يصر حزب العدالة والتنمية في المغرب، الذي يقود الائتلاف الحاكم، على رفض التعديلات التي صادق عليها البرلمان بالإجماع، وخاصة "القاسم الانتخابي"، الأمر الذي لا يبدو مفهوما، وفق مراقبين.
ويأتي هذا الجدل في وقت يستعد المغرب لإجراء انتخابات برلمانية في وقت لاحق من هذا العام.
ولجأ الحزب إلى المحكمة الدستورية في المغرب، لإسقاط التعديلات التي أدخلته الكتل النيابية الأخرى على إحدى مواد مشروع القانون، والقاضي باحتساب القاسم الانتخابي على أساس عدد المُسجّلين بدل عدد الأصوات الصحيحة.
ويقول الحزب، الذي يعيش انقاسامات، إن التعديلات الجديدة تستهدف تقليل عدد المقاعد التي يمكن أن يحصل عليها في الانتخابات المقبلة، لكن محللين يرون أن الحزب يبالغ كثيرا في الأمر، إذ يعتقد أن" هناك مؤامرة"، علما بأن التعديل لا يعدو كونه محاولة تطوير انتخابي، كما أن بقية الأحزاب وافقت عليه.
ونصّت المادة 84 من مشروع القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب، على أنه "لا يمكن أن يعلن عن انتخاب مترشحي لائحة فريدة أو مترشح فريد إذا لم تحصل اللائحة المعنيّة أو المترشح المعني على عدد من الأصوات يعادل على الأقل خمس أصوات الناخبين المُقيّدين بالدائرة الانتخابية المعنية".
هذه الصيغة المًصادق عليها ضمن متن مشروع القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب، "يتم الحصول من خلالها على القاسم الانتخابي بقسمة عدد المُقيّدين في اللائحة الانتخابية على عدد المقاعد المُتبارى بشأنها في الدائرة الانتخابية"، يقول محمد بودن، الأكاديمي والمحلل السياسي.
وهو الأمر المخالف لما كان في الانتخابات السابقة، إذ "كان الحصول على القاسم الانتخابي بقسمة عدد الأصوات الصحيحة أو المُعبّر عنها على عدد المقاعد المُخصّصة لكل دائرة انتخابية"، يضيف بودن، في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية".
وأوضح، أن "القاسم الانتخابي هو آلية تقنية، يسمى كذلك بالحاصل الانتخابي أو الخارج الانتخابي، وهو مُعدل يتم بواسطته توزيع المقاعد على القوائم المتبارية".
نظرية المؤامرة
لكن حزب العدالة والتنمية، يعتبر أن القاسم الانتخابي يستهدفه، إذ أعلن الأمين العام للحزب ورئيس الحكومة الحالي، سعد الدين العثماني، أن حزب العدالة والتنمية يعتبر تعديل القاسم الانتخابي "غير دستوري".
وأردف العثماني، في كلمته خلال الدورة الاستثنائية للمجلس الوطني للحزب، الأسبوع الماضي، أن "التعديلات التي جاءت ضد المنطق الديمقراطي لها تفسير واحد، وهو أنها تستهدف حظوظ العدالة والتنمية في الانتخابات المقبلة".
كما شدد العثماني، على أن الحزب سيواصل بجميع الوسائل الدستورية والقانونية والسياسية، التّصدي لتعديل القاسم الانتخابي كما سيواصل التعبئة من أجل ذلك"، دون تفاصيل.
في هذا الإطار، يرى بودن أنه من حق أي حزب أن يدافع عن نفسه أو موقعه الانتخابي وهذا طموح مشروع، لكن لا ينبغي أن تحتل فكرة الاستهداف أو نظرية المؤامرة أو أي معنى سلبي آخر مكانة في قراءة كل ما يحصل من مستجدات أو تطوير".
