد زيان. إلا أن الساكنة لاحظت عودتهم مرة أخرى إلى المكان نفسه.
ويؤكد باييت في تصريح لـ"سكاي نيوز عربية"، أنه بعد القضاء على المخيم الذي كان مسرحا لمناوشات بين ساكنة الأحياء المحيطة وبعض المهاجرين، والتي انتهت بعضها بأعمال عنف، قد اختار عدد منهم المكوث في الدار البيضاء، فيما اختار البعض الآخر الانتقال إلى مدن شمال المغرب بحثا عن آفاق أخرى.
وفي إطار عمله الجمعوي يقول باييت إنه يتم عقد شراكات مع أطباء متطوعين ممارسين بالمؤسسات الاستشفائية، لتقديم خدمات طبية لهؤلاء المهاجرين، كما يتم تنظيم قوافل وأيام طبية تمكن من الاستفادة من كشوفات طبية مجانية، وهي عملية مكنت من الوقوف على اكتشاف أمراض خطيرة بين صفوف المهاجرين.
تهديد لاستقرار الأسر
على المستوى الاجتماعي، يرى المتخصص في علم النفس الاجتماعي، محسن بنزاكور، أن "العلاقة المتوترة بين بعض المغاربة وفئة من المهاجرين بجوار محطة أولاد زيان، لا تلغي صفة الكرم وحسن الضيافة التي يعرف بها المغاربة "، معتبرا أن "أساس التعايش هو الاحترام المتبادل سواء من طرف الضيف أو المضيف".
ويتابع بنزاكور في تصريح لـ"سكاي نيوز عربية" أنه "عندما تتجاوز انعكاسات الهجرة غير الشرعية وتداعياتها على المجتمع حدودا معينة لتنتقل إلى تهديد لأمن واستقرار المواطنين، لا يمكن آنذاك توقع ردود فعل المجتمع على الظاهرة، حيث يبرز دور الدولة في منح المواطن ضمانات الإحساس بالأمن".
ويؤكد في هذا الخصوص على ضرورة الاستفادة من التجربة الأوروبية، والعمل على مبادرات مؤسساتية، من أجل تطويق هذا النوع من الهجرة، ومنع تسلل مظاهر "العنصرية"، إلى المجتمع المغربي.
ويلفت المتحدث في المقابل إلى نجاح تجارب عديدة لمهاجرين أفارقة في المغرب، في الاندماج وسط المغاربة، واقتحام جميع مجالات العمل.
ويضع المغرب استراتيجية خاصة بالهجرة واللجوء، الهدف منها إدماج المهاجرين في المغرب عبر مراحل، عن طريق تسوية وضعيتهم القانونية ومساعدة الراغبين منهم في العودة إلى بلدانهم.
وقد تمكنت المملكة في مرحلة أول، من هذه الاستراتجية، من تسوية وضعية ما يقارب 23 ألف مهاجر أفريقي في وضعية غير شرعية، سنة 2014، فيما شملت العملية في مرحلة ثانية، تسوية وضعية 50 ألف مهاجر غير نظامي في سنة 2016.