وأبرز المتحدث نفسه، أن "المنظومة القانونية الانتخابية كانت موضوعا لنقاش تشريعي عميق، وحزب العدالة والتنمية استثمر الامكانيات المؤسّساتية التي يتيحها له الدستور وموقعه الحكومي والبرلماني من أجل الدفاع عن موقفه من القاسم الانتخابي بكل قوة وحرية وهذا مؤشر ديمقراطي بارز".
تشبث غير مفهوم
بدوره، اعتبر محمد شقير، الأكاديمي والمحلل السياسي، أن تشديد حزب العدالة والتنمية على أن التعديل الأخير مخالف للديمقراطية يعتبر تسفيها وإقصاء لمفاهيم الديمقراطية.
واستغرب محمد شقير، في تصريحه لموقع "سكاي نيوز عربية"، "التشبّث الكبير الذي يوليه حزب العدالة والتنمية للقاسم الانتخابي، بينما بقية الأحزاب وافقت عليه استنادا إلى لعبة ديمقراطية بالاحتكام إلى التّصويت، أمر غير مفهوم".
ولفت إلى أنه من غير المنطقي أن تشترك في قواعد اللعبة الديمقراطية دون أن تقبل بنتائجها حتى وإن كانت ليست في صالحك".
فهم إيديولوجي للديمقراطية
من جانب آخر، أوضح محمد شقير، الأكاديمي والمحلل السياسي، أن "القاسم الانتخابي باحتساب المُسجّلين بدل المُصوتين، خدم مصالح الحزب في الانتخابات السابقة فاعتبره مكسبا سياسيا لا ينبغي التنازل عليه".
هذا الأمر "يبقى فهما إيديولوجيا للديمقراطية في بلد ما زال يتلمس طريقه الى الانتقال الديمقراطي"، وفق المصدر ذاته.
وأبرز الفرفار العياشي، الباحث في علم الاجتماع السياسي، أن حزب العدالة والتنمية لم يكن شرسا عندما مُسّت مرجعياته الأخلاقية والدينية في محطات كثيرة، لكنه دافع بشراسة كبيرة حينما مُسّت مصالحه، لأنه يعلم جيدا أن الإقرار بالقاسم الانتخابي بناء على عدد المُسجلين سيؤدي بالحزب إلى فقدانه إمكانية تصدّر المشهد".
فحزب العدالة والتنمية، "كان دائما يستفيد من وضعية العزوف عن المشاركة في الانتخابات، علما بأن المؤيدين وأنصار هذا الحزب لهم تصويت إيديولوجي وعقدي، وهو تصويت غير سياسي يتجاوز التصويت بناء على تقييم أداء الحكومة وتدبيرها"، حسبما يقول العياشي، في تصريحه لموقع "سكاي نيوز عربية".
وأضاف أن "المنخرطين في الحزب وأنصاره لا يصوّتون بناء على معيار سياسي وإنما بناء معيار ديني، لأنهم يعتبرون الحزب يقوم بمُهمّة دينية مُؤسّسة على مواجهة الآخر، وهو ما يجعل هؤلاء يُصوّتون بكثرة".
وخلص إلى أن "القاسم الانتخابي بناء على عدد المُسجّلين يسير في اتجاه البرلمانية التمثيلية، من خلال ضمان فتح المجال لجميع الأحزاب السياسية لكي تكون مُمثلة بالمؤسسة التشريعية، فيما ينحاز العدالة والتنمية للقاسم الانتخابي بناء عدد المُسجلين لغلق المجال أمام الآخر المختلف".
وهو الرأي نفسه الذي يذهب إليه، محمد بودن، الأكاديمي والمحلل السياسي، بتأكيده أن "القاسم الانتخابي المستحدث سيحمي طموحات الأحزاب المتوسطة والصغيرة في عملية توزيع المقاعد ويمكنها من إسماع صوتها في مجلس النواب، ولا يضع قيودا على طموحات الأحزاب التي تريد التفوق على القاسم الانتخابي، لكنه يتعارض مع منطق أن يأخذ المُتصدر الحصة الكبيرة في إطار العدالة الانتخابية